أكثر ما كان يشغل بال السوريين طوال أعوام الثورة وما بعد إعلان النصر، بعد ضرورة إسقاط حكم الأسد والتخلص من كافة أشكاله وتوابعه طبعًا، هو التفكير بشخصية الحاكم الجديد أو الحكام وكيفية تعاملهم وإدارة سوريا الجديدة، بما تحمله من تنوعات إثنية وطائفية بين المحافظة والمحافظة وأحيانًا في المحافظة أو المدينة أو البلدة نفسها.
وقد أثارت الأسماء التي اختارها رئيس الحكومة السورية المؤقتة، محمد البشير، كحكومة مؤقتة تتمثل مهامها بتسيير الأعمال وضبط الأمن والحفاظ على استقرار المؤسسات إلى حين تشكيل حكومة جديدة لسوريا، والتعيينات للعديد من المناصب، الكثير من المخاوف في قلوب السوريين.
ويأتي هذا الخوف من أن أغلب الأسماء التي تسلمت حقائب هامة في الحكومة الجديدة المؤقتة هي من لون واحد تقريبًا، ويبدو أن أغلبها هو امتداد لحكومة الإنقاذ في إدلب، التي كانت تعتمد الشرع الإسلامي مصدرها الرئيس والقانون الذي تعمل به وتحاسب وفق نصوصه، خصوصًا لدى الأقليات وأصحاب الأديان والمذاهب الأخرى.
خوف أسسه وروج له الأسد
اعتمد نظام الأسد طوال فترة حكمه على مبدأ تعيين الولاءات لا الكفاءات والمقربين من العائلة والموالين لا أصحاب الخبرة والشهادات، وزاد هذا الأمر خلال فترة الثورة السورية، حيث شغل أقرب الناس له أغلب الأماكن والمناصب الحساسة، وكان السوري أمام خيارين طوال هذه المرحلة؛ فإما الولاء الأعمى وأن يكون شريكًا في قتل وتهجير وتشريد أهله أو الإقصاء.
اعتمد نظام الأسد وطوال فترة حكمه على مبدأ تعيين الولاءات لا الكفاءات والمقربين من العائلة والموالين لا أصحاب الخبرة والشهادات، وزاد هذا الأمر خلال فترة الثورة السورية
وعمل نظام الأسد منذ استلام حافظ الأسد الحكم قبل عدة عقود على تعزيز فكرة الطائفية والتفرقة بين الأديان والمذاهب، وحتى المناطق السورية المختلفة، وذلك بهدف استمرار السيطرة عليها وإشغالها وإغراقها بعدة مشاكل.
كما عمل نظام بشار الأسد طوال مرحلة الثورة على شيطنة الفصائل التي كانت تسيطر على محافظة إدلب وترهيب وتخويف الناس منها عبر نشر الكثير من الأكاذيب والإشاعات، وزاد الخوف أثناء ظهور تنظيم داعش وقيامه بالكثير من المجازر في فترة من الفترات وبعض التصرفات الخاطئة لعدة شخصيات استلم بعضها مراكز مهمة في الحكومة الجديدة.
ترددت عبارة "أخطاء فردية" في الأيام الأولى من التحرير بشكل كبير قليلًا وغير مريح، واستخدمت العبارة لوصف كل انتهاك يقوم به أفراد وعناصر من هيئة تحرير الشام أو ممن يدعون أنهم كذلك.
فبعد حادثة إحراق شجرة الميلاد واللغط الذي حصل حول مصير مقام الخصيبي، وصولًا للكثير من الصور والفيديوهات التي تظهر قيام بعض العناصر بأفعال طائفية مرة ومرة عنصرية وإهانة بعض الشخصيات التي هي "فلول نظام" بالضرب والشتائم، خرجت الكثير من المخاوف عند السوريين إلى السطح. وتُرجم هذا الخوف عبر بعض المنشورات الشخصية من قبل بعض الناس على الفيسبوك أو بقية مواقع التواصل الاجتماعي، وأحيانًا بالخروج إلى الساحات والتظاهر كما حدث بعد حادثة الخصيبي، الأمر الذي كان من الممكن أن يجر البلاد إلى حروب جديدة.
