25-أبريل-2019

هدى بركات وعبده وازن (ألترا صوت)

مع نهاية يوم أمس، طُويت صفحة زلزال الجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر". ساد الهدوء أخيرًا على الجبهات المشتعلة، وأزيلت المتاريس، وخفتت الاتّهامات المعتادة، والاتّهامات المضادّة، مع اختلافٍ بسيطٍ بالأسماء فقط. إنّها هدنة طويلة الأمد، مستمرّة حتّى موعد الدورة القادمة من الجائزة التي دقّت المسمار الأخير في نعشها قبل يوم أمس، وأسدلت الستارة على فضيحةٍ سعت لتخفيف حدّتها من خلال عنوان: هدى بركات الفائزة الثانية عشرة بالجائزة العالمية للرواية العربية. أو عنوان: بركات حصدت البوكر بعد مقاطعةٍ استمرّت لسنوات.

هدى بركات هي تمنح أو تتوِّج البوكر، بغض النظر عن الاختلاف أو التوافق عند البعض بشأن أحقيَّتها بكسب الجائزة

الحصيلة في النهاية أنّ بركات توِّجت بالجائزة. هذا هو العنوان الذي اجتُهِدَ لأجل تصديره للآخرين؛ أنّ بركات توِّجت تحديدًا. ترد هذه المفردة للتشديد على مكانةٍ ليست موجودة عند الجائزة. فالأخيرة تُراهن ببساطةٍ شديدة جدًا، على مفردة "البوكر" فقط، إشارةً إلى النسخة الدولية من الجائزة. الواقع في هذه الحالة أنّ هدى بركات هي تمنح أو تتوِّج البوكر، بغض النظر عن الاختلاف أو التوافق عند البعض بشأن أحقيَّتها بكسب الجائزة.

اقرأ/ي أيضًا: البوكر.. دعوة إلى المراجعة

نتحدّث بطبيعة الحال عن روائية أكبر من الجوائز بمسافاتٍ بعيدة جدًا. إنّها تَمنحُ لا تُمنحْ. والتسريبات لما يُطبخ خلف كواليس البوكر، تحدّثت عن أنّ الجائزة طلبت وساطة الناشر لإقناع هدى بركات بقبول ترشيح "بريد الليل". تسريباتٍ تؤكّد، عدا عن سطوة ونفوذ الناشرين في الجائزة الخاضعة لسطوة المال السياسي، والمزاج السائد للدولة المانحة، سياسيًا؛ تؤكّد أنّ الجائزة هي من ذهبت إلى صاحبة "ملكوت هذه الأرض" رغبةً باسمها، لا العكس إطلاقًا.

في نهاية المطاف، أُعلن فوز الروائية اللبنانية في أمسيةٍ أُقيمت في الأوّل من أمس، وانتهى الأمر. تلا الإعلان مباشرةً معارك طاحنة ومُعتادة في مواقع التواصل. معارك باتت طقسًا ثابتًا من طقوس جائزة البوكر. وبصرف النظر عن اتّساع رقعتها الجغرافية لهذه النسخة، إلّا أنّها فشلت في إثارة الصخب الإعلامي كما جرت العادة قبلًا. السبب هو استثنائية حفل الإعلان، إن لم نقل الدورة كاملةً. فقد تغيّبت الروائية العراقية إنعام كجه جي صاحبة "النبيذة" عن الحفل، ولمّحت إلى مقاطعةٍ شاملةٍ للجائزة. وسُّرِّب عنوان الرواية الفائزة قبل ساعاتٍ من الإعلان الرسميّ، ما جعل من الحفل تحصيل حاصل.

التسريب كان من حصّة صحيفة "الإندبندنت" السعودية، الذراع الإعلامية الجديدة لولي العهد محمد بن سلمان. ومن الصدفة ربّما أنّ الجهة المسرِّبة، والجهة التي تعرّضت للتسريب، تتشابهان جدًا من حيث المبدأ. فالصحيفة السعودية والجائزة الإماراتية تعملان بأسماء عالمية "الإندبندنت" و"البوكر". والرهان عند هذه المؤسّسات معقود دائمًا على سمعة المؤسّسة الأصل أو الأم. ما معناه أنّ الأسماء غطاء، ما إن تجرّب أن تُزيحه قليلًا، حتّى يتكشّف أمامك جوهرٌ عفن كمستنقع. ولا تعدو العناوين العريضة لهذه المؤسّسات، كثنائية الثقافة والتنوير، مجرّد مظهرين شكليين وخدّاعين.

الصحيفة السعودية الجديدة انطلقت كجزءٍ من سياسات محمد بن سلمان الجديدة، والتي لا تبتعد كثيرًا عن سياسات مرجعه الأوّل، وشريكه في حبك المؤامرات، محمد بن زايد. إطلاق الصحيفة بحدّ ذاته يدلّ على الاستفادة السعودية من التجارب الإماراتية السابقة في تنفيذ وتمرير أجنداتٍ سياسية بغطاء أو أسماء عالمية ذات قيمة. (البوكر نموذج).

هكذا أُطلقت الصحيفة السعودية المسؤولة عن تسريب عنوان الرواية الفائزة. في الوقت الذي تعمل بجهدٍ، بصرف النظر عن مهنية صحفية أو غيره، في ترويج تعديلاتٍ دستورية تُطيل أمد حكم ذراع السعودية والإمارات في مصر، والواصل إلى السلطة بانقلابٍ تكفّلتا بدعمه سياسيًا وماليًا. ولا شكّ في أنّ الصحيفة تفردٍ مقالاتٍ مطوّلة لمهاجمة دولة قطر. وتستضيف سياسيين وعسكريين للهدف ذاته، كنبيل فهمي، وبندر بن سلطان، وعمرو موسى، وآخرون. ولا تتأخّر في دعم حملة خلفية حفتر العسكرية، ذراع الإمارات والسعودية في ليبيا، على العاصمة طرابلس. ولا تتوانى عن مهاجمة النظام التركيّ، والثورات العربية، والإسلام السياسي. إنّها، ببساطة شديدة، نسخة جديدة من صحف ومواقع تُدار بالأموال الإماراتية – السعودية، كالدستور، واليوم السابع، وغيرها. لربّما الاختلاف الوحيد فقط يكمن في أنّ الصحيفة الجديدة تعمل مستندةً إلى اسمٍ يُشار من خلاله إلى المؤسّسة البريطانية الأم.

سعت الإندبندنت العربية من خلال تسريب نتائج جائزة البوكر إلى تحقيق سبق صحفي يرفع من أسهمها

نفهم أنّ الصحيفة الجديدة، ومن خلال العلاقة المتينة بالإمارات، قد سعت من خلال التسريب إلى تحقيق سبق صحفي يرفع من أسهمها عربيًا نظرًا لحداثة ولادتها. ولكن، بصرف النظر عن الأسباب، فإنّ ذلك لا يُبرّر هكذا سقطة للجائزة أوّلًا، وللصحيفة ثانيًا. فالصحافة لا تكون هكذا، بهذا الشكل، وبهكذا مستويات من الدناءة. هذا من جهة. من جهةٍ أخرى، ما الذي يدفع عبده وازن، الكاتب الصحفي المحترف، وصاحب عددٍ من النظريات المثيرة، إلى كتابة مقال التسريب بنفسه؟ مرّة أخرى، لا يزن عبده وازن ما يقترفه.

اقرأ/ي أيضًا: القائمة القصيرة لبوكر 2018.. امتياز الرداءة

الصحفي اللبنانيّ جاء حديثًا إلى الصحيفة السعودية، قادمًا من صحفية سعودية أيضًا، أي "الحياة"، متجاهلًا دماء من يُفترض أن يكون زميله في الصحيفة الأخيرة، أي جمال خاشقجي الذي قضى نحبه داخل القنصلية السعودية في إسطنبول. مصمِّمًا على العمل في صفوف أدوات المنشار، محمد بن سلمان وصحبه. ولربّما كان حريًا بصديقنا وازن، بدلًا من الاجتهاد في تسريبات كهذه، أن يجتهد أكثر للحصول على تسريباتٍ تتعلّق بحادثة خاشقجي. وإذا كان الأمر مكلفًا، ليلتفت، على الأقل، لقضية لجين الهذلول والكثير من الناشطات السعوديات في سجون بن سلمان، تحت إدارة القحطاني. أو لقضية الشيخ سلمان العودة وصحبه، أو أطفال اليمن. وأقلّ الإيمان، الدعوات السعودية – الإماراتية العلنية للتطبيع مع الكيان الإسرائيليّ. زِنْ الصحافة يا عبده وازن، فما هكذا تكون الصحافة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

القائمة الطويلة للبوكر 2019.. الاهتمام الآخذ بالتلاشي

إبراهيم نصرالله.. مغازلات إماراتية في سبيل البوكر