13-أبريل-2017

طالبة أمام جامعة القاهرة سنة 2009 (كريس بورنكلي/أ.ف.ب)

دخل النقاب دوَّامة الإرهاب، فما كان من البرلمان المصري إلا إصدار قانون لمنعه لتكتمل دائرة حذف الإسلاميين من المعادلة. على الأرض، بدأ البرلمان المصري إعداد مشروع قانون جديد لمنع النساء من ارتداء النقاب نهائيًا، وفق إعلان عدد من أعضاء مجلس النواب، بحجة أنه "ضروري الآن لأسباب أمنية".

قدم البرلمان المصري مشروع قانون يمنع ارتداء النقاب لأسباب أمنية ومن المتوقع أن تتم المصادقة عليه

وفقًا لوجهات نظر، بدأت جهات أمنية تتخوّف من تنكر عناصر إرهابية بالنقاب، الذي يخفي الجسم بالكامل، للقيام بأعمال متطرفة وإجرامية تهدد حياة الناس. ويواجه النقاب اتهامًا حتى الآن، ومنذ وقت طويل، باستخدامه في تسهيل جرائم الاختطاف والقتل. 

اقرأ/ي أيضًا: مصر.. هجمة سلفية على إلغاء خانة الديانة

وبين أوراق البرلمان المصري، لإثبات صحة وجهة نظره، عدّة حجج:

الأولى، إلقاء القبض من جانب الأجهزة الأمنية على عدّة أشخاص، مثبتين في محاضر رسمية، ارتدوا نقابًا، وحاولوا اختطاف أطفال وفتيات، آخرها في محافظة الدقهلية قبل أيام.

الثانية، أن قوات الأمن ألقت القبض على أحد العناصر التكفيرية في مدينة العريش بسيناء وهو يتخفى بالنقاب، ويخطط لاستهداف أفراد الجيش.

الثالثة، تم القبض على شخص مرتديًا النقاب لدى تصويره مديرية أمن الإسكندرية قبل عامين، وفي العام الماضي، اتُهم شخص تخفّى بزي منتقبة، بمحاولة تفجير معسكر لقوات الأمن بالقاهرة.

الرابعة، وجهة نظر دينية وفقًا لآراء عدد من علماء الأزهر، وهي أن "الإسلام لا يطلب من المرأة ارتداء النقاب، وإنما يأمرها بالملابس المحتشمة وتغطية الشعر، فلا يظهر منها سوى الوجه والكفين، أما تغطية الوجه وعدم ظهور إلا العينين منه فهو تقليد غير إسلامي".

الخامسة، أنه من المستحيل على أجهزة الدولة مكافحة الإرهاب، ومطاردته إذا كانت أمام عدو متنكر، يخفي وجهه وهويته وراء نقاب للهرب من الملاحقة الأمنية.

يرجع انتشار النقاب في مصر إلى عصر صعود السلفيين إلى قمة الخطاب الديني في عهد مبارك، واحتلالهم القنوات الفضائية الدينية

ومن المتوقع أن تؤدي الموافقة على القانون إلى ردود فعل عنيفة من قِبل الإسلاميين، الجماعة السلفية تحديدًا، في مصر. ويروّج دعاة منع النقاب أن ذلك مهم الآن لدعم المشهد الإسلامي المعتدل إلى جانب دعوة تجديد الخطاب الديني.

اقرأ/ي أيضًا: فرق الأفراح الإسلامية.. ميت يبحث عن زفة!

وكانت جامعة القاهرة قد بادرت، الشهر الماضي، بمنع الأطباء والممرضات من ارتداء النقاب في كليات الطب والمستشفيات الجامعية، وأيَّدته هيئة مفوضي الدولة، ما اعتبره البعض رغبة في محو هُوية الجماعات الإسلامية داخل الجامعات، أسوة بما جرى في عهد مبارك حين صدر قرار عام 2009 بحظر النقاب خلال مواعيد العمل الرسمية بالجهات الحكومية.

يمسّ القانون المُنتظر وترًا حساسًا لدى الأزهر، إذ أن مجمع البحوث الإسلامية أصدر عام 2009 قرارًا بحظر ارتداء النقاب داخل قاعات الدراسة في جامعة الأزهر والمعاهد الأزهرية، وسيُعاد تفعيله مجددًا حال صدور قانون ملزم بذلك، إلا أن قاعدة واسعة من مشايخ الأزهر يرفضون منع ارتداء النقاب باعتباره لديهم "أمرًا نبويًا".

وتختلف معهم آمنة نصير، أستاذة العقيدة الإسلامية بجامعة الأزهر من خلال قولها: "النقاب كان في الواقع من التقاليد اليهودية القديمة، التي سادت في الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام، والقرآن ذكر غطاء الرأس، ولم يذكر أمرًا بلبس النقاب".

وهناك فريق آخر يعترض على منع النقاب باعتباره خرقًا لما جاء بالدستور في المادة 64، التي تؤكد أن "حرية الاعتقاد مطلقة وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية حق ينظمه القانون".

رد هيئة مفوضي الدولة على "شبهة خرق الدستور" كان جاهزًا في تقريرها، الذي أعدّته لمساندة قرار جامعة القاهرة بحظر النقاب، فقالت: "لا يناقضه لأن لولي الأمر في المسائل الخلافية حق الاجتهاد بما ييسر على الناس شؤونهم، ويعكس ما يكون صحيحًا من عاداتهم وأعرافهم، بل إن أسلوب ارتداء المرأة لزي يتعين أن يكون ملائمًا لقيمها الدينية التي تندمج بالضرورة في أخلاق مجتمعها وتقاليده".

ويرجع انتشار النقاب في مصر إلى عصر صعود السلفيين إلى قمة الخطاب الديني في عهد مبارك، واحتلالهم القنوات الفضائية الدينية، التي انتشرت في ذلك الوقت بلا حساب وهي قنوات الناس، والرحمة، والحكمة، وقدَّمت شيوخًا سلفيين، معادين للأزهر غالبًا، روَّجوا قيمهم الخاصة، وفي مقدمتها النقاب والجلباب والفكر الوهابي، فانتشر النقاب في مصر بـ"فيديوهات الترهيب من العذاب" حال عدم ارتدائه، ووجد مكانًا في الجامعات وبين الشباب بعد موجة عمرو خالد، التي دفعتهم إلى الحجاب، فكان الوقت مناسبًا لموجة أكثر تشدّدًا.

ووفقًا للرواية التاريخية الأكثر سريانًا واقترابًا من الحقيقة، فإن مبارك دعم السلفيين، بلا حساب، للقضاء على منافسهم اللدود، جماعة الإخوان، من مساجدهم، لكن الأمر انتهى بنهايته. ومن المتوقع أن يدافع نواب حزب النور السلفي تحت قبة البرلمان عن النقاب، رافضين مشروع القانون، الذي يدينه ويؤيد منعه، لكن أغلب المؤشرات تؤكد تصويت النسبة الأكبر من النواب لصالح تمرير القانون وتنفيذه؛ فالبرلمان الحالي، على ما يبدو، مشغول بمحو آثار أي هوية تدل على الإسلاميين، وطمس آخر ما بقى من ذكريات سيادة التيارات الإسلامية على المجتمع والحكم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المغرب يمنع تسويق "البرقع".. هل حان دور النقاب؟

الأخوات السلفيات.. الجنس الشرعي دربك إلى الجنة!