28-ديسمبر-2017

تراجع متواصل لسعر البيتكوين هذا الأسبوع (Getty)

(1)

لا يؤمن المستثمرون بالفلسفة ولا يحبذون التاريخ كثيراً ولا يهتمون إلا بالأرقام والأرقام فقط، حسابات الربح والخسارة، وبحسابات الربح والخسارة فإن عملة البيتكوين الافتراضية غير الخاضعة لأي جهة رقابية تحقق ارتفاعات جنونية. "صعاليك" أصبحوا "مليونيرات" بين غمضة عين وانتباهتها ومستثمرون يصرخون نادمين على تفريطهم في البيتكوين بالبيع عندما كان يساوي دولاراً واحداً قبل 6 سنوات فقط قبل أن يطير إلى أعلى مستوياته عند 20 ألف دولار، وآخرون يراقبون الموقف عن كثب وجهات رقابية لا تملك إلا التحذير من خطورة التعامل بالبيتكوين مع حظره على المستوى الرسمي فيما يرى فريق آخر أن البيتكوين والعملات الرقمية قد تستخدم في الأنشطة الإجرامية والإرهابية، وبالتالي فإنهم يتقون الشبهات بالابتعاد عنها.

كما ارتفعت قيمتها سريعًا، تعرف عملة البيتكوين الإفتراضية خسائر خلال الأسبوع الأخير لتصل إلى 52% من قيمتها السوقية بعد ارتفاع تجاوز 2000% في العام الجاري

اقرأ/ي أيضًا: ما هي عملة البيتكوين؟

الصخب يتعالى والضجيج ينتشر والعالم بأسره يتحدث عن العملات الرقمية وعلى رأسها "البيتكوين" وأخواتها، يحرك المضاربون الرغبة الجامحة في تحقيق حلم الثراء السريع خصوصاً أن ما يحدث يبدو مذهلاً وجنونيًا، فقد ارتفعت قيمة عملة البيتكوين الرقمية المشفرة من مستوى بلغ دولاراً واحداً في 2011 لتلامس مستوى 20 ألف دولار الأحد الماضي. وكما ارتفعت قيمة البيتكوين فجأة، سقطت فجأة أيضًا، في ظل تقلبات حادة تشهدها حالياً وبوصفها العملة الأساسية فإن تذبذب مستوياتها السعرية يسحب جميع العملات الرقمية الأخرى، "الزميلة"، إلى الأسفل، الأمر الذي يؤشر إلى إمكانية اقتراب انفجار فقاعة البيتكوين.

وعمقت البيتكوين خسائرها لتصل إلى 52% من قيمتها السوقية في أسبوع واحد بعد ارتفاع تجاوز 2000% في العام الجاري في الوقت الذي يراهن فيه خبراء اقتصاديون على انفجار الفقاعة وخسارة كل شيء فيما يشدد المضاربون بالبيتكوين والعملات المشفرة على أن ما يحدث في السوق حالياً هو مجرد حركة تصحيحية صحية وطبيعية ومستحقة بل بالعكس يمثل ما يحصل فرصة لـ"صيادي الفرص" لاقتناص العملات المغرية بالشراء، التي سجلت هبوطاً متسارعاً معزين هذا الهبوط الكبير إلى استحقاقات عطلة نهاية العام.

ويستند المضاربون في حماسهم الشديد للبيتكوين إلى رغبتهم الشديدة في تحقيق المكاسب الخيالية التي تصل إلى متوسط بين 50% و200% يومياً في بعض العملات وهو مستوى يتحقق في البورصات وأسواق المال التقليدية على مدار يبلغ 5 سنوات على الأقل عدا بعض الاستثناءات. حتى أنه بات شائعاً استخدام المضاربين في العملات الرقمية والبيتكوين عبارات من قبيل "5 تدبيلات" وهي تعني ارتفاعًا بواقع 500% و10 "تدبيلات" وهي تعني ارتفاعًا بنسبة 1000% معتبرين أن هذه المستويات باتت هي المعدلات الطبيعية للمكاسب الأسبوعية في أسواق عملات البيتكوين وأخواتها لكن دروس التاريخ التي يكرهها المضاربون أو يتناسونها متعمدين تشير إلى غير ذلك، وتجزم بأن الأسواق المالية لا يمكن أن تصعد للأبد ولا يوجد شيء في الحياة اًصلاً يدوم للأبد.

