11-مايو-2021

امرأة فلسطينية تتجادل مع رجل يهودي في حي الشيخ جراح (Getty)

لو نجحت الضغوط التضامنية في تأجيل قرار السلطات الإسرائيلية بإخلاء عائلات حي الشيخ جراح المقدسي من بيوتها، فهل يمكن لهؤلاء المتضامنين أن يحتفلوا بالانتصار، أو على الأقل أن يفكروا في العودة إلى مشاغلهم اليومية، التي كانت تشغل أوقاتهم من قبل؟

عائلات الشيخ جراح هجرت إليها من القدس الغربية، وهذا التهجير هو تهجيرهم الثاني من المدينة نفسها

لا يندرج هذا السؤال في باب إحراج المتضامنين أو الإيحاء لهم بأن تضامنهم لا معنى له، أو أنه قليل القيمة. وربما يكون الباب المخالف هو المقصود فعلًا وقولًا. مع إدراك كاتب هذه السطور لشبه استحالة تحقيق هذا المسعى.

اقرأ/ي أيضًا: فلسطين؟ لنمرر تلك الجينة على الأقل

يكفي أن نتذكر أن عائلات الشيخ جراح تقطن في بيوت موقتة، هجرت إليها من القدس الغربية، وأن هذا التهجير الذي تسعى السلطات الإسرائيلية إلى إتمامه اليوم، هو تهجيرهم الثاني من المدينة نفسها. هؤلاء، الذين يعيشون في المؤقت والزائل، مثلهم مثل كل سكان القدس الفلسطينيين، نكاد لا نسمع أصواتهم ولا ننصت لأنينهم في العاديات من الأيام. ومعنى العاديات من الأيام، هي أيام المتضامنين العادية، لا أيام المتضامن معهم. فهؤلاء ليس ثمة عادي في أيامهم. إذ ما معنى أنك لا تستطيع أن تسعى لإكمال دراستك خارج القدس، إذا كنت تنوي العودة إليها حيث يعيش أهلك وذووك؟ ما معنى أنك قد تنجب أطفالًا ولا تستطيع أن تحصل لهم على شهادة ميلاد تخولهم الالتحاق بالمدارس؟ ما معنى أن تنجب امرأة ثلاثة أطفال، في البيت نفسه وفي الغرفة نفسها، أحدهم يستطيع الحصول على إقامة مؤقتة والآخران يعيشان من دون أوراق ثبوتية، ويكتفيان بالمؤقت منها إذا كانا محظوظين.

هذا يقع في العاديات من الأيام. وحين يصرخ المقدسيون، وحي الشيخ جراح في القلب من القدس، فإن الصراخ يكون لأن هذا العادي بات صعب المنال. إخراج هؤلاء من بيوتهم إلى أين؟ هؤلاء الممنوعون من توسيع بيوتهم أو بناء بيوت جديدة، لأن الأرض، بموجب القوانين المرعية، ملك للدولة الإسرائيلية. (نعم لقد ورثتها غابرًا عن غابر) ولأن الدولة الإسرائيلية تعامل هؤلاء كما تعامل الحداثة الغابات البرية. تشذبهم كلما سنحت لها الفرصة، وتقتلع بعضهم كلما لاح مشروع استيطان في الأفق، وتجهد لمنعهم من التكاثر ومن احتلال المساحات التي باتت تحت سلطة بستاني الدولة الحداثي. -ليس ثمة وسيلة ممكنة يستطيع الفلسطيني التوسل بها لاستئجار قطعة الأرض التي كانت لأبويه-. هكذا تحول الفلسطينيون في تلك البقعة من الأرض إلى أعشاب ضارة، وتجهد الدولة الحديثة والديمقراطية لاقتلاعهم من جذورهم.

الحقيقة المرعبة، أن ثمة شعبًا غير مرغوب به في أي مكان. وحيث إنه لن يفنى من تلقائه، تريد إسرائيل أن تفنيه بمجزرة الإهمال دومًا

المسألة ليست حي الشيخ جراح. الحقيقة المرعبة، أن ثمة شعبًا غير مرغوب به في أي مكان. وحيث إنه لن يفنى من تلقائه، تريد إسرائيل أن تفنيه بمجزرة الإهمال دومًا، ومجازر الإبادة حين تسنح لها الفرصة. في المقابل، يستنكر الرأي العام العالمي إخلاء بيوت الشيخ جراح عنوة، لكنه يستكين ويصرف النظر حين يعودون لجحورهم لا ينتظرون شيئًا غير موتهم الخاص.

اقرأ/ي أيضًا: القدس كما تبدو من بيروت

هل يجدي التضامن المتقطع مع هؤلاء؟ الأرجح أن هذا التضامن يشعر المتضامن بإنسانيته بين وقتين. لكن هؤلاء، خصوصًا في أزمان صمتهم، هم فضيحتنا المجلجلة وعارنا الذي لن نستطيع أن نتخلص من تبعاته، لا تضامنا ولا إطلاقًا لبعض الرشقات من الصواريخ. إلا حين ننجح في تبين الأسباب التي تدفع الفلسطيني إلى الموت تضامنا مع أبناء شعبه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فدائي ترمسعيا والعودة إلى المسألة الفلسطينية

أبارتهايد كامل الأوصاف