07-أغسطس-2019

توضع المآلات الخطيرة لانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي على الطاولة من جديد (Getty)

يميل أغلب المراقبين العرب للشأن الأوروبي إلى قراءة ظاهرة الاتحاد الأوروبي بجوانبها الاقتصادية فقط، سواءً من حيث النشأة أو الممارسة السياسية، إلاّ أنه ورغم قدرة العامل الاقتصادي على تفسير العديد من الممارسات السياسية فإنه يساهم بحجب العديد من العوامل الأخرى الثقافية والاجتماعية والتاريخية المساهمة في بناء فهم واضح حوله.

 مع وصول بوريس جونسون إلى رئاسة وزراء بريطانيا خلفًا لتريزا ماي والتي استقالت على خلفية فشلها في إدارة ملف البريكست، يبدو أن مآلات الانفصال الخطيرة توضع على الطاولة مجددًا

 مع وصول بوريس جونسون إلى رئاسة وزراء بريطانيا خلفًا لتريزا ماي والتي استقالت على خلفية فشلها في إدارة ملف البريكست، يبدو أن طرح الحل الشمشوني يثبت فشله أكثر، أي الخروج من الاتحاد دون اتفاق، في حال لم يستطع رئيس الوزراء الجديد التفاوض على شروط مناسبة تتيح له تمرير القرار أمام البرلمان قبل الحادي والثلاثين من تشرين أول/أكتوبر المقبل. ويذكر أن بوريس هو عراب حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي تخللها استخدام غير مسبوق للتدليس السياسي سواءٌ من حيث الكم أو الكيف، الأمر الذي دفع معجم أكسفورد إلى الإعلان بأن مصطلح "الحقائق الزائفة" كان من بين المصطلحات الأكثر استخدامًا خلال العام  2016،  كما أن ستيفان ليفاندوفسكي، الباحث في المعلومات الخاطئة في جامعة بريستول في المملكة المتحدة وصف الحملة  قائلًا: "لم يحدث من قبل في التاريخ أن تم كشف الكثير من الخداع بهذه السرعة وبكثير من العار".

اقرأ/ي أيضًا: "بوجو" على رأس المحافظين البريطانيين.. بورتريه انتصار مؤجل

تاريخ الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

يدعو هذا الوضع المعقد لضرورة الإشارة إلى تاريخ  العلاقة المركبة ما بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، فلم تكن هذه المرة الأولى التي يجري فيها استفتاء حول خروج بريطانيا. حيث جرى هذا الاستفتاء بعد عامين فقط من انضمام بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 1975. وبالإضافة إلى ذلك، رفضت فرنسا، بين عامي 1961 و1973  انضمام بريطانيا مرتين إلى التجمع الاقتصادي الأوروبي (EEC) على الرغم من أن بريطانيا العظمى هي الدولة التي طرحت فكرة الاتحاد بعد الحرب العالمية الثانية من قبل رئيس الوزراء وينستون تشرشل. وهو ما يسبب اضطرابًا في المشروع الأوروبي والدور السياسي الذي يلعبه على الساحة الدولية، والتطور الملفت الذي نلحظه في نمو مؤسساته، والتي أفضت إلى طرح مفهوم "المواطن الأوروبي"، أي بالتالي الشعور بأن هناك كيان سياسي يمارس شكلًا من أشكال السيادة، و يتخذ جملة من الإجراءات والقوانين التي تمس و تضبط إيقاع كتلة بشرية تصل إلى 513 مليون شخص، وما يترتب عن ذلك من امتيازات وواجبات. حيث قوبل هذا المشروع كما هو معروف بالرفض من قبل القوى اليمينية مستخدمةً خطابًا شعبويًا، مستندًا بشكل أساسي على الاستثمار في قطاع الخوف والمشاعر القومية ذات الطابع الفاشي، الأمر الذي أوضحته دراسة نشرتها مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية من خلال توضيح كيف أطلق حزب الاستقلال البريطاني (UKIP) خطابًا مناهضًا للهجرة لإثارة الشعور القومي بين الرأي العام اليميني البريطاني.

بعض مخاطر الخروج دون اتفاق

في الواقع، إن احتمال الخروج دون اتفاق لن يؤدي فقط إلى  إضطراب في الأسواق المالية على مستوى العالم، بل سوف يضع على الطاولة جملة من الاستعصاءات، فيصبح من المشروع التساؤل كيف ستتعامل المملكة المتحدة مع المواطنين الأوروبيين الذين يعيشون على أراضيها. هل سيتم التعامل مع هؤلاء كمواطنين أوروبيين؟ أم هل سيتم التعامل معهم على أنهم ينتمون إلى جنسياتهم الوطنية؟

اقرأ/ي أيضًا: القفزة البريطانية إلى المجهول

في هذا السياق، يجب التذكير بأن ظاهرة الأجنبي تبدو سببًا ونتيجة وفق معيار المواطنة كما هو موضح في تحليل منشور على موقع Expatassure، يبين كيف أن هذا الحدث سوف ينقل المواطنين الأوروبيين إلى بيئة معادية، وهو تعبير يستخدم لوصف التدابير المطبقة لتثبيط الهجرة غير الشرعية. ويطالب الـ 3 ملايين مواطن أوروبي بحماية حقوق المواطنين الأوروبيين في المملكة المتحدة بموجب معاهدة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.

لم تكن هذه المرة الأولى التي يجري فيها استفتاء حول خروج بريطانيا. حيث جرى هذا الاستفتاء بعد عامين فقط من انضمام بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 1975

هذا من جهة ومن جهة أخرى سوف يعاد فتح تاريخ المواجهة الحدودية الدامية ما بين جمهورية إيرلندا وإيرلندا الشمالية، مذكرًا بأيام الحرب الأهلية، حيث كانت نقاط التفتيش الحدودية أهم النقاط المستهدفة من قبل أطراف النزاع والتي استطاع الاتحاد الأوروبي تجاوز جزء كبير من آثارها. رغم أن المناخ السياسي في بريطانيا لا ينبئ بأن جونسون سوف يستطيع تمرير خياراته السياسية بسهولة، حيث صرح رئيس حزب العمال جيريمي كوربين، أنه سيدرس فكرة الدعوة إلى تصويت جديد لحجب الثقة عن الحكومة بعد عودة البرلمان في أيلول/سبتمبر، مؤكدًا على ضرورة إجراء استفتاء جديد. بينما يبدو أن جونسون يواصل موقفه المتشدد من الاتحاد الأوروبي والذي يقابله بمزيد من التقارب مع واشنطن مستندًا إلى العلاقة الشخصية التي تربطه بالرئيس ترامب الذي انتقد أداء تيريزا ماي، وقال إنه من الجيد أن يكون لبريطانيا رئيس وزراء جديد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الطلاق المؤجل.. لماذا تتلكأ بريطانيا في الخروج من الاتحاد الأوروبي؟

ما هي تأثيرات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