التحركات المصرية في سيناء: دفاع مشروع أم ذريعة إسرائيلية للضغط؟
23 سبتمبر 2025
في 20 أيلول/سبتمبر الجاري كشف موقع "أكسيوس" الأميركي، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، طلب بشكل مباشر من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الضغط على مصر لتقليص حشدها العسكري الأخير في سيناء، بعدما بات هذا الحشد نقطة توتر هامة بين البلدين.
وبحسب ما نقله الموقع عن مسؤولين إسرائيليين فإن "المصريين يُنشئون بنية تحتية عسكرية - بعضها يمكن استخدامه لأغراض هجومية - في مناطق لا يُسمح فيها إلا بالأسلحة الخفيفة بموجب معاهدة السلام لعام 1979 مع إسرائيل"، وعليه قدم نتنياهو لوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، خلال لقائهما في القدس الاثنين 15 من الشهر الجاري، قائمة بأنشطة مصر في سيناء.
وفي المقابل ردت القاهرة على تلك المزاعم عبر بيان صدر عن الهيئة العامة للاستعلامات (الجهة الرسمية المخولة بالتحدث إلى الإعلام الدولي) بأن تواجد هذه القوات في شبه جزيرة سيناء يأتي في إطار مهمة أساسية تتمثل في تأمين الحدود المصرية ضد كافة المخاطر، بما فيها العمليات الإرهابية وعمليات التهريب، لافتة إلى أن مثل تلك التحركات تتم بالتنسيق المسبق مع أطراف معاهدة السلام، التي تحرص مصر بشكل كامل على استمرارها، مشددة على أن مصر، على مدار تاريخها، لم تخرق معاهدة أو اتفاقًا.
وتشهد العلاقات المصرية الإسرائيلية خلال الآونة الأخيرة توترًا ملحوظًا وتراشقًا سياسيًا وإعلاميًا ربما يكون استثنائيًا من حيث حدة الخطاب ولهجته، وذلك بالتزامن مع هرولة حكومة بنيامين نتنياهو لتنفيذ مخطط التهجير لسكان قطاع غزة، مدفوعة بضوء أخضر أميركي، والذي ترفضه القاهرة والعواصم العربية بشكل نهائي وواصفةً إياه بالحلقة الأخيرة في تصفية القضية الفلسطينية برمتها.
التراشق بين البلدين تجاوز حدود الإعلام إلى المستوى الأول للقيادة السياسية، وذلك بعد دخول نتنياهو بشخصه على خط هذا التصعيد، ما دفع الخارجية المصرية ممثلة في وزيرها للرد بشكل مباشر، ومن بعده الهيئة العامة للاستعلامات، ما فتح الباب أمام كافة السيناريوهات لأن توضع على طاولة النقاش، حتى تلك التي كانت بالأمس دربًا من الخيال وعلى رأسها الصدام العسكري الذي يُطرح اليوم كأحد الخيارات.
تشهد العلاقات المصرية الإسرائيلية خلال الآونة الأخيرة توترًا ملحوظًا وتراشقًا سياسيًا وإعلاميًا ربما يكون استثنائيًا من حيث حدة الخطاب ولهجته
حراك عسكري مصري في سيناء
ادعى المسؤولان الإسرائيليان اللذان تحدثا إلى "أكسيوس" أن "مصر قامت بتوسيع مدارج القواعد الجوية في سيناء بحيث يمكن للطائرات المقاتلة استخدامها، وبنت منشآت تحت الأرض تعتقد المخابرات الإسرائيلية أنها يمكن استخدامها لتخزين الصواريخ"، مشيرين إلى أنه "لا يوجد دليل على أن المصريين يخزنون الصواريخ بالفعل في تلك المنشآت"، لكنهم أوضحوا أن السلطات المصرية "لم تقدم تفسيرًا معقولًا عندما قدمت إسرائيل استفسارًا عبر القنوات الدبلوماسية والعسكرية".
وفي 19 آب/أغسطس 2025 نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرًا كشف خلاله عن نشر مصر تعزيزات عسكرية ضخمة في شمال سيناء، منها دفعها بما يقارب 88 كتيبة عسكرية تضم نحو 42 ألف جندي (ضعف العدد المسموح به بموجب معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979)، إلى جانب أكثر من 1500 دبابة وآلية مدرعة، فضلًا عن تطوير قواعد عسكرية ومدارج طائرات وأنظمة دفاع جوي في المنطقة الحدودية مع قطاع غزة.
