تتفاقم معاناة سكان قطاع غزة وتأخذ أشكالًا متعددة مع مرور الأشهر، حيث يدخل العدوان الإسرائيلي المستمر شهره الرابع. فيما يستمر نزوح العائلات من منطقة إلى أخرى بحثًا عن الأمان المفقود، وانعدام القدرة على التواصل بين العائلات، في ظل قطع إسرائييل المتكرر للاتصالات.
لقد تسبب استهداف الطيران الإسرائيلي للبنية التحتية للاتصالات، وقطع إسرائيل المتكرر لخدمات الإنترنت من طرفها، بسبب سيطرتها على كابلات الاتصال والشبكات، إلى جانب سيطرتها على الكابلات الدولية، إلى تأثير كبير على شبكات الاتصالات. ونتيجة لذلك، تشهد جودة الاتصال تراجعًا واضحًا، حال توفرها، مما ينعكس على كافة مناحي الحياة في غزة، بداية من صعوبة التبليغ عن الإصابات، وصولًا إلى تبادل الاتصالات بين العائلات. مما يؤثر سلباً على حياة السكان وقدرتهم على التواصل والبقاء على اتصال مع العالم الخارجي.
يستمر نزوح العائلات من منطقة إلى أخرى بحثًا عن الأمان المفقود في ظل صعوبة التواصل مع الأهل والأقارب
انقطاع الاتصالات المتكرر يزيد من صعوبة الوضع، حيث يمنع حوالي مليوني شخص نازح من التواصل مع أقاربهم وأهاليهم داخل وخارج القطاع المحاصر.
وفي هذا الإطار، قدمت وكالة "رويترز"، شهادات من فلسطينيين نازحين، عن معاناتهم من ضعف شبكات الاتصالات، خلال محاولتهم تقصي أخبار أقاربهم، وللبقاء على تواصل مع العالم الخارجي، ومتابعة الأخبار.
يتنقل حمزة طبش يوميًا إلى الحدود المصرية من خيمته في رفح، متطلعًا للحصول على إشارة لشبكة الهاتف المحمول المصرية. ورغم ضعف الإشارة، يحمل الأمل في إرسال رسائل صوتية إلى أحبائه الذين انفصلوا عنهم بسبب الحرب، ويقول حمزة: "رسالة واحدة تحيي الروح".
يترافق ذلك، مع نزوح معظم سكان غزة، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، من منازلهم بسبب القصف الإسرائيلي المكثف والهجوم البري، حيث تشتتوا في المخيمات التي أسست على عجل، وأصبحت شبكات الاتصالات المتعثرة الوسيلة الوحيدة للتواصل مع الأقارب والأحباء.
ومع تعطل شبكة الاتصالات المحلية بشكل شبه كامل، خاصة في شمال ووسط القطاع، يعمل العديد من النازحين على التواصل عبر الشبكة المصرية، وذلك من خلال الوقوف على طول الحدود الفاصلة.
وقال حمزة، وهو يسجل رسالة صوتية قصيرة لوالدته ويرفع هاتفه في الهواء لمحاولة التقاط إشارة لإرسالها: "أمي، كيف حالك؟ أتمنى أن تكوني بخير. الأمور على ما يرام هنا. أردت أن أطمئنك. لا تقلقي".
وشهدت عائلة حمزة انفصالًا عندما بدأت إسرائيل في تركيز هجومها على مدينة خانيونس. ولهذا السبب، قرر حمزة الانتقال إلى رفح، بينما بقيت والدته في منزل العائلة بخانيونس.
مع استمرار القتال وتصاعد حدة الدمار في خانيونس خلال الأيام الأخيرة، يعيش النازحون الذين تركوا أسرهم خلفهم، بالقلق والخوف على سلامة أفراد عائلاتهم المتبقية في المنطقة.
وبينما يقف حمزة عند نقطة مرتفعة بجوار السياج الحدودي مع مصر، المحاط بالأسلاك الشائكة، كانت مجموعة أخرى من الأشخاص يجلسون على الرمال، يكتبون الرسائل ويتحركون في دوائر وهم يتحدثون أو يرفعون هواتفهم في الهواء على أمل التقاط إشارة، وامتدت خيام النازحين البيضاء من تحتهم.
من جهتها، أخبرت مريم عودة، "رويترز"، وهي تجلس بجوار السياج الحدودي، والقلق ظاهر على وجهها، بأنها انفصلت عن أفراد عائلتها الذين بقوا في خانيونس، وقالت: "نريد التواصل مع أقاربنا ونطمئنهم ونقول لهم إننا مازلنا على قيد الحياة. ماذا أقول؟ إنني أبكي على هذا الوضع الذي نواجهه".
وأضافت مريم: "نأتي كل يوم إلى الحدود المصرية للاتصال بأقاربنا، لأنه عندما نتصل لا توجد خدمة، حتى في رفح. وعندما يتصلون بنا لا يمكنهم ذلك. نحن نتصل لطمأنتهم عنا، بأننا على قيد الحياة، ولم نستشهد مثل آخرين".
بينما كان أحمد أبو دقة، الذي يقف في مكان قريب، ينقر على رسالة في هاتفه. وكان قد قطع شوطًا طويلًا من خيمته عبر الرمال إلى هذا الارتفاع حيث كان من الممكن الوصول إلى الشبكة المصرية لإجراء اتصال، قال: "الإنترنت ضعيف جدًا، في بعض الأحيان تنتظر لساعات لإرسال رسالة واحدة فقط".
وينتظر أحمد رسالة من عائلته وأقاربه المحاصرين في مستشفى ناصر بخانيونس، ليطمئن عليهم، وليعرف مدى الخطر المحيط بهم.
وتشير "رويترز"، إلى أن شبكة الهاتف في غزة، التي تديرها شركة "بالتل" المحلية، أعلنت أكثر من عشر مرات عن توقف تام للخدمة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، كان آخرها في أواخر كانون الثاني/يناير، وهو ما أرجعته إلى الهجوم الإسرائيلي المستمر، ولفتت إلى إنه حتى عندما كانت شبكتها تعمل جزئيًا، فقد واجهت صعوبات في تشغيل الخدمة في العديد من المناطق بسبب الحرب.