26-أغسطس-2019

هل دخل التصعيد الإيراني الإسرائيلي مرحلة جديدة؟ (Shutterstock)

اعترفت إسرائيل بشن غارات جوية على مواقع لفيلق القدس الإيراني ولميليشيا تابعة لطهران في محيط العاصمة السورية دمشق، تزامنًا مع إسقاط طائرتين إسرائيليتين مسيرتين في الضاحية الجنوبية ببيروت، فيما اعتبره محللون تغيرًا جوهريًا في سياسة "إسرائيل" لمواجهة التموضع العسكري الإيراني في سوريا.

لا تتقاسم روسيا وإيران الرؤية نفسها لمستقبل سوريا. وليس هناك شك في أن لدى روسيا وإيران أفكارًا مختلفة حول التوازن الإقليمي الذي يجب أن تكون سوريا جزءًا منه، ولا سيما حول موقفها من إسرائيل

إسرائيل التي عادة ما تلتزم الصمت قبل الاعتراف بضرباتها على القواعد العسكرية التابعة لإيران وميليشيا حزب الله اللبناني في سوريا، سارعت إلى الإعلان الفوري عن مسؤوليتها عن الغارة التي أدت لمقتل عنصرين من حزب الله وآخر من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني حسب وكالة رويترز.

اقرأ/ي أيضًا: كيف غيّرت سوريا مقاربة إيران العسكرية؟

وليلة السبت - الأحد، أعلن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مسؤولية تل أبيب عن هجوم استهدف فيلق القدس وميلشيات إيرانية في دمشق. وقال نتنياهو، في تغريدة على حسابه الرسمي في تويتر، "بجهد عملياتي كبير، أحبطنا هجومًا من قبل فيلق القدس والميليشيات".

وأضاف أن "إيران ليس لها حصانة في أي مكان.. وقواتنا تعمل في كل اتجاه ضد العدوان الإيراني". واختتم تغريدته بالقول: "أصدرت تعليمات للاستعداد لكل سيناريو، سنواصل العمل ضد إيران والمنظمات التابعة لها بتصميم ومسؤولية".

كذلك أعلن الجيش الإسرائيلي في بيان أن "قواته أغارت على عدد من الأهداف التابعة لفيلق القدس الإيراني في قرية عقربا، جنوب شرق دمشق". واتهم البيان نظام الأسد بأنه مسؤول عن محاولة فيلق القدس والميليشيات الإيرانية تنفيذ هجوم ضد "إسرائيل" باستخدام طائرات مسيرة.

الرسالة وصلت إلى طهران

قال وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي يسرائيل كاتس، لهيئة البث الرسمية الإسرائيلية "إن هدف هذه العملية هو نقل رسالة لطهران مفادها أنه لا حصانة لها في أي مكان". واعتبر كاتس أنه لولا الغارات الإسرائيلية على القوات الإيرانية في سوريا خلال  السنوات الأخيرة، "لوصل عدد المقاتلين الإيرانيين في سوريا إلى 100 ألف". وتابع قائلا "الهدف من العملية هو ضرب رأس الأفعى، وإيران هي رأس الأفعى ويجب نزع أنيابها؛ وهما فيلق القدس، وقائده قاسم سليماني".

وكعادته أعلن النظام السوري عبر وكالة الأنباء الرسمية سانا عن "تصديه لصواريخ معادية في سماء دمشق، وإسقاط معظمها في المنطقة الجنوبية قبل أن تصل إلى أهدافها".

في هذا السياق، شدد محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية رون بن يشاي، على أن "القصف الإسرائيلي الذي أحبط هذه العملية والإعلان عنه، رسالة من إسرائيل إلى قائد فيلق القدس قاسم سليماني، حول ما يمكن أن يواجهه في المستقبل إذا تصاعدت المواجهة". ولفت أن "تركز عمليات إسرائيل ضد أهداف إيرانية في العراق دفع طهران إلى محاولة تنفيذ هجوم غير مسبوق ضد إسرائيل انطلاقا من الأراضي السورية".

وعلى ما يبدو فإن الرسالة الإسرائيلية وما تعنيه من تحول المواجهة لتأخذ شكلا علنيًا على الأراضي السورية، قد وصلت إلى طهران التي توعدت بالرد على الغارات الإسرائيلية، و نقلت وكالة العمال الإيرانية عن القائد السابق في الحرس الثوري الإيراني محسن رضائي قوله إن "الإجراءات التي نفذتها إسرائيل والولايات المتحدة معًا في سوريا والعراق تشكل انتهاكًا للقانون الدولي وسيرد عليها قريبًا المدافعون عن سوريا والعراق".

ونفى رضائي تحقيق الغارات لأهدافها مشيرًا إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة  لا تملكان القوة لمهاجمة مختلف مراكز إيران، وتابع أن "مراكزنا الاستشارية (العسكرية) لم تُصب بضرر". إلا أن رئيس الاستخبارات الإسرائيلية تامير هيمان ادعى قائلًا: "هذه الليلة، بفضل مساع استخباراتية حيوية، تم إحباط هجوم ايراني وتفادي المس بإسرائيل. حاول وكلاء إيران خلال الأيام الأخيرة إطلاق طائرات فتاكة مسيرة من قبل قوة بقيادة سليماني في منشأة إيرانية بالقرب من دمشق. تم رصد  الخلية في عرنة في طريقها لتنفيذ العملية وإحباطها".