ورصدت تقارير إسرائيلية، أوائل العام الجاري، خاصة في شباط/فبراير وآذار/مارس الماضيين، حراكًا استثنائيًا للجيش المصري في سيناء، تحشيدًا مكثفًا للقوات، تضاعف إلى نحو أربع مرات مقارنة بما تسمح به معاهدة كامب ديفيد، كما أشار الإعلام العبري، بجانب تطوير بنى تحتية جديدة مثل مطارات عسكرية وأنفاق وجسور طرق قد تم إنشاؤها.
وفي ذات السياق كشفت تقارير أخرى أن الجيش المصري نشر مركبات مدرعة، وأنظمة صينية للدفاع الجوي، وقوات خاصة، ودبابات M60 في مناطق رفح والشيخ زويد، وكذلك قرب قرية الجورة القريبة من الحدود مع غزة.
اجتماعات وتجييش معنوي
إلى جانب الحشد التسليحي كان هناك حشد آخر لا يقل أهمية، اجتماعات على مستوى قيادات الأفرع للجيش المصري والتأكيد على جهوزية المقاتلين وشحن الطاقة المعنوية للجنود، ففي 20 آب/أغسطس الماضي، عقد وزير الدفاع المصري الفريق أول عبد المجيد صقر لقاءً مع ضباط وجنود المنطقة الشمالية العسكرية بحضور رئيس الأركان الفريق أحمد خليفة وقادة الأفرع الرئيسية وعدد من كبار قادة الجيش. وخلال اللقاء استعرض التحديات الإقليمية والدولية الراهنة.
وأكد وزير الدفاع خلال هذا اللقاء أن حماية الوطن والأمن القومي "مهمة مقدسة" تتطلب جاهزية قتالية دائمة وبناء قوة قادرة على مواجهة التحديات تحت أي ظرف. وأشار إلى أن تطوير القدرات القتالية والفنية للوحدات يأتي في صدارة أولويات القيادة العامة، داعيًا المقاتلين للحفاظ على الروح المعنوية والتدريب الجاد والتعامل الواعي مع متطلبات المرحلة.
وقبلها بأيام، اجتمع الوزير بعدد من ضباط وجنود القوات الخاصة من المظلات والصاعقة، بحضور رئيس الأركان وقادة بارزين، حيث شدد على ضرورة رفع معدلات الكفاءة والاستعداد القتالي، وتطوير المستوى المهاري والبدني عبر التدريب المستمر، مؤكدًا أن القوات المسلحة ستظل "درع الوطن القوي".
وفي الثامن من الشهر نفسه، وجّه الوزير بضرورة الحفاظ على الأسلحة والمعدات وتعظيم الاستفادة منها، وضمان بقاء الجيش في أعلى درجات اليقظة والاستعداد لتنفيذ أي مهام تُسند إليه. كما شدد على أهمية تنمية وعي أفراد القوات المسلحة ومتابعتهم الدائمة لمستجدات الأحداث والمتغيرات على الساحتين الإقليمية والدولية.
سياق مهم لفهم المشهد
لا يمكن التعاطي مع التحركات العسكرية المصرية في سيناء بمعزل عن حزمة من التطورات الإقليمية التي تشكل الإطار العام لفهم ما يجري على الأرض.
في 8 آب/أغسطس الماضي أعلن مكتب رئيس حكومة الاحتلال أن المجلس الوزاري المصغر صادق على خطة للسيطرة على مدينة غزة، ضمن مشروع أشمل لاحتلال القطاع كليًا، يتضمن تهجير نحو مليون فلسطيني جنوبًا نحو الحدود المصرية، وإنشاء منطقة عازلة داخل القطاع لإحكام السيطرة الأمنية.
