01-يونيو-2019

ما لا يقل عن 50 ألفًا بدون جنسية في لبنان (صحف لبنانية)

ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "لكل فرد حق التمتع بجنسية ما. ولا يجوز، تعسفًا، حرمان أي شخص من جنسيته ولا من حقه في تغيير جنسيته"، لكن الوضع في لبنان ليس كما ينص الإعلان العالمي، فعشرات الآلاف يعيشون في لبنان بلا جنسية أو أي وثيقة تعرف عن هويتهم، وعليه فلا يتمتعون بأي من حقوق المواطنة.

وفقًا لإحصائيات غير رسمية قامت بها منظمات حقوقية، يبلغ متوسط عدد البدون جنسية في لبنان ما بين 50 و60 ألف شخص

وحتى الآن لا يوجد نظام تحديد وتسجيل للأفراد عديمي الجنسية، من قبل الجهات الرسمية في لبنان، مما يغيب أي صورة واضحة عن حجم الظاهرة في لبنان والحلول الممكنة للحد منها مستقبلًا.

اقرأ/ي أيضًا: 15 مليون إنسان حول العالم بدون جنسية.. كارثة متعمدة وراء الستار

أوضاعهم القانونية في لبنان

عديمو الجنسية أو البدون جنسية، ولأسباب تاريخية، مرتبطون بلبنان من خلال الولادة والإقامة المستمرة، وكذا برابطة الدم لجهة الأم أو رابطة التزاوج. وهم يعتبرون لبنان بلدهم الوحيد والأصل.

وظاهرة البدون جنسية في لبنان في ازدياد مستمر، ومعظمهم من فئة الشباب الذين ورثوا انعدام الجنسية، ما يزيد من احتمالات ارتفاع أعدادهم أكثر فأكثر عبر الأجيال.

أما مكتومي القيد، فلهم معنى مختلف عن البدون جنسية، فمكتوم القيد في القانون اللبناني هو كل شخص لم يدرج اسمه في إحصاء عام 1932، ولكن أصوله من لبنان، وشروط الجنسية في المرسوم 24 يطبق عليه، لذا يعتبر مكتوم القيد. ويُطلق أيضًا على الطفل المولود من أب لبناني ولم يُسجّل في الدوائر الرسمية، خلال مهلة أقصاها عام من تاريخ الولادة.

بدون الجنسية في لبنان
حتى الآن لا يوجد نظام تحديد وتسجيل للأفراد عديمي الجنسية في لبنان

وتعمل منظمة "رواد الحقوق" غير الحكومية، على موضوع عديمي الجنسية واللاجئين في لبنان، وقد تأسست عام 2014، بعد سنوات طويلة من العمل الحقوقي الذي بدأه نشطاؤها عام 1999، ضمن مجموعات ولجان وجمعيات حقوقية مختلفة.

ورغم المعانات التي ترافق البدون جنسية ومكتومي القيد، إلا أنها قضية ليس على رأس أولويات الأجندة السياسية في الحكومة أو البرلمان، ولا حتى المجتمع المدني والإعلام، الأمر الذي دفع بـ"رواد الحقوق" إلى المبادرة في هذا الملف.

قالت المنظمة لـ"الترا صوت" إنه بعد عمل طويل، استطاعت المنظمة أن تؤسس مجموعة عمل بالتعاون مع وزارات الداخلية والعدل والأمن العام والتربية والصحة والشؤون الاجتماعية، من أجل "تحسين الإجراءات الاجتماعية لعديمي الجنسية، كتسهيل إدخال أطفالهم المدارس على سبيل المثال".

ظروف صعبة

يقول أنتونيو غوتيريس، مفوض الأمم المتحدة السامي  لشؤون اللاجئين: "انعدام الجنسية انتهاك صارخ لحقوق الإنسان الخاصة بالفرد، وسيكون من غير الأخلاقي إدامة الألم الناتج عن انعدام الجنسية في حين أن الحلول في متناول اليد".

يعيش الأفراد عديمو الجنسية في لبنان، في ظل خوف دائم من التعرض للاعتقال بسبب عدم حملهم بطاقات هوية. إحدى الأمهات لأبناء عديمو الجنسية، تقول: "من الصعب للغاية على أولادي أن يتحركوا بحرية. يحاولون تجنب المرور بالقرب من نقطات التفتيش التابعة للشرطة أو الجيش. ولا يذهبون إلى العاصمة بيروت لأن الحواجز الأمنية عديدة". يفقد هؤلاء حرية الحركة، فضلًا عن حقوق العمل والضمان الاجتماعي والرعاية الصحية وقبلها التعليم.

