20-ديسمبر-2017

تتسبب موجة الصقيع التي تجتاح المغرب في كثير من المعاناة لسكان الأرياف (فاضل سنا/أ.ف.ب)

في قلب جبال الأطلس الكبير شرق المغرب، على مقربة من مدينة ميدلت، ترتمي هناك بلدة اسمها "إملشيل"، معزولة عن العالم الخارجي، فقط فصل الشتاء هو الذي يجعلها مادة دسمة للمنابر الصحفية التي تغطي واقع المنطقة المزري، حيث يتكالب الفقر هناك مع التهميش وصقيع البرد ليفتك بساكنة المنطقة وينكل بهم شر تنكيل.

في بعض البوادي المغربية لا طرق ولا كهرباء ولا مستشفيات، مما يحوّل هذه البلدات في فصل الشتاء إلى مناطق "شبه منكوبة"

إملشيل هي فقط واحدة من المناطق التي تئن تحت وطأة قساوة البرد، فطبقًا لتقرير الاجتماع الأسبوعي لمجلس الحكومة المغربية هناك 26 إقليمًا على الأقل في البلاد يحتاج إلى تدخل عاجل لحماية ساكنيه من البرد القارس وفك العزلة عنهم.

اقرأ/ي أيضًا: نساء "المغرب العميق"

المغرب المهمش يئن من الصقيع

لا شيء يقسو على فقراء المغرب ومهمشيه أكثر من جحيم البرد، لا سيما في البوادي والمناطق النائية، كالبلدات التي تستقر فوق سفوح وقمم جبال الأطلس، التي تصبح في فصل الشتاء مكسوة بالثلوج، تجذب أحيانًا الزائرين والسياح للاستمتاع بالتزلج وقذف الكرات الثلجية بعد خروجهم من غرفهم المكيفة، إلا أن قاطني الدواوير هناك بجانبها يرون فصل الثلوج موسمًا لقطف أرواح أبنائهم الرضع، وجحيمًا ينتظرون مروره بفارغ الصبر.

تتسبب موجة الصقيع التي تجتاح البلاد خلال هذه الأثناء في كثير من المعاناة لسكان القرى، حيث تنخفض درجة الحرارة بشدة لتنحدر في بعض الأوقات إلى تحت الصفر، مما يدفع ساكنة الأطلس إلى الاختباء في أكواخهم الهشة لمدة شهور ريثما ينجلي زمهرير الشتاء، مواجهين قساوة البرد بمؤونة شحيحة ووسائل بدائية، كجلب الحطب من أجل التدفئة، لكن عبثًا يفعلون ذلك فكثيرًا ما يقطف منهم موسم الثلوج العديد من أطفالهم وعجائزهم وحواملهم في كل عام، فضلاً عن أغنامهم وماشيتهم.

في المغرب المهمش، المختلف تمامًا عما تروجه القنوات الرسمية، يجد البرد ضالته ليقتات بها، حيث يعيش السكان في كثير من المناطق القروية في فقر مدقع وعزلة موحشة عن خدمات الدولة، التي لا يظهر أنها تقوم بواجبها الأساسي لقاء الضرائب التي يدفعها المواطنون، ففي بعض البوادي لا طرق موصلة ولا كهرباء ولا مستشفيات، مما يحوّل هذه البلدات في فصل الشتاء إلى مناطق "شبه منكوبة".

ما يزيد من فداحة الآثار التي يخلفها الصقيع بالبلدات النائية المغربية هو أن السكان هناك يفتقدون لوسائل مكافحة قساوة الطقس وتدخل المجتمع أو الحكومة غير كاف

وما يزيد من فداحة الآثار التي يخلفها الصقيع بالبلدات النائية هو أن السكان هناك يفتقدون لوسائل مكافحة قساوة الطقس، إذ لا يملكون المال لشراء وسائل التدفئة العصرية أو لشراء الملابس الشتوية وبطانيات النوم، ناهيك عن أن هشاشة مساكنهم التقليدية تعرضهم لنير الثلوج والأمطار والبرد، بل إنهم لا يجدون مستشفيات بقربهم تداوي مرضاهم.

اقرأ/ي أيضًا: المغرب "العميق".. والرحلة الأصعب نحو المعرفة

الفقراء فقط ضحية الصقيع

هناك مثل في السويد يقول "ليس هناك شتاء مناسب وإنما هناك ثياب مناسبة وبطانيات مناسبة ومسكن مناسب وتدفئة مناسبة"، هذا البلد الاسكندنافي الشديد البرودة، حيث تنخفض درجة الحرارة فيه إلى تحت الصفر في فصل الشتاء، لا تعاني بلداته النائية من أضرار الصقيع، فكما يبين المثل السويدي أن المشكلة ليست في الظروف الطبيعية أو قساوة الطقس أو صقيع البرد، وإنما تكمن المشكلة الحقيقية في مدى تجهز الساكنة لفصل الشتاء والوسائل التي تقيهم من الصقيع.

وهذا ما لا يتوفر في المغرب، حيث تعيش ساكنة القرى والبلدات النائية فقرًا مدقعًا وسط خدمات عمومية رديئة وأحيانًا منعدمة، كما أشار إلى ذلك التقرير الذي أصدره البنك الدولي بالتعاون مع المندوبية السامية للتخطيط، حيث ذكر أن هناك %79.4 من مجموع فقراء المغرب، الذين يقبعون تحت عتبة الفقر ويعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم، هم من الوسط القروي، أي ما يناهز مليون و275 ألف مغربي، محذرًا من الفوارق الرهيبة بين المدن والقرى المغربية، ما جعله يوصي بضرورة الإسراع في العمل على الاستثمار بشكل أكبر في مجال البنيات التحتية بالمناطق القروية.

وعلى الرغم من أن هناك بعض المجهودات الحكومية والمدنية لتخفيف وطأة الشتاء على المناطق النائية، من إيصال كميات من المؤونات الغذائية مع الأغطية للأسر الموجودة في الدواوير المعزولة، غير أن مشكلة هذه الساكنة مع فصل الشتاء تتجدد في كل عام، إذ يحتاج العالم القروي إلى خطة تنمية شاملة تنقذه من جحيم الفقر والهشاشة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

وفاة "إيديا".. الحرمان من العلاج يثير استياء المغاربة

المغرب.. أطفال الشوارع في مواجهة الموت