07-مايو-2019

تسعى روسيا لفرض شروطها عسكريًا في الشمال السوري (Getty)

الترا صوت – فريق التحرير

بدأ النظام السوري مدعومًا بسلاح الجو الروسي حملًة عسكرية جديدة على أكبر معاقل المعارضة السورية في الشمال السوري، بالتوازي مع تنفيذ الجيش الوطني السوري بدعم من القوات التركية هجومًا بريًا على القرى المحيطة بمدينة تل رفعت بريف حلب الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ما اعتبره مراقبون إعادة توزيع لمواقع السيطرة بين الأطراف الدولية الفاعلة في الشأن السوري.

اعتبر مراقبون أن التصعيد العسكري الأخير في ريف إدلب وريف حماة الشمالي نتيجة لمخرجات اتفاق أستانا 12، حيثُ تسعى موسكو للضغط على أنقرة للقبول بشروطها الجديدة

الشمال السوري.. من تل رفعت إلى ريف حماة وإدلب

كثف النظام السوري بدعم من المقاتلات الروسية منذ أكثر من خمسة أيام قصفه الجوي لقرى جنوب إدلب وريف حماة الشمالي، بعد أيام من استبعاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شن هجوم عسكري على المحافظة التي أضحت معقلًا أخيرًا للمدنيين المهجرين من باقي المناطق التي استعاد النظام السوري سيطرته عليها العام الماضي، ووفقًا لفريق منسقي الاستجابة فإنه منذ 29 نيسان/أبريل الفائت حتى صباح أمس الإثنين تجاوز عدد النازحين من المناطق المستهدفة مئة ألف مدني.

اقرأ/ي أيضًا: معركة إدلب الكبرى.. تحرير الشام عتبة لـ"حمام دم" الأسد

وهذه الحملة الثانية التي ينفذها النظام السوري مدعومًا من موسكو في أقل من شهرين على المنطقة التي تؤوي أكثر من ثلاثة ملايين مدني، وسط مخاوف من تجدد موجة اللجوء إلى دول الاتحاد الأوروبي إذا ما نفذ النظام السوري هجومًا واسعًا لاستعادة المنطقة. ويوم الإثنين تمكنت قوات النظام السوري من السيطرة على تل عثمان الاستراتيجي شمال غرب حماة.

وبموازاة ذلك بدأ الجيش الوطني السوري بدعم من القوات التركية هجومًا عسكريًا على القرى المحيطة في مدينة تل رفعت، فيما يبدو أنه جاء ردًا على مقتل وإصابة جنديين أتراك نتيجة قصف مدفعي نفذته وحدات حماية الشعب الكردية على نقطة للمراقبة التركية في محيط المدينة، ونقلت وكالة رويترز على لسان مسؤول أمني تركي قوله إن الجيش التركي ينفذ عمليات محدودة للقضاء على التهديدات من المنطقة، مشيرًا إلى إمكانية تنفيذ "عملية أكبر" إذا اقتضت الضرورة.

وشهد يوم الاثنين تطورًا لافتًا على صعيد قسد بعد تلقيها رسالة من زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان الذي يقضي حكمًا بالمؤبد في أحد السجون التركية، دعا خلالها قسد إلى "إيجاد حلول في البلاد (سوريا) مع تركيا بدل الصراع معها"، بحسب موقع روسيا اليوم، وتعتبر وحدات حماية الشعب المرجعية التي تقود قسد الذراع السوري للعمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية.

ويلتقي في الشمال وشمال غرب وشمال شرق سوريا معظم الأطراف الدولية الفاعلة في الشأن السوري التي تقدم الدعم العسكري واللوجستي لجماعات مسلحة محلية مصنفة بأنها معتدلة، ففي شمال سوريا تدعم أنقرة فصائل المعارضة المنضوية ضمن الجيش الوطني السوري الذي يسيطر على مناطق درع الفرات وغصن الزيتون في شمال وشرق حلب.

بينما تسيطر هيئة تحرير الشام (المدرجة ضمن لائحة التنظيمات الإرهابية) على محافظة إدلب وأجزاء من ريف حلب، وتسيطر قسد المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن على مدينة تل رفعت والقرى المحيطة بها بالإضافة لشرق سوريا الذي تتقاسم السيطرة عليه مع الميليشيات الأجنبية المدعومة من إيران، ورغم فرض فصائل المعارضة حصارًا على المدينة فإن لديها طريق إمداد يصلها مع مناطق النظام السوري حسبما يظهر توزع القوى على الخارطة العسكرية السورية.

صراع دولي على المنطقة الآمنة في الشمال السوري  

رغم تأكيد البيان الختامي لاجتماع أستانا 12 على ضرورة التنفيذ الكامل للاتفاقيات في إدلب، وتسيير دوريات مشتركة بين القوات التركية والروسية، والعمل على الحد من سيطرة هتش عسكريًا ومدنيًا على محافظة إدلب، وهو ما يأتي في إطار الالتزام باتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة بين أنقرة وموسكو في أيلول/سبتمبر الماضي، فإن النظام السوري مدعومًا بسلاح الجو الروسي استمر بخروقاته للاتفاقية، حيثُ تشير تقارير حقوقية لمقتل أكثر من 300 مدني خلال الأشهر الأخيرة في المحافظة.