وبعدها بأيام، وتحديدًا في 12 من الشهر ذاته، جدّد نتنياهو حديثه عن رؤيته لما يسميه "إسرائيل الكبرى" خلال مقابلة تلفزيونية، حين قُدّمت له قلادة تحمل خريطة تشمل فلسطين المحتلة وأجزاء من الأردن ولبنان وسوريا ومصر، مؤكّدًا ارتباطه العميق بهذه الرؤية واعتبارها "مهمة تاريخية" لتحقيق حلم صهيوني قديم يجد في الظروف الراهنة فرصة ملائمة للتمدد.
شعبيًا، يواجه النظام المصري موجة غير مسبوقة من الانتقادات، تحولت من الصمت والخذلان إلى اتهامات صريحة بالتواطؤ مع ما يوصف بـ"حرب الإبادة" ضد غزة، ورغم محاولات القاهرة نفي هذه الاتهامات دبلوماسيًا، شهدت بعثاتها وسفاراتها في الخارج احتجاجات رمزية لمتظاهرين اعتبروا أن مصر، باعتبارها الجار الأقرب والمسؤولية التاريخية والأخلاقية، كان يفترض أن تضطلع بدور أكبر في حماية سكان القطاع ودعم قضيتهم.
كل تلك الأجواء حركت المياه الراكدة في هذا الملف ودفعت القاهرة نحو تعزيز حضورها العسكري في سيناء تحسبًا لأي سيناريوهات محتملة بعدما بلغ التوتر مع تل أبيب الحد الذي يجعل كل الخيارات على الطاولة، لاسيما في ظل وجود حكومة يهيمن عليها اليمين المتطرف وتقودها أوهام "إسرائيل الكبرى" التوراتية.
تنويع مصادر التسليح المصري وترقب إسرائيلي
شهدت استراتيجية الجيش المصري خلال الأعوام القليلة الماضية تنويعًا في مصادر التسليح بعيدًا عن الاعتماد التقليدي على السلاح الأميركي، حيث أبرمت المؤسسة العسكرية المصرية صفقات تسليح كبرى من عدد من البلدان على رأسها فرنسا والصين وروسيا وألمانيا، بهدف تحديث الترسانة التسليحية للجيش المصري.
ويتركز هذا التسليح على تعزيز قدرات سلاح الجو والبحرية بما يتماشى مع المتغيرات الإقليمية وحماية السيادة الوطنية، وهو ما تعتبره تل أبيب تطورًا قد يخل بتوازن القوى، رغم استمرار التزام القاهرة بمعاهدة السلام، وعدم تجاوزها للخطوط الحمراء المرسومة لها في هذا الاتجاه.
وعلى مدار السنوات الخمس الماضية، عززت مصر قوتها البحرية بحاملتي طائرات مروحية، وغواصات وفرقاطات أوروبية متقدمة، كما طوّرت أسطولها الجوي بمقاتلات "رافال" الفرنسية و"سوخوي-35" و"ميغ-29" الروسية، إلى جانب مروحيات "كا-52"، وصفقات مقاتلات صينية حديثة ومنظومات دفاع جوي مثل "HQ-9B". ووفقًا لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام، ارتفعت واردات مصر من السلاح بنسبة 136% بين عامي 2016 و2020، لتصبح ثالث أكبر مستورد عالميًا في تلك الفترة.
القاهرة تبرر هذا التوسع بالحاجة إلى حماية أمنها القومي ومواجهة الإرهاب، مع التوجه لتطوير صناعاتها العسكرية المحلية لتعزيز الاكتفاء الذاتي، وفي المقابل، تراقب إسرائيل هذه التحركات بدقة، معتبرة أن تضخم القدرات العسكرية المصرية، خصوصًا في المجالات الاستراتيجية، يستوجب متابعة حثيثة لضمان استمرار تفوقها النوعي في المنطقة، رغم بقاء العلاقات السياسية بين الجانبين مستقرة.
مقاربات القاهرة
تتحرك القاهرة لتعزيز حضورها العسكري في سيناء وفق ثلاث مقاربات رئيسية:
المقاربة الأمنية: أدركت مصر خطورة تطورات المشهد في غزة، خصوصًا بعد تصريحات نتنياهو حول حلم "إسرائيل الكبرى" الذي يمتد إلى جزء من أراضيها، هذا بخلاف ما تمثله خطة تهجير سكان القطاع جنوبًا من تهديد مباشر للأمن القومي المصري، بعدما أسهم الحصار على المقاومة – عن قصد أو غير قصد – في تمكين إسرائيل من السيطرة على غزة، ودفع القاهرة إلى مواجهة مباشرة مع تل أبيب.
