11-أكتوبر-2017

تشهد العلاقات التركية الأمريكية توترًا غير مسبوق (فولكان فورونكو/ الأناضول)

يبدو المجتمع الدولي في دوامة أزمات مستمرة، آخرها الأزمة الدبلوماسية بين أنقرة وواشنطن التي وصلت إلى درجات غير مسبوقة من التصعيد، بعد الإجراءات المتبادلة بين الدولتين الشريكتين في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتبادلهما منع إصدار تأشيرات دخول لمواطني البلدين، ومطالبة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واشنطن بسحب سفيرها المتواجد في أنقرة.

تدخل العلاقات التركية الأمريكية منعطفًا حرجًا غير مسبوق في التصعيد الدبلوماسي بينهما، بمنعهما إصدار تأشيرات دخول مواطني البلدين

أردوغان: يجب إقالة السفير الأمريكي في أنقرة

وفي خطوة تعكس حجم الخلاف بين أنقرة وواشنطن، طالب أردوغان، أمس الثلاثاء، الولايات المتحدة بـ"ألا تحتفظ دقيقة واحدة بسفيرها في أنقرة"، مضيفًا أنهم لم يوافقوا على زيارة وداع طلبها السفير الأمريكي لأنهم يعتبرونه "لا يمثل بلاده" في أنقرة، وذلك بعد يومين من تبادل البلدين إيقاف إصدار تأشيرات السفر إليهما عبر ممثليتهما.

اقرأ/ي أيضًا: أمريكا والانقلاب الأخير في تركيا

وعاد التوتر بين البلدين الشريكين في حلف الناتو بعد أن أقدمت السلطات التركية على إيقاف أحد الموظفين الأتراك في السفارة الأمريكية بأنقرة، في 25 أيلول/سبتمبر الماضي، بتهمة الانتماء لحركة فتح الله غولن المصنفة من قبل الحكومة التركية على لائحة المنظمات الإرهابية، كما أنها أصدرت أول أمس الإثنين، مذكرة استدعاء لموظف ثان لا يملك الحصانة الدبلوماسية، بحسب ما نقلت وكالة الأناضول التركية.

وفي رسالة شديدة اللهجة لواشنطن، قال أردوغان: "لا توجد دولة في العالم تسمح لمثل هؤلاء العملاء بتهديد أمنها"، في إشارة للموظفين الأتراك في السفارة الأمريكية التي تطالب أنقرة بتسليمهم، غير أن اللافت في قرار تعليق إصدار التأشيرات من قبل واشنطن، أنه جاء بعد التنسيق بين وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي والبيت الأبيض، بحسب ما ذكرت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيذر ناورت.  

الانقلاب الفاشل وسوريا على رأس مسببات الأزمة

والتوتر الدبلوماسي الذي يُنذر بخلاف لن يهدأ بسهولة خلال الأيام القادمة، كانت له جذور سابقة ترجع لمنتصف تموز/يوليو 2016، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، التي اتهمت الحكومة التركية حركة فتح الله غولن المشهورة بـ"جماعة الخدمة" بالوقوف وراءها، مقدمة أدلة على ذلك. ورفضت واشنطن مطالب تركية عديدة بخصوص تسليمها فتح الله غولن المقيم على أراضيها، ومن ثم قامت في آب/أغسطس من نفس العام، بتقديم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية الرامية لإنشاء إدارة ذاتية على طول الحدود الشمالية لسوريا مع تركيا، بخلاف رغبة تركيا.

وتعمق الخلاف بين البلدين بعد موافقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أيار/مايو الماضي، على تسليح قسد لبدء عملية مدينة الرقة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ما اعتبرته أنقرة تقويضًا لجهود عملياتها العسكرية الداعمة لمقاتلي الجيش السوري الحر في شمال شرق سوريا، حيثُ حذرت في حينها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية من أن قرارًا مثل هذا قد يهدد بقطع العلاقات بينهما.

تأتي على رأس مسببات الأزمة محاولة الانقلاب الفاشل في تركيا بتدبير فتح الله غولن المقيم في أمريكا، ودعم واشنطن لقسد بسوريا

ورغم الخلاف المتصاعد بين أنقرة وواشنطن، فقد