ويبدو الأمر معقدًا في الشمال السوري عمومًا نتيجة تضارب مصالح الأطراف الدولية الفاعلة بشكل صارخ في الأزمة السورية، ففي الوقت الذي تريد فيه أنقرة السيطرة على مدينة تل رفعت لترسيخ تواجد المعارضة السورية في شرق حلب، ومنع قسد من تسليم المدينة لقوات النظام السوري، يحاول النظام السوري التقدم إلى مناطق المعارضة تحديدًا في جنوب شرق إدلب وريف حماة الشمالي لتحقيق مكاسب جديدة ميدانيًا.

وبحسب تقارير صحفية فإن تركيا تسعى لإنشاء منطقة آمنة بالتعاون من القوات الأمريكية بمساحة يصل عمقها لـ20 كم على الحدود الشمالية مع سوريا، مشيرًة لوجود خطة مبدئية لتسيير دوريات مشتركة بين الطرفين في المنطقة الآمنة لضمان تنفيذها، وعلى الرغم من محاولة الطرفين التوصل لحل توافقي، فإن المنطقة الآمنة لا تزال تواجه "اختلافات كبيرة" على حجم المساحة المقترحة من قبل أنقرة وفقًا لما نقلته صحيفة واشنطن بوست عن مصدر تركي.

التصعيد عسكريًا ورقة موسكو لتحقيق شروطها في الشمال السوري

اعتبر مراقبون أن التصعيد العسكري الأخير الذي تشهده مناطق في ريف إدلب بالإضافة لريف حماة الشمالي نتيجة لمخرجات اتفاق أستانا 12، حيثُ تسعى موسكو من خلف الحملة الجوية للضغط على أنقرة للقبول بشروطها الجديدة، والتخلي عن مدينة جسر الشغور مع بلدات الريف، وريف حماة الشمالي، كما يدخل في هذا الإطار محاولة موسكو الضغط على فصائل المعارضة لتتخلى عن موقفها الذي يرفض تسيير دوريات روسية في مناطق سيطرتها، حيث تتبنى هذا الموقف الجبهة الوطنية للتحرير.

كذلك تسعى موسكو إلى الضغط على أنقرة للالتزام بمنع فصائل المعارضة من استهداف قاعدة حميميم الجوية في مدينة اللاذقية أولًا، ومواقع قوات النظام المحاذية لمناطق سيطرة المعارضة السورية في المنطقة عبر العمليات البرية الخاطفة، وبحسب ترجيحات، فإن موسكو تريد عبر هذه "العملية العسكرية المحدودة" أن تبعد فصائل المعارضة وصواريخ الراجمات التي تستهدف نقاط تمركزها مسافة 25 كم عن مناطق سيطرة النظام السوري، وهو ما يعني سيطرتها بشكل كامل على ريف حماة الشمالي بالإضافة لأجزاء من ريف إدلب.

لكن صحيفة الأخبار اللبنانية الموالية للنظام السوري تحدثت عن أن التصعيد العسكري جاء بعد بحث أنقرة وموسكو السماح بشن عملية عسكرية في المنطقة، تتيح سيطرة النظام السوري على مدينة جسر الشغور وريف حماة الشمالي، مقابل تنفيذ فصائل المعارضة المدعومة من تركيا هجومًا مماثلًا يسمح لها بدخول مدينة تل رفعت شمال حلب، إلا أن العملية من المتوقع أن تتوقف بحسب الصحيفة اللبنانية بعد رفض إيران للتوافق الروسي – التركي، لما يشكل إعادة توزع القوى العسكرية من تهديد لمواقع الميليشيات المدعومة من قبلها في شمال غربي حلب.

اقرأ/ي أيضًا: الغرب يوحد موقفه.. "جرس النهاية" يقرع في إدلب

كذلك لا يمكن تجاهل أن التصعيد العسكري جاء بالتوازي مع انتهاء الاجتماع الذي دعت واشنطن حلفاءها لحضوره في جنيف الأسبوع الماضي لإيجاد حل سياسي للصراع الدائر في سوريا، فقد اعتبر محللون سياسيون أن الهجمات التي وقعت ستؤدي إلى تآكل الثقة في جهود جنيف التي تدعمها الأمم المتحدة، لأنها لا تشمل الحلفاء الرئيسيين لرئيس النظام السوري بشار الأسد، لذا فإن التصعيد يأتي في إطار محاولات روسيا تقويض عملية جنيف السياسية للأزمة السورية.

تشير المعطيات الموجودة إلى تضارب المصالح بين الأطراف الدولية في إدلب، حيث تصطدم معظم الاتفاقيات بخلافات جوهرية مرتبطة بتقاسم مناطق النفوذ في الشمال السوري

وعلى ضوء ذلك، فإن المعطيات السابقة تدل على تضارب المصالح بين الأطراف الدولية، حيث تصطدم معظم الاتفاقيات بخلافات جوهرية مرتبطة بتقاسم مناطق النفوذ في الشمال السوري، كما يبرز عدم إمكانية روسيا شن هجوم شامل على غرار باقي المناطق خوفًا من موجة لجوء شديدة تشهدها أوروبا بشكل مشابه لما حصل ما بين عامي 2014 – 2015، إلا أن ذلك لا يعني توصل الأطراف عينها لاتفاق حول إيجاد آلية لبدء العملية السياسية كون تنفيذها يحتاج لتفاهمات غير متفق عليها في الأساس بين الحلفاء أنفسهم.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

إدلب.. حصن المعارضة الأخير في مواجهة جحيم النظام السوري

إدلب من جديد.. هل سيكرر الأسد "جحيم" حلب؟