أكثر تنوعًا من إدلب
لقد نجحت هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ بإرساء النظام والاستقرار النسبي أثناء حكمها لإدلب، واستطاعت رغم قلة الإمكانيات والقصف الذي لم يكن يتوقف من القيام بعدة مشاريع هدفت إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية بشكل جيد مقارنة ببقية المناطق التي كانت تقبع تحت حكم نظام الأسد. غير أن الهيئة لم تظهر أي التزام حقيقي بالتعددية السياسية. فعلى الرغم من قيامها بعقد مؤتمر دستوري شامل ظاهريًا إلّا أن الشخصيات والأسماء التي تولت هذه المناصب والمسؤوليات كانت معروفة التوجه والانتماء.
وتواجه الحكومة مشكلة مهمة وحقيقة في إرضاء الشارع السوري، فإدلب ذات الغالبية السنية لا يمكن مقارنتها بأية محافظة من المحافظات، خصوصًا حمص ودمشق وتنوعهما الهائل في الأديان والمذاهب والثقافات، والقوانين التي كان من الممكن تطبيقها هناك لا يمكن تطبيقها حتى في حلب أقرب محافظة إليها.
نجح النظام السابق في تشويه صورة العلويين أكثر الفئات المتضررة سابقًا وحاليًا، كما تعمّد الأسد الأب ثم الابن تعميق دوائر المحسوبيات في المناطق الشرقية وبعض عشائر حلب ودعم بعضها على حساب البقية، ولم يستثن أي مكون، وقمع أفواه من عارضه منهم، الأمر الذي تسبب بإحداث شرخ هائل في نسيج المجتمع السوري وحدوث مشاكل ورغبة في الثأر والانتقام، كان هو المستفيد الأكبر منها.
الحياة السياسية السورية تدخل في مرحلة جديدة بعد فرار بشار الأسد إلى روسيا، وانتشار مقاتلي فصائل المعارضة السورية في كافة المدن السورية.
اقرأ أكثر: https://t.co/FgEy5NmBhF pic.twitter.com/E5x9nOy4sA
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) December 11, 2024
وخلال الثورة ارتكبت الكثير من المجازر على أساس عرقي وطائفي على يد بعض الأسماء التي تنسب حالها للطائفة العلوية مثلًا أو إلى أي طائفة غيرها، الأمر الذي يشكل رعبًا حاليًا للسوريين من أن تتوسع حالات الانتقام لتشمل طائفة كاملة بعينها فتدخل البلاد بذلك حربًا أهلية طويلة. ويدعو السوريون اليوم بعضهم البعض إلى تغليب لغة العقل والحكمة والابتعاد عن الفتن، على أمل أن تعود معادلة المواطنة السورية لتوازناتها، بعيدًا عن الفتن الطائفية التي غذّاها النظام السابق بنفسه واستفاد كل هذه الفترة منها.
تواجه الحكومة الجديدة إذًا الكثير من التحديات والمصاعب والملفات التي تحتاج إلى حل سريع ودائم، فضلًا عن تردٍ شامل في كافة مقومات الحياة السياسية والاقتصادية، فقد هرب الأسد تاركًا البلاد في حالة فوضى واقتصاد شبه منهار تمامًا.
ويمكن تلخيص التحديات التي تواجهها الحكومة الجديدة في عدة مستويات أساسية؛ الأولى وهي مسألة الهيمنة على الجغرافيا كاملة، وهي الأهم، حيث لم تحسم سلطة دمشق سيطرتها على مناطق في جنوب وشرق سوريا بعد، ثم بعد ذلك التعامل مع التواجد الأجنبي، فقد جعل الأسد من سوريا ساحة للكثير من القوى الدولية، وتأتي فكرة إشراك جميع مكونات المجتمع السوري في البناء بعد ذلك حتى يتمكن المجتمع من تحقيق أجواء المصالحة وطي صفحة الماضي والاعتراف الدولي ومواكبة التطور.
ويأمل السوريون أن تضمن الحكومة التي سيتم انتخابها أو اختيارها المكونات السورية المختلفة، بما في ذلك المرأة، وأن يتمتع الجميع بالحقوق نفسها، وألا يكون هناك تفوق لمكون على آخر، أو تعاد الأفكار والمحسوبيات القديمة.