26-يوليو-2019

باتت الأخبار الكاذبة تمثل تهديدًا حقيقيًا لمرضى السرطان (pixabay - الترا صوت)

يمكنك أن تكتب في أي محرك بحث على الإنترنت: "علاجات طبيعية للسرطان"، لتبدأ رحلة تضليل طويلة كل ما يخص الأورام السرطانية وعلاجاتها المزعومة. 

على الإنترنت، مرتع الأخبار الكاذبة، لم يسلم الطب منها، مع الانتشار المهول للمعلومات الكاذبة والمضللة بشأن السرطان وعلاجاته

رحلة يختلط فيها الخبيث بالطيب، وتتداعى الأسئلة بحثًا عن إجابات شافية: كيف السبيل إلى الشفاء: أنظمة غذائية؟ أعشاب طبية؟ نظام حياة؟ هل يمكن تجنبه من خلال ممارسات صحية معينة؟

اقرأ/ي أيضًا: ماذا تعرف عن بزنس اختبارات الحمض النووي وانتهاكاته الممكنة؟

على الإنترنت، مرتع الأخبار الكاذبة، لم يسلم الطب منها، فتنتشر المزاعم المشبوهة حول السرطان لدرجة الترويج لوجود مؤامرة تقمع الحقائق الطبية والعلاجات المتوفرة طبيعيًا للسرطان!

السوشيال ميديا وخلق الوهم الطبي

ينقل ديفيد روبرت غرايم، الباحث في مجال السرطان، حقيقة مرعبة، تتمثل في أنه عام 2016، تألفت أكثر من نصف المقالات العشرين عن السرطان الأكثر شيوعًا وتداولًا على فيسبوك، من مزاعم طبية مشكوك في مصداقيتها بشكل كبير.

الإنترنت
الإنترنت تبيع الوهم الطبي لأغراض دعائية

لكن يبدو أن الأمر يتعدى فيسبوك، فقد كشفت صحيفة وول ستريت جورنال مؤخرًا، أن يوتيوب كان يستضيف حسابات للآلاف من المشتركين الذين عززوا الترويج لعلاجات مزيفة للأورام السرطانية.

وتتسق هذه الحقائق الصادمة مع الملاحظات التي أبداها روبرت أوكونور من جمعية السرطان الأيرلندية، والتي عبر عنها بقوله: "يتعرض جميع المرضى تقريبًا إلى معلومات مضللة من قِبل ذوي النوايا الحسنة. لكن المعلومات المضللة تعود إلى عدد كبير من المستفيدين من التضليل، والمحاولين البحث عن الربح السريع عن طريق استغلال المرضى على وسائل التواصل الاجتماعي".

يكشف البحث السريع على شبكة الإنترنت قائمة طويلة من الإدعاءات حول علاج السرطانات، بدءًا من العلاج بالأكسجين عالي الضغط، مرورًا بزيت القنب وغضاريف سمك القرش والأنظمة الغذائية الكيتونية، وحتى البيكنج صودا!

ومؤخرًا، أطلقت مؤسسة ماكميلان لدعم مرضى السرطان، موقعًا مخصصًا لفضح المعلومات المضللة على الإنترنت حول علاجات السرطان. ومع كثرة ما رُصد، تساءلت صحيفة لانست أوكونولجي المتخصصة في نشر الأبحاث والمعلومات الطبية الموثقة عن السرطان، عن الكيفية التي أفضت بالمجتمع إلى هذه الدرجة من تفضيل معلومات غير ذات مصداقية، عن العلاجات الأخرى الفعالة القائمة على الأدلة العلمية!

مكافحة الأكاذيب حول السرطان

لكن المعلومات المضللة حول مرض السرطان ليست بدعة في زمن الإنترنت، وإن تكثفت فيه. فبسبب مثل هذه المعلومات، صدر قانون بريطاني قانون علاج السرطان في بريطانيا عام 1939، بغرض تقنين أدوية وعلاجات السرطان والإعلانات الدعائية لها.

لكن المشكلة الآن، أن نشر المعلومات المضللة حول السرطان وعلاجاته، بات أكثر سهولة من ذي قبل، وبات من الصعب أكثر وضع رقابة عليه.

ديفيد جورسكي، أستاذ الجراحة والأورام في كلية الطب بجامعة واين ستيت في ديترويت بولاية ميشيغان، ورئيس تحرير مجلة "Science-Based Medicine"؛ يلاحظ أن المعلومات المضللة عن السرطان "منتشرة أكثر الآن، كما أن نظريات المؤامرة شائعة جدًا، لأنها تنتشر بسهولة على وسائل التواصل الاجتماعي"، بحسب ما أورد البروفيسرو ديفيد غرايم في مقاله بالغارديان.

ويستطرد غرايم في مقاله قائلًا: "المرضى الذين يتعاطون علاجات غير مثبتة للسرطان، هم أكثر عرضة لرفض العلاج التقليدي أو تأخير التدخلات المنقذة للحياة، ما يؤدي إلى تكلفة فظيعة للمرض".

كما يشير إلى أن المرضى الذين يلجأون إلى "طرق بديلة" للعلاج هم أكثر عرضة للموت السريع، والأسوأ من ذلك، وفقًا له، أنه "من المعتاد بالنسبة لمروجي المعلومات المشكوك فيها، أن يلجأوا إلى خوفهم من العلاج التقليدي. وكثيرًا ما يتم رفض كل من العلاج الإشعاعي والعلاج الكيميائي بوصفهما سموم، ما يعرض حياة الأشخاص للخطر. السرطان مخيف، ويمكن أن تكون وعود العلاجات البسيطة مغرية".