اقرأ/ي أيضًا: البتكوين.. فقاعة مالية أم عملة واعدة؟

(2)

من المثير للدهشة أن زهرة التوليب هو اسم أول فقاعة اقتصادية في التاريخ، يبدو الاسم رومانسياً للغاية وقد بدأت هذه الفقاعة خلال الفترة من 1636 واستمرت لمدة عام لتنفجر في العام 1637 في هولندا، حيث جلب الهولنديون زهرة التوليب من الامبراطورية العثمانية خلال القرن السادس عشر وسرعان ما لاقت هذه الزهرة رواجاً استثنائياً لتتحول للمضاربة عليها ليصل سعر الزهرة الواحدة إلى 6000 فلورينة هولندية (عملة هولندية قديمة) وهو ما يكفي لشراء منزل جيد آنذاك واستمرت حمى التوليب حتى انفجار فقاعتها التي زلزلت أوروبا حتى أن صداها وصل إلى بريطانيا آنذاك. وبعد انهيار الفقاعة مباشرة اقترنت زهرة التوليب بالفال السيء في أوروبا بأسرها.

وكانت هذه أول فقاعة مالية في التاريخ وسرعان ما جاءت فقاعة أسهم شركة بحار الجنوب في العام 1721 حيث اكتتب المواطنون البريطانيون بالكامل في شركة لم تعلن عن طبيعة نشاطها وعملها ليبلغ سعر السهم آنذاك مستوى 150 جنيهًا وبفعل المضاربة على الشركة (غير الموجودة أصلاً) ارتفع سعر السهم إلى 1050 جنيهًا وسرعان ما انفجرت الفقاعة وانهارت الأسعار سريعًا مخلفة خسائر فادحة للراغبين في الربح السريع.

في أعقاب ذلك، حدثت فقاعات اقتصادية أخرى أبرزها فقاعة انهيار سوق الأسهم الأمريكية في 29 تشرين الأول/ أكتوبر 1929، والمسمى بالثلاثاء الأسود والذي خلف أزمة مالية طاحنة حملت اسم "الكساد الكبير" حيث بدأت الأزمة عقب ارتفاع صاروخي للبورصة الأمريكية استمر سنوات عدة غير أن هذا الارتفاع الكبير شهد انهيارًا مفاجئاً مخلفًا الكساد الكبير، ثم شهد العالم لاحقًا فقاعة الانترنت خلال الفترة بين عامي 1995 و2000 والتي خلفت خسائر فادحة وصولاً إلى الأزمة المالية العالمية التي نشبت في أيلول/ سبتمبر 2008 وأسفرت عن انهيار بنك ليمان براذر، ثم تساقطت المؤسسات المالية العملاقة مثل أحجار الدومينو ليتعثر مصرفي سيتي جروب العالمي وميريل لينش ثم "تكر المسبحة" التي فرضت خططًا للإنقاذ الاقتصادي، وبحلول العام 2010 عانى الاقتصاد العالمي من أزمة تعثر الولايات المتحدة وتراجع تصنيفاتها السيادية من وكالات تصنيف عالمية مثل "فيتش" و"موديز" و"ستاندرد آند بورز" وعندما طويت صفحة هذه الأزمة طفت على السطح أزمة تعثر دول الاتحاد الأوروبي وهي الأزمة التي لا تزال  تداعياتها السلبية ظاهرة حتى الآن.

(3)

ما يلفت الأنظار بالفعل هو تحذيرات محتال وول ستريت الشهير جوردان بلفورت من العملات الرقمية والبيتكوين مؤكداً أنها عملية نصب واحتيال. وقد أقر بلفور في العام 1999 بأنه مذنب في جرائم الاحتيال والجرائم ذات الصلة في التلاعب في سوق الأسهم. وهو يعد أشهر محتال في عالم البورصة الأمريكية. تم الحكم عليه بالسجن أربعة أعوام قضى منها اثنين وعشرين شهراً فقط وقد قام النجم الأمريكي ليناردو دي كابريو بأداء شخصيته في فيلم ذئب وول ستريت في عام 2013.