المقاربة السياسية: رغم مسار التطبيع، يبقى التوجس المتبادل حاضرًا بين القاهرة وتل أبيب، فمصر لا ترغب في تحول إسرائيل إلى اللاعب الأكثر تأثيرًا إقليميًا بما يضعف وزنها السياسي، كما تخشى من تداعيات تصفية القضية الفلسطينية على القرار العربي، إذ سيدفعه إلى مزيد من التبعية، وفي هذا السياق جاءت زيارة السيسي المفاجئة إلى السعودية في 21 آب/أغسطس، في محاولة لصياغة موقف عربي موحد تجاه التطورات.
المقاربة الأخلاقية: تواجه القاهرة ضغوطًا شعبية وإقليمية متزايدة بسبب المطالب بتحركات أكثر حزمًا وحسمًا، انعكست في مظاهرات واستهداف رمزي لسفاراتها، ومع تفاقم المأساة الإنسانية في غزة واعتراف المنظمات الأممية بوجود مجاعة، تجد مصر نفسها في مأزق أخلاقي وسياسي، ما يفرض عليها التحرك الفعلي بدل الاكتفاء بالبيانات والتهديدات الإعلامية.
قلق إسرائيلي
أثارت التحركات العسكرية المصرية في سيناء قلق تل أبيب بشكل لافت، رغم الحديث الثنائي، المصري والإسرائيلي، عن التنسيق المسبق بشأن هذا التحشيد، حيث وصف الجانب الإسرائيلي الوجود المصري في سيناء بعبارات قوية مثل «غير مقبول» و«تجاوز واضح».
سفير إسرائيل لدى واشنطن، يحيئيل لايتر، في تصريحات له أمام قادة منظمات يهودية أميركية في أواخر كانون الثاني/يناير الماضي قال إن هذا الوضع غير مقبول على الإطلاق، مضيفًا أن "هذه قضية ستثار بلا شك، مصر تنتهك بشكل جدي جدًا اتفاقية السلام بيننا في سيناء، هذه قضية ستتصدر النقاش، لأنها ليست وضعية مقبولة."
وحذر السفير الإسرائيلي قائلًا: "هناك قواعد تُبنى، ولا يمكن استخدامها إلا للعمليات الهجومية والأسلحة الهجومية، هذا انتهاك واضح، لفترة طويلة تم تجاهل هذه القضية، لكنها مستمرة، هذه مسألة سنضعها على الطاولة – قريبًا وبشكل حازم جدًا."
وحذر خبراء عسكريون إسرائيليون مثل ياغيل هينكين من مثل تلك التحركات التي وصفها بالتدريجية: "أولًا نشروا القوات، ثم طلبوا الموافقة الإسرائيلية بأثر رجعي، والتي كانت تُمنح دائمًا، وحتى بعد انتهاء الحاجة العملياتية، لم يتم سحب القوات أبدًا."
وأضاف هينكين: "تمتلك سيناء الآن أسلحة وذخائر أكثر بكثير مما تسمح به اتفاقية السلام، بدأ الأمر بكتيبتين فقط، واليوم هناك عشرات الآلاف من الجنود وعشرات الدبابات، بعض هذه القوات متمركزة قرب رفح المصرية، بينما يقيم البعض الآخر قرب معاقل داعش السابقة في سيناء، الحاجة العملياتية لمكافحة داعش قد انتهت، ومع ذلك تظل القوات موجودة، بالإضافة إلى ذلك، طورت مصر بنية تحتية تشمل جسورًا وطرقًا وأنفاقًا كبيرة، ما يمكّنها من نقل فرق كاملة إلى سيناء خلال ساعات من الجانب الغربي لقناة السويس".