كما يعاني حاملو بطاقات "قيد الدرس" في لبنان من أعباء التكلفة الباهظة لتجديد بطاقة الإقامة لكل فرد من أفراد الأسرة كل عام. وقانونيًا فالأفراد ضمن تعريف "قيد الدرس"، هم فئة من عديمي الجنسية مسجلين عند الأمن العام اللبناني، ولديهم بطاقة أو إجازة إقامة، تعطيهم صفة الوجود القانوني، وبالتالي يمكنهم العمل في بعض المجالات، لكنهم لا يتمتعون بكل الحقوق، ولم ينالوا الجنسية، بينما البقية هم خارج السجلات القانونية كليًا.

البدون جنسية
في العالم نحو 15 مليون إنسان بدون جنسية

بالأرقام في لبنان والعالم

لا يوجد في لبنان إحصاءات رسمية للسكان منذ عام 1932، وبالتالي يصعب تحديد عدد الأشخاص عديمي الجنسية في البلاد. تقول الناطقة باسم منظمة رواد الحقوق، لـ"التراصوت": "قمنا بدراسة صغيرة ميدانية عام 2012 لعينة من ألف عائلة من مكتومي القيد، وتبيّن أن العدد التقريبي ما بين 50 و60 ألف شخص بدون جنسية في لبنان، يتوزعون على مختلف المحافظات كالتالي:

  • 33% في البقاع.
  • 30% في الشمال.
  • 13% في الجنوب.

والنسبة الأكبر منهم ولدوا بعد مرسوم التجنيس الذي صدر في العام 1994.

هذا وتجدر الإشارة إلى أن 51% من عديمي الجنسية، آباؤهم لبنانيون، وأكثر من 73% منهم أمهاتهم لبنانيات. وأكثر من نصف عديمي الجنسية في لبنان من القاصرين، حيث إن 53% منهم دون سن الـ18.

وبالنظر لبعض الإحصائيات في دول أخرى، نجد أنه في تايلند على سبيل المثال، كان هناك 18 ألف شخص بدون جنسية، جُنّسوا خلال السنوات ما بين 2015 و2018. وبالجملة، فإنه خلال عام 2017 حصل 56 ألفًا و500 شخص عديم الجنسية في العالم، على جنسيات في 29 دولة.

وأكثر من 75% من البدون جنسية حول العالم، ينتمون لأقليات دينية وإثنية. ويولد كل عام أكثر من 70 ألف طفل عديم الجنسية، أي بمعدل طفل بدون جنسية كل 10 دقائق، وذلك بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

آليات التحقق ومرسوم التجنيس

بطبيعة الحال، إذا كان أحدهم لا يمتلك هوية، فهذا يعني ألا وجود قانوني له، وعليه فإنه لا يتمتع بأي من الحقوق التي يتمتع بها مواطن قانوني.

الجنسية اللبنانية
عشرات الآلاف في لبنان لا يحملون الجنسية، أغلبهم ولدوا بعد عام 1994

لكن ما هي الآليات الممكنة للتحقق من أصول الشخص كخطوة لتجنيسه؟ تقول منظمة رواد الحقوق، إن "هناك آليات للتحقيق والتدقيق من أجل تحديد جذور هؤلاء الأفراد واستحقاقهم للجنسية اللبنانية. ومن هذه الآليات اللجوء إلى القضاء للبت بهذه المسألة بعد دراستها واستيفاء الشروط المطلوبة"، مستدركةً: "لكن المسار القضائي صعب ومتعب، ويتطلب إثباتات عديدة، خاصة وأن قانون الجنسية المعمول به اليوم لم يُعدل منذ صدوره عام 1925".

وفي عام 1994 كان هناك حل جزئي، حيث تم تجنيس 120 ألف اسم (فرد مع عائلته مما يعني ما يفوق 120 ألف شخص بكثير)، ويومها اعترضت الرابطة المارونية على القرار، بسبب عدم التوازن الطائفي في أعداد المجنسين بين المسلمين والمسيحيين.

ومن ثم في عام 1997 طرح اقتراح لتجنيس دفعة فيها توازن طائفي، لكن لم يبصر النور بسبب عدم توافر أعداد وفق ستة وستة مكرر، وهي قاعدة تسري في لبنان، تقضي بضرورة توافر كل الطوائف لتنفيذ حكم الإعدام على سبيل المثال لا الحصر.

قضية البدون جنسية في لبنان مرهونة بمعايير طائفية وعنصرية، ما يغلق الطريق أمام اقتراحات حلّها في كل مرة منذ التسعينات وحتى الآن

ويمنع هذا الاستقطاب الطائفي وجود أي أفق حالي لحل هذه المسألة خارج إطار المناصفة الطائفية والتجاذبات السياسية، فهؤلاء قوة انتخابية لا يستهان بها، قادرة على تغيير المعطيات السياسية والديموغرافية في لبنان، ولذلك تضرب هذه القضية كل الاتفاقات الدولية في مجال حقوق الإنسان التي صادق عليها لبنان، بسبب رهنها بمعايير طائفية وعنصرية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"بدون" مصر.. آلاف على الحدود مع فلسطين والسودان بلا جنسية!

من لاجئي سوريا إلى بدون الكويت.. كيف حصلوا على الجنسية السودانية؟