كان محتال وول ستريت الشهير جوردان بلفورت قد حذر منذ فترة من العملات الرقمية والبيتكوين خاصة مؤكداً أنها عملية نصب واحتيال

اقرأ/ي أيضًا: 3 أسئلة نخجل من طرحها حول المال.. لحظة ما هو المال؟!

(4)

يجب هنا التمييز والتفرقة بين تقنية البلوك تشين المتميزة والبيتكوين، فالبلوك تشين قاعدة بيانات لا مركزية تعمل على هيئة نظام سجل الكتروني لمعالجة الصفقات وتدوينها بما يتيح لكل الأطراف تتبع المعلومات عبر شبكة آمنة لا تستدعي التحقق من طرف ثالث، وقد تم ابتكار تقنية البلوك تشين في العام 2008 كسلسلة مشفرة يتم تسجيل المعاملات عليها ليكون تصميمها لا مركزية بحيث يتم السماح لتكون المعاملات بين المستخدمين مباشرة دون حاجة إلى وجود أطراف ثالثة ورغم أن هذه التقنية يتم استخدامها في البيتكوين إلا أنه يمكن الاستفادة منها على أكمل وجه من خلال اعتماد البنوك وشركات الاستثمار عليها فضلاً عن إمكانيات هائلة لنمو قطاعات مختلفة مثل التجارة الإلكترونية والتحويلات المالية، والبنية التحتية للمدن الذكية، وقطاع العقارات والمبادلات التجارية.

أزمة الفقاعات الحقيقية تتمثل في انتشارها الشديد قبيل انهيارها المفاجئ وتدافع البسطاء إلى الانضمام لقطيع يحلم بالثراء السريع غير أنهم من يدفعون الثمن

(5)

ثمة مقاربة بعيدة وإن كانت تلامس في بعض جوانبها وتتقاطع مع مشهد جنون البيتكوين فقد حدثت فورة قياسية في جميع أسواق الأسهم الخليجية وصلت إلى أوجها في العام 2005 وانتهت بنشوب الأزمة المالية في العام 2008 في هذا الوقت تدافع الجميع للاستثمار في البورصات الخليجية حتى أنها وصلت لأرقام قياسية وانتشرت موضة إطلاق الشركات التابعة والزميلة فيما عرف لاحقًا باسم "تفريخ الشركات" وعقد المؤتمرات الصحفية وطرح الشركات للاكتتابات وتأهيلها للإدراج.

كانت "فورة" جعلت قطاعاً واسعاً يقوم بتسييل أصول عقارية ملموسة حقيقية للاستثمار في أسهم تصعد، كل يوم تصعد. وآنذاك بدا الأمر وكأنها ستصعد للأبد، مكاسب عدة ..ثم حدثت الأزمة المالية العالمية وتناثرت شظاياها لتصل إلى الاسواق الخليجية التي تعرضت لحركة تصحيحية عنيفة.

(6)

أزمة الفقاعات الحقيقية تتمثل في انتشارها الشديد قبيل انهيارها المفاجئ وتدافع البسطاء إلى الانضمام لقطيع يحلم بالثراء السريع غير أنهم من يدفعون الثمن كل مرة فالبيانات المتاحة تشير إلى أن نحو 30% من العملات الرقمية المشفرة بحوزة مطوري هذه العملات ومبتكريها وبالتالي فإنه في حالة حدوث أي انهيار فإن المطورين سيكونون أول فئران السفينة الغارقة ليدفع صغار المستثمرين "الطماعين" الثمن ويطير "المطورون" بأرزاقهم، منتظرين فصلاً جديداً من فصول الفقاعات المالية التي سيتدافع إليها المستثمرون أيضاً دون أن تجدي النصائح أو التحذيرات!

 

اقرأ/ي أيضًا:  

أبرز 9 طرق لتحقيق الربح من الإنترنت

7 أفكار لمشاريع صغيرة ومربحة بالمنزل