15-سبتمبر-2019

راقص تنورة على المسرح (Flickr)

تتميز الشعوب بألوان وأشكال مختلفة من التراث الفني والثقافي، وليس الوضع مختلفًا في مصر، حيث تتعدد ألوان التراث، بعضها قد اختفى مع الزمن، وبعضها الآخر ما زال حاضرًا وبقوة.

تعود أصول التحطيب إلى الفراعنة الذين اهتموا بتوثيقها وكان يمارسها العامة والملوك أيضًا كما تظهر الجداريات في معبد الكرنك

ويمثل التراث جزءًا جوهريًا من هوية الشعوب، كونه يعبر عن أصول وعادات وتقاليد توارثتها أجيال مختلفة، أضاف كل منها مذاقه الخاص إلى هذا التراث، حتى وصل إلينا في شكله الذى نراه اليوم.

اقرأ/ي أيضًا: فن التلي.. من الصعيد المصري إلى موضة عالمية

بين القتال والروحانية، تتعدد ألوان الفنون الحركية والاستعراضية في مصر؛ الفنون الموروثة من أزمنة سابقة قديمة قِدم التاريخ، ما أكسبها أهمية تراثية كبيرة للغاية. نستعرض في السطور التالية اثنتين هذه الفنون، بداية من تاريخها وصولًا حاضرها.

التحطيب.. الرقص بالقتال

حلقة من الجمهور، يتوسطها رجلان بالجلباب، في يد كل منهما عصا محاولًا هزيمة الآخر، في معركة استعراضية تمتد لدقائق يتفاعل معها الجمهور بشغف، بينما يشدوا العازفون ألحانهم في الخلفية.

تعود أصول التحطيب إلى الفراعنة. وقد اهتم الفراعنة بتوثيقها. وكان يمارسها الملوك وليس فقط العامة، حيث تظهر على جدران معبد الكرنك لوحة للإله حورس يعلم فيها الملك أمنحتب الثالث أصول التحطيب.

وعبر التاريخ الطويل تناقلت الأجيال اللعبة/الرقصة ودخل عليها بعض التغييرات، مثل ملابس اللاعبين/الراقصين وهيئاتهم، لكن شيئًا واحدًا لم يتغير، هو العصا أو "النبوت"، وطريقة الإمساك بها، التي تكشف مهارة الراقص.

يشتهر التحطيب في الصعيد أكثر من غيره من المناطق في مصر، ويعرف هناك بـ"غيّة الرجال". ويحكم التحطيب أصول وقواعد يعرفها المحترفون.

تبدأ الفقرة بأن يدور الراقصان/اللاعبان حول بعضهما أربع مرات، في زمن قصير، ثم يبدأن باللعب على أنغام المزامير، التي تعد الآلة الموسيقية الأشهر في الصعيد. ثم يستمر اللاعبان إلى أن يُسقطَ أحدهما العصا من يد الآخر، أو يشير بعصاه على أجزاء من جسد خصمه، دون أن يمسّه، لينطق أحد الحاضرين بكلمة "ساه" التي تشير إلى انتهاء اللعب.

ورغم الوصول لجسد الخصم وإمكانية التعرض له بالضرب، إلا أن ضرب الخصم يعد مخالفًا للقواعد والأصول التي تحكم التحطيب، لذا يصبح الوصول لجسد الخصم إعلانًا بالفوز. كما تجبر قواعد اللعبة في جانبها الرقصي، احترام الأكبر سنًا، وعدم رفع العصا عليه.

يُمارس التحطيب في أماكن ومناسبات عديدة بصعيد مصر، إلا أن أهم المناسبات عادة ما تكون الاحتفال بالموالد، وكذا في الأفراح.

أصالة التحطيب لم تشفع له الحضور الدائم كجزء مميز من تراث ضارب في القدم، فقد مرت بفترات انزواء. لكن في السنوات الأخيرة، بدأ نجمها يلمع مجددًا، حتى سُجّلت في قوائم التراث الثقافي غير المادي بمنظمة اليونسكو.

التنورة.. رقصة جلال الدين الرومي تتوطن في مصر

"إنهم مشغولون بالدماء، بالفناء..

أما نحن فمشغولون بالبقاء

هم يدقون طبول الحرب..

نحن لا ندق إلا طبول الحب"

بهذه الكلمات عبر المتصوف الشهير جلال الدين الرومي عما يشغله، وهو ما ظهر جليًا في كل مقولاته، بل وفي تأسيسه لطريقة المولوية الصوفية التي يتبعها الكثيرون حول العالم.

رقصة التنورة كانت من أبرز تجليات الرومي، الذي رأى في الرقص بطريقة معينة، علامة على صفاء الروح واقترابها من السماء، فجعلها طقسًا خاصًا مارسه أتباعه ولا زالوا يمارسونه إلى اليوم.

تطورت التنورة في مصر تطورًا كبيرًا، بعد دخولها إلى مصر من تركيا، وذلك بداية من الزي التقليدي الذي يتكون من جلباب أبيض وصديري أبيض فوقهما تنورة تنزل من الوسط إلى أسفل، وصولًا إلى الزي الحالي الذي يتكون من قماش "الخيامية" ذي الألوان المتعددة، والذي ساهم في نقل فن التنورة من حلقات الصوفية إلى الأفراح والمناسبات الاجتماعية.

يرتدي راقص التنورة تنورتين أو ثلاثة، يصل وزن الواحدة منها إلى ثمانية كيلوجرامات، بينما يبلغ قطرها سبعة أمتار، وعرضها قرابة المتر. وفوقهم يرتدي حزامًا يعرف بـ"السبته"، ما يجعل مهمة الراقص أو "اللفّيف" كما يطلق عليه، صعبة وشاقة للغاية، وتحتاج إلى مهارات معينة وكثير من التدريب.

رقصة التنورة في مصر، كانت من أبرز تجليات الصوفي جلال الدين الرومي، قبل أن يطور المصريون عليها في الشكل وفي الأداء الاستعراضي

في عام 1994 أسس المنشد المصري عامر التوني فرقة المولوية المصرية، وهي فرقة غنائية تهتم بتقديم تراث جلال الدين الرومي بروح مصرية. لاقت الفرقة انتشارًا كبيرًا وأقامت حفلاتها في مختلف دول العالم، ما جذب أنظار الشباب إلى فن التنورة وجعلهم يشاركون رقصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، بل ويتسابقون على حضور حفلاتها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

محفوظات عبدالله حافظ للتراث الشعبي المصري.. هوس الاقتناء ومؤانسة الوحدة

النوبة التونسية... أيقونة موسيقية ورسائل سياسية