السرطان
السرطان ليس شيئًا واحدًا، إنه اسمه عام لـ200 مرض معروف

ويلفت غرايم إلى أن الادعاءات المضللة حول السرطان وعلاجاته، تتعامل معه باعتباره شيئًا واحدًا، رغم أن السرطان اسم واسع يضم تحته أكثر من 200 مرض معروف، إذًا، فـ"السرطان معقد للغاية ومتنوع"، كما يقول غرايم، وهذا أمر ضد محاولات تبسيطه وتبسيط علاجاته.

عيادات بيع الوهم

وعلى نفس المنوال، ثمة العديد ممن أخذوا المعلومات المضللة حول علاجات السرطانات من الصفحات الورقية أو الإلكترونية، إلى أرض الواقع، عبر عيادات تبيع الوهم الخطير.

من بين أشهر هؤلاء في الولايات المتحدة، تحديدًا ولاية تكساس، طبيب يدعى ستانيسلاف بورزينسكي، يزعم أن لديه علاجًا للسرطان، هو مضادات الأورام.

وعلى الرغم من عمله لعدة عقود، لم يتمكن أي من الباحثين والأطباء التحقق من نتائج أبحاثه وعلاجاته، كما أن عيادته كانت منذ إنشائها موضع تحذيرات عديدة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) ومع ذلك تستمر في الترويج لنفسها على أنها قادرة على علاج المرضى.

وتكاليف العلاج في عيادته باهظة الثمن، إذ تتراوح ما بين 7500 دولار إلى 10 آلاف دولار. ويلجأ إليها كثيرون، رغم أن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، أكدت أنه لا دليل حاسم على أن مضادات الأورام تعتبر علاجًا للسرطان.

تتهرب هذه العيادة، وغيرها من مثيلاتها، من الإفصاح عن عدد وفياتها، وتستمر وغيرها في العمل بالوهم. فعلى سبيل المثال، في العام الماضي، أجرى التلفزيون الأيرلندي تحقيقًا عن عيادة في إسطنبول، يُروج لأنها تحقق نجاحات باهرة باستخدام العلاجات غير التقليدية للإشفاء من السرطان.

كان العلاج في هذه العيادة يكلف ما يصل لـ130 ألف يورو. لكن المرضى اكتشفوا لدى عودتهم إلى بلادهم، تقدمًا ملحوظًا في انتشار المرض في أجسادهم بدلًا من القضاء عليه!

ألمانيا أيضًا تُعد موطنًا للعديد من العيادات التي تبيع الوهم، والتي يتم تقديمها كمنتجعات فاخرة تقدم علاجات واعدة. تكلف العلاجات كثيرًا جدًا، على الرغم من عدم وجود دليل على فعاليتها.

ونشرت المجلة الطبية البريطانية العام الماضي ورقة بحثية، وجدت أنه استنادًا إلى الأرقام التي جمعتها جمعية "Good Thinking Society"، أن ما لا يقل عن ثماني ملايين جنيه إسترليني، قد تم جمعها منذ عام 2012 في بريطانيا وحدها لعلاجات السرطان غير الموثقة أو المثبت فعاليتها.

يشرح مايكل مارشال، مدير جمعية "Good Thinking Society"، أن المبالغ التي يتم جمعها من خلال التمويل الجماعي هي مجرد قمة جبل الجليد، حيث يحصل العديد من المرضى علاوة على ذلك، على القروض، ويرهنون منازلهم، ويقضون على مدخراتهم. وعندما تفشل هذه العلاجات، تُترك العائلات في النهاية لتتعامل مع ديون ضخمة إضافة إلى حزنها على أحبائها.

الاعتقادات الشعبية ضد التحذيرات الرسمية

يتهم المتعاملون بالعلاجات غير الموثوقة و ما يعرف أحيانًا بـ"الطلب البديل"، المجتمع الطبي والعلمي الرسمي بـ"قمع علاجات السرطان" أو إخفائها، مشيرين إلى مؤامرة ما تقف وراءها شركات الأدوية الكبرى.

السرطان
العديد من العيادات حول العالم نقلت وهم العلاجات البديلة للسرطان لأرض الواقع مقابل أثمان باهظة

وفي الحقيقة، فهذا ليس مجرد اعتقاد هامشي، بل إن 37% من الأمريكيين يعتقدون أن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية ضالعة في تلك المؤامرة المزعومة!

زيادة المعلومات الخاطئة عن مرض السرطان، تعد جزءًا من مشكلة أوسع نطاقًا مع التداول الكبير للأكاذيب عبر الإنترنت، مثل المواجات التي عاشها البعض مع ادعاءات بأن اللقاحات الوقائية ضد الأمراض تسبب بدورها أمراضًا

ومع ذلك، فالتحكم في المشهد الفوضوي على مواقع التواصل الاجتماعي بات شبه مستحيل، مع توسعها، وتشابك عوامل الربح مع الأخبار الكاذبة والمضللة، التي عادة ما تكون مثيرة لجذب القارئ أو المشاهد.

37% من الأمريكيين يعتقدون أن هناك مؤامرة لإخفاء العلاجات الحقيقية للسرطان، وأن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية ضالعة فيها!

يقترح البعض حملات مماثلة من المجتمع الطبي والعلمي، تدعمها الحكومات، من أجل الحد من مخاطر التضليل الطبي، ويذهب آخرون إلى المطالبة بتشريعات تمنع الأمر جذريًا من خلال قوانين تُفرض على مواقع التواصل الاجتماعي لتغيير سياساتها الخاصة بالمنشورات والأرباح الدعائية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"السوشيال ميديا".. مارد الأخبار الكاذبة الذي يسكن يومياتنا

الصور المفبركة.. رأس حربة البروباغندا في عصر الخداع الإلكتروني