لا يمكن التعاطي مع التحركات العسكرية المصرية في سيناء بمعزل عن حزمة من التطورات الإقليمية التي تشكل الإطار العام لفهم ما يجري على الأرض
بين الردع والضغط
خلال العقد الأخير، شهدت سيناء مستوى غير مسبوق من التنسيق العسكري بين مصر وإسرائيل، بدأ بوضوح منذ عام 2014، وبلغ ذروته في 2015 عبر عمليات مشتركة ومكثفة ضد الفصائل المسلحة على الحدود الشرقية المصرية. ووفقًا لهيئة البث الإسرائيلية، فإن أي تعزيز للقوات المصرية في المنطقة تم أساسًا ضمن تفاهمات مسبقة مع جيش الاحتلال.
وهنا تساؤل يطرح نفسه: إذا كان هناك تنسيق مسبق بين الطرفين ممتد منذ سنوات استنادًا إلى معاهدة السلام المشتركة فلماذا هذا التهويل الإسرائيلي من مخاوفه بشأن التحركات العسكرية المصرية في سيناء؟ وهنا تُثار مسألة استخدام هذا الملف كورقة ضغط سياسي بيد الإسرائيليين على القاهرة، بغرض دفعها نحو مواقف معينة تتعلق بقطاع غزة؛ مثل قبول تهجير سكانه، أو المشاركة في إدارة شؤونه، أو المساهمة في نزع سلاح المقاومة، وهو ما قد يضع مصر في مواجهة مباشرة مع الفصائل الفلسطينية.
ومن هنا تحاول تل أبيب وضع القاهرة بين فكي كماشة: دفع الغزيين نحو التهجير القسري جنوبًا، من خلال العمليات العسكرية الوحشية في غزة وشمالها ووسطها، ما يجبر سكان القطاع قهرًا نحو الفرار إلى الحدود مع مصر من جانب، والضغط على الجانب المصري بورقة خرق معاهدة السلام بتكثيف الحشد العسكري في سيناء، لابتزازها وإجبارها على إبداء المزيد من المرونة من جانب آخر.
أما عن هذا التحشيد المصري وما إذا كان يمثل فعلا قلقًا للإسرائيليين، فهناك انقسام في الآراء، حيث يرىالحاخام الإسرائيلي مائير إلياهو أن الكثافة السكانية في مصر وقوة جيشها البري لا تمثل تهديدًا طالما بقيت النوايا سلمية، وفي المقابل، يتبنى المستشار السابق في البنتاغون دوغلاس ماكغريغور خطابًا أكثر حدة، إذ يطرح سيناريوهات مبالغ فيها حول استعداد القاهرة لشن هجوم على إسرائيل والوصول حتى تل أبيب، وهو ما يعكس حساسية الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه أي تصاعد في القدرات العسكرية العربية.
القاهرة تناور في حقل ألغام إقليمي
تعكس التحركات المصرية في سيناء وما أثارته من ردود فعل إسرائيلية حادة حجم التعقيد الذي يطبع المشهد الإقليمي في المرحلة الراهنة. فالقاهرة تجد نفسها أمام تحديات متداخلة: حماية أمنها القومي من تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة، مواجهة الضغوط الشعبية المتصاعدة التي ترفض أي تواطؤ مع مشروع التهجير، وفي الوقت ذاته إدارة علاقاتها الحساسة مع تل أبيب والولايات المتحدة بما يحافظ على التوازن الدقيق الذي بُني منذ معاهدة كامب ديفيد.
هذه المعادلة المعقدة تجعل من كل خطوة عسكرية أو سياسية مصرية محل رصد وتدقيق، وتفتح الباب أمام سيناريوهات متناقضة تبدأ من استمرار التنسيق الأمني وصولًا إلى احتمالات التصعيد المفتوح.
وفي المقابل، تستخدم إسرائيل خطاب التهويل والتحذير المكرر من الوجود العسكري المصري كورقة ضغط سياسية أكثر مما هو تعبير عن تهديد مباشر، سعيًا لترويض القاهرة ودفعها لتبني مواقف تتماشى مع المخططات الإسرائيلية في غزة.
ومع تصاعد نبرة التراشق بين الطرفين على أعلى المستويات، يصبح المشهد مفتوحًا على احتمالات غير مألوفة، في ظل منطقة تموج بالتحولات الجذرية، وحكومة إسرائيلية تمضي أبعد ما يمكن في رهاناتها التوسعية، مقابل دولة مصرية تحاول الموازنة بين ضغوط الداخل وضرورات الأمن القومي وحسابات العلاقات الدولية.