هل تهدد الغارات التنسيق الروسي الإسرائيلي؟

رون بن يشاي أوضح أن هناك سببًا آخر لكشف إسرائيل عن مسؤوليتها عن الهجوم، وهو حتى تكشف لروسيا وللعالم عن مواصلة استخدام إيران الأراضي السورية كقاعدة لتسوية حسابها مع إسرائيل، حتى من داخل مساحة الثمانين كيلومترًا التي تعهدت روسيا بأنها ستمنع تنفيذ عمليات ضد إسرائيل انطلاقها منها.

وقبل الغارة؛ أجرى نتنياهو مكالمة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وذكر في تغريدة على حسابه في تويتر "أنهما ناقشا التطورات الإقليمية والوضع في سوريا، مع التأكيد على تعزيز منظومة التنسيق العسكري بينهما"، في إشارة إلى التنسيق بين الجيش الإسرائيلي والقوات الروسية الموجودة في سوريا.

تقود مجريات أحداث ليل الأحد الماضي إلى قمة القدس الأمنية الثلاثية التي جمعت ممثلين عن ورسيا وإسرائيل والولايات المتحدة في حزيران/يونيو الماضي، حيث ناقش المجتمعون الملف الإيراني والتموضع العسكري الإيراني في سوريا وهو ما تطالب إسرائيل بإنهائه.

واصلت موسكو حينها الدفاع عن طهران، في حين جددت تل أبيب مطلبها الداعي إلى إخراج الإيرانيين من سوريا، وهو الطلب الذي تدعمه واشنطن.

وبدأ التنسيق العسكري بين موسكو وتل أبيب عام 2015 مع بداية التدخل العسكري الروسي في سوريا، وأتاح الأجواء السورية للمقاتلات الحربية الروسية والإسرائيلية، التي استهدفت بداية شحنات الأسلحة الإيرانية لحزب الله ومواقعه في سوريا، ثم بدأت تستهدف القوات الإيرانية والميليشيات الموالية لطهران كما حدث مؤخرًا في محيط دمشق.

ويفسر مراقبون الصمت الروسي على استهداف إيران في سوريا إلى التنافس بين الإيرانيين والروس في محاولة الوصول إلى الموارد الاقتصادية النادرة في سوريا، مثل الوصول إلى الموانئ و"الهيدروكربونات". حيث يتنافس البلدان أيضًا من أجل التأثير على نظام الأسد، في محاولة لوضع مقربين منهم في مناصب رئيسية في الجيش وقوات الأمن.

ويضيف المراقبون أن روسيا وإيران لا تتقاسمان الرؤية نفسها لمستقبل سوريا. وليس هناك شك في أن لدى روسيا وإيران أفكارًا مختلفة حول التوازن الإقليمي الذي يجب أن تكون سوريا جزءًا منه، ولا سيما حول موقفها من إسرائيل.

في حين لا تستطيع إيران فتح مواجهة علنية مع روسيا وهي التي تواجه الآن التهديد الإسرائيلي وتهديد الولايات المتحدة التي ما زالت قواتها في سوريا لقطع طريق طهران إلى المتوسط عبر الأراضي السورية.

وكان قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس للثوري، قد أعطى توجيهات للميليشيات الإيرانية للاستعداد لحرب محتملة مع واشنطن في سوريا، وذلك خلال زيارته لمدينة البوكمال التابعة لمحافظة دير الزور جنوب شرقي سوريا، على الحدود مع العراق في تموز/يوليو الماضي، بحسب وكالة الأناضول.

ضرب أذرع إيران في سوريا ولبنان

تزامنًا مع قصف الطائرات الإسرائيلية لموقع فيلق القدس في محيط دمشق، أُسقطت طائرتان إسرائيليتان مسيّرتان في ضاحية بيروت الجنوبية معقل حزب الله اللبناني، ما يشير إلى نحرك إسرائيلي لاستهدف أذرع إيران في سوريا ولبنان أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: إعادة بناء قوات الأسد.. جيش من المليشيات والطلاب والموظفين

واعتبر الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، هجوم الضاحية في كلمة الأحد، أمرًا خطيرًا جدًا ولا يجب تسخيفه. وكشف أن الطائرة المسيرة الأولى نظامية وخاصة بالمهام الاستطلاعية، وكانت تحلف على ارتفاع منخفض لإعطاء صورة دقيقة لهدف في ضاحية بيروت الجنوبية كان من المخطط أن تضربه الطائرة الثانية التي "وصفها بالعسكرية والانتحارية".

اعتبرت صحيفة يدعوت أحرونوت أن "القصف الإسرائيلي الذي أحبط هذه العملية والإعلان عنه، رسالة من إسرائيل إلى قائد فيلق القدس قاسم سليماني، حول ما يمكن أن يواجهه في المستقبل إذا تصاعدت المواجهة"

رد نصرالله بوضوح على تهديد بنيامين نتيناهو بتهديد مماثل، قائلًا: "انتهى الزمن الذي تقصف فيه إسرائيل منطقة في لبنان وتبقى آمنة"، إلا أن الجانب الإسرائيلي ظل صامتًا إزاء إسقاط الطائرتين المسيرتين في بيروت، بحسب وكالة رويترز. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

 تعقيد قواعد الاشتباك.. عن سيناريوهات ما بعد إسقاط المقاتلة الإسرائيلية