19-يوليو-2016

جدارية للبوعزيزي (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

ربما قليل منا من تساءل عن الأداة التي استعملها البوعزيزي ليشعل نفسه بها، ومن ثم يكون شرارةً تشعل البلدان العربية، فالربيع العربي شيءٌ يدعو للعجب، فالربيع يحتاج إلى المطر، بينما ربيعنا العربي احتاج إلى نارٍ كي يزهر!

أما عن الأداة التي استعملها البوعزيزي ليحرق نفسه لا يهم إن كانت عود ثقاب، أو ولاعة مطليةً بالذهب، أو أنه استخدم النظام القديم عن طريق ضرب حجرتين ببعضهما البعض. البوعزيزي في الحقيقة استخدم شيئًا آخر؛ البوعزيزي استخدم كرامتنا المداسة ليشعل نفسه بها.

البوعزيزي أشعل نفسه برغيف الخبز الذي سرقوه منا، ومن ثم لم يجده. البوعزيزي أشعل نفسه بالحذاء الذي وضعه المستبدون على أفواهنا فمنعونا حتى من الكلام

البوعزيزي أشعل نفسه بجرزة البقدونس التي كان يبيعها ليكف نفسه عن ذل السؤال. البوعزيزي أشعل نفسه بعد أن وجد أن الحكام قسموا إلى قسمين، قسمٌ تابعٌ للشرق وآخر للغرب، نظر إلى نفسه وجدهُ وشعبه غريبين في أرضنا العربية فلم يجد ملاذًا إلا النار

اقرأ/ي أيضًا: انتحار جامعي.. بوعزيزي آخر في تونس

ولكن الطامة الكبرى كانت عندما حاولنا استرداد كرامتنا، أصبح "كل حزبٍ بما لديهم فرحون" فأصحاب الكراسي استعانوا بساداتهم من مشرقيين ومغربيين ولم يستعن أحدٌ منهم بنا نحن الشعوب العربية، فالسبب كامنٌ بالاتباع. لو كان اتباع الحكام لأراضينا لاستعانوا بنا، لو كانوا تابعين لمن نصبهم قادةً عليهم لاستعانوا بنا.

بل يهمنا اليوم كرامتنا. أن تكون عربيًا صاحب كرامة شيء يتنافى مع قانون التابعين والمتبوعين، فالاستبداد والحرية والكرامة مثل الخطوط المتوازية، محالٌ أن تلتقي. البوعزيزي اليوم تحول من بائع خضار على بسطة في الطرقات إلى رجل خلد التاريخ اسمه، لسببٍ واحدٍ فقط، أنه دافع عن كرامته.

ولكن السؤال اليوم هل يستفيق باقي المستبدين كما استفاق البوعزيزي ليخلدوا أسماءهم وهم يدافعون عن كرامتهم وكرامة شعوبهم؟ هل يشعلون أنفسهم ويثورون على ساداتهم من مشرقيين ومغربيين، كي يقف شعوبهم معهم كما وقف الشعب التركي مع رئيسهم؟

اقرأ/ي أيضًا:

تونس، وكأنه استئناف حراك لم ينته

هوامش تونس.. جحيم التهريب ولا جنة الدولة