11-أغسطس-2018

باخرة الكهرباء التركية إلى لبنان، تثير جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي (بلال حسين/ أسوشيتد برس)

استيقظ سكان جنوب لبنان قبل أسبوع على خبر رفض بلدية وأهل الجية، البلدة الساحلية الجنوبية، استقبال الباخرة التركية التي كان من المفترض أن تقدم الكهرباء مجاناً للجنوبيين، ولمدة ثلاثة أشهر.

أثار قرار رفض بلدية أهل الجية في جنوب لبنان، استقبال باخرة تركية لتقديم الكهرباء مجانًا، امتعاض الشارع الجنوبي

وقد أشيع في اليوم نفسه أن رئيس بلدية الغازية، محمد سميح غدار، وصاحب شركة مولدات كبيرة ومعروفة، يقف وراء قرار الرفض هذا، لأسباب بيئية على حد زعمه، فيما اعتبر البعض أن حركة أمل، القوة الشيعية الفاعلة في المنطقة، لم توافق على استقبال الباخرة، بسبب الخلافات والمناوشات مع التيار الوطني الحر، ووزير الطاقة المنتمي إليه، سيزار أبي خليل، وهم لا يريدون أن يسجل التيار انتصاراً من خلال الكهرباء، علمًا بأن ساعات التغذية بالكهرباء يوميًا خلال الفترة الحالية لا تزيد عن ثماني ساعات على أحسن تقدير.

اقرأ/ي أيضًا: جنوب لبنان تحت سطوة المطاوعة

وقد أثار قرار الرفض امتعاضًا في الشارع الجنوبي، وتحديداً لدى البيئة المؤيدة للثنائي الشيعي، والتي حصلت على نسبة عالية جداً من الأصوات في الانتخابات الأخيرة. واشتعلت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بآلاف المواقف الرافضة لحرمان المنطقة من ساعات التغذية بالكهرباء، واتّهموا محمد سميح غدار بعرقلة رسو الباخرة بسبب مصالحه التجارية والمالية الشخصية، فيما استغربوا تخلي مرجعياتهم السياسية عنهم، بعد أن أُشبعوا وعوداً قبل أشهر، على أعتاب الانتخابات، بتحسين أوضاعهم المعيشية، والعمل على مكافحة الفساد والفاسدين بما يساهم في رفع مستوى المعيشة.

السجالات الإلكترونية هذه تطورت وتفاقمت، وتفرّع عنها مناوشات جانبية مرتبطة بها بشكل أو بآخر. وفي بلد يقضي مواطنوه ساعات طويلة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، كانت أي تغريدة أو منشور صادم يتحول بسرعة إلى "تريند" ويصبح حديث البلد في زمن قياسي، قبل أن يأتي منشور آخر ليحل مكانه، وهكذا.

الخلاف الذي بدأ داخل البيئة الشيعية، إذا جاز التعبير، تطور وأخذ أبعاداً أخرى. كتبت لاحقاً بولين أبي راشد، منشوراً سخرت فيه من الأسرة المسلمة، واعتبرت أن الرجل المسلم لا هم له سوى التزاوج والإنجاب، فرد عليها الناشط عباس زهري، فقال إن "الفتاة المسيحية تعود مخمورة إلى بيتها عند مطلع الصباح".

هذه اللغة الطائفية، وهذا التنميط العنصري، المستخدم من أبي راشد ومزهري، وغيرهما من جمهرة متابعيهما الذين اصطفوا وأطلقوا العنان لألسنتهم؛ أعاد إلى الأذهان اللغة المستخدمة خلال الحرب الأهلية سيئة الذكر. تدحرجت كرة الثلج وارتفعت وتيرة الخطاب الطائفي.

وخلال مقابلة له مع المؤسسة اللبنانية للإرسال، قال وزير الطاقة سيزار أبي خليل، إنه تم تغيير اسم الباخرة من "عائشة" إلى "إسراء"، كي لايثير الاسم حساسية الأهالي في الجنوب، كون لاسم عائشة حساسية تاريخية لدى الشيعة.

وأثار كلام أبي خليل بلبلة واسعة، واستغرب كثيرون كيف يخرج كلام مثل هذا من شخص في موقع مسؤوليته، فيما اتخذ آخرون من تصريح أبي خليل مادة للضحك والتندّر، وظهرت المنشورات والتغريدات الساخرة.

وفي السياق نفسه غردت الإعلامية ديما صادق قائلةً: "ما في باخرة بتضرب حيدر؟" (ضرب حيدر –أي علي بن أبي طالب- هو طقس يمارسه الشيعة خلال عاشوراء). وتفاعل اللبنانيون مع التغريدة، وانقسموا حولها، بين من رأى فيها "مزحة عادية وطبيعية"، وبين من هاجمها بشدة واعتبر أن كلامها ينطلي على إساءة للمذهب الشيعي ومعتقدات متبعيه.

تغريدة ديما صادق

يذكر هنا أن ديما التي حذفت التغريدة لاحقاً، وقعت عدة مرات في فخ وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب تسرعها واستخدامها لأسلوب شعبوي، ولا تزال حادثتها مع الصفحة الرسمية لدولة النرويج على تويتر في الأذهان.

مراسل قناة الميادين علي مرتضى، ردّ على ديما من خلال تسجيل مقطع فيديو ملأه بالألفاظ النابية والمهينة، دون أن يخلو عنجهية إظهار فائض القوة والتفوق الأخلاقي المزعوم. وقد ذكّرها خلال الفيديو بانتمائها للمذهب الشيعي، ودعاها إلى الإطلاع على المذهب وفهم قيمة رموزه. لتستنكر شرائح واسعة من المتابعين أسلوب مرتضى في الرد.

تكشف المعارك الافتراضية في لبنان على السوشيال ميديا أن التعايش بين الطوائف الدينية والتيارات السياسية ليس إلا قصرًا من الرمال

في الوقت نفسه، لم تنته مفاعيل زلة لسان رئيس الجمهورية الذي سمّى دورة الضباط "فجر القرود" بدلاً من "فجر الجرود"، حيث أطلق الكثير من الفنانين المحلّقين في الفلك العوني، مواقف مدافعة عن الرئيس، تخطت آداب اللياقة والاحترام، فيما استمرت النكات الساخرة من الهفوة.

"يمكن معرفة متى وكيف تبدأ الحرب، لكن لا أحد يعرف كيف تنتهي"، هذه المقولة الشائعة في لبنان، يبدو أنها تنسحب على المعارك الافتراضية التي تدور على منصات مواقع التواصل الاجتماعي، فيتضح لدى كل محطة، أن هذا التعايش بين الطوائف والأحزاب والتيارات السياسية، ليس سوى قصراً من رمل ممكن أن ينهار أمام أصغر عاصفة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لم علينا الرحيل من لبنان؟

لبنان في المؤشر العربي.. لاطائفيون في بلد طائفي