30-سبتمبر-2015

تسمية "ترولّ" هي تسمية ازدرائية تحقيرية بعض الشيء

على شبكة الإنترنت (يوتيوب، بلوغ، منتديات، مواقع التواصل الإجتماعي)، "الترولّ" (Troll) هو شخصية افتراضية، تساهم بنشر تعليقات أو كلام مثير للجدل (الترولينغ) لا علاقة له بالموضوع المطروح بالضرورة. يمكن للترولّ أن يكون هاويًا، ومن الممكن أن يكون شخصًا مدفوع الأجر، يعمل لجهة معينة، كما ذكرت دراسة قامت بها مجلة نيويورك تايمز الأمريكية عن مجموعة من الترولات يعملون في خدمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. يبحث الترولّ عن إثارة الجدل والمشاكل بين أفراد افتراضيين يربطهم اهتمام موحد، كمتابعة أخبار إحدى الوسائل الإعلامية العريقة. 

ومن تقنياته العديدة، يحاول الترولّ استمالة عواطف الناس، وتحريكهم ضد بعضهم البعض، وتحويل مكان التعليقات على المقالة إلى ساحة نقاش طويل لا طائل منه. ولا ينحصر نجاح الترولّ فقط بتسليط الضوء على نفسه وتعليقاته التي قد تكون طويلة جدًا، إنما يختصر نجاحه الأكبر بإلغاء فرصة قيام أي نقاش جيد، ممكن أن يستفيد المرء منه. لا يمكن معرفة أسباب "التروليغ" الحقيقية، فبعيدًا من الترولات الذين يعملون لجهة معينة لها هدف سياسي معين، ثمة حالة سيكولوجية لكل ترولّ انفرادي.

بعيدًا من الترولات الذين يعملون لجهة معينة لها هدف سياسي معين ثمة حالة سيكولوجية لكل ترولّ انفرادي

بمعزل عن تعريف الترولّ الذي ورد أعلاه، يجدر القول إن تسمية "ترولّ" هي تسمية ازدرائية تحقيرية بعض الشيء، وأنها ليست موضوعية تمامًا. فقد يعتقد الواحد منا أن صاحب تعليق معين هو مجرد ترولّ، فيما يرى آخرون أنها مشاركة محقة في النقاش. وقامت مجموعة من علماء النفس والخبراء الكنديين بدراسة مفصلة حول موضوع الترولينغ، وذلك بعد أن تابعوا عن كثب 1200 حالة مشتبه بها وذلك لمدة ستة أشهر. القيمون على هذه الدراسة أكدوا أن هناك عدة أنواع من الترولات، وتختلف وسائلهم وأساليبهم بحسب تصنيفاتهم. وهذه التصنيفات تحيلنا بالدرجة الأولى إلى أعطاب سيكولوجية مختلفة لدى كل واحد منهم، أبرزها السادية والنرجسية.

إقرأ/ي أيضًا:
الشتائم على الفيسبوك.. أحّا!

غير أن هذه البحوثات تعتبر معقدة جدًا للفضاء الإفتراضي العربي الذي يعج بنوع خاص من الترولّ، وهو "الفلايْمر". وقد تصح ترجمة "المُشعل" عليه، وقد تصح أيضًا ترجمة "لهلُوب" أو "قاذف اللهب" لو أردنا أن نتهكم على هذه الفصيلة من رواد الإنترنت. فهذا النوع من الشخصيات الإفتراضية نابحٌ دائمًا. وهو ما عاد يصنف في الغرب، ضمن واحدة من خانات الترولات العديدة، التي لا تَوافقَ على عدد محدد لها أصلًا. "اللهلوب" كما تقول لنا دراسة نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية، أغبى من أن يكون ترولاً. إنه لا يناقشك كي يرهقك، ولا يتلذذ بك عندما تتألم، ولا يلجأ لمصطلحاته الرنانة والفلسفية كي يعقد المسألة عليك ويجعلك تصاب باليأس، فتنسحب من النقاش. "المشعل" لا يريد أن يهينك بانتصار وهمي أمام أعين الناس، بل إن كل ما يريده هو التكسير والشتم، ونشر الكره العام. لا خلاف شخصيًا بينك وبينه مثل الخلاف مع الترولّ المتعقب.

لو زرنا صفحات الفايسبوك التابعة لمؤسسات إعلامية واسعة الإنتشار مثل بي.بي.سي عربيًا و فرانس 24 عربي، لوجدنا أنه من الصعب جدًا التعليق على أي خبر، كان سياسيًا، جنسيًا أو دينيًا. بالتأكيد صادفتم هذه المشكلة قبل اليوم. في معظم الأحيان يكون الحوار الدائر على صفحة الخبر حوار شتائم، صراخ، تهديدات، وتهويلات. ولو دققنا في طبيعة هذه الشتائم، فمن السهل ملاحظة صبغتها الدينية، الجنسية، وأيضاً الإثنية. ثمة تراكم لخبرات "المشعلين"، وهم، كي نكون منصفين، اكتسبوا وزنًا مهمًا بسبب انفعالات الناس وانجرارهم إلى الرد عبر صرف الكثير من الإنتباه لهم. ولكن علينا أن لا ننسى أن الحالة العربية الراهنة، بما يشوبها من حروب ودمار وخراب، ساعدت الترولات في طريقهم إلى المجد.

إن  دققنا في طبيعة هذه الشتائم فمن السهل ملاحظة صبغتها الدينية والجنسية وأيضاً الإثنية

إن ترولًا واحدًا من نوع "مشعل" قادر على كسب وتحريك مئات التعليقات. فلو كان الخبر عن كربلاء على سبيل المثال، فطريق الترول "المشعل" سهل وبسيط. سوف لن يتوانى عن كتابة تعليق يشتم فيه الإمام على بن أبي طالب، وسط صفحة من المفترض أن أغلب قارئيها هم من الطائفة الشيعية. في مقالة نشر أخيرًا في صحيفة الغارديان، عرض الكاتب عشر وسائل لتفادي الترولات، أبرزها تجاهلهم. يجب تجاهل كل هؤلاء الذين يدعون إلى الشتم والكره أيضًا. ومع أن الكثير من المواقع العربية ألغت التعليقات على الموقع مباشرة، إلا أن السوشل ميديا لا يمكن له أن يقوم بالمثل. وهنا المعضلة. لنجرب سويًا الآن. ماذا لو ذهبنا في هذه اللحظة إلى أي صفحة فايسبوك عليها أخبار تخص السعودية على سبيل المثال؟ سوف نكتشف أننا في ورطة، وأنه لدينا ترولات أكثر من البترول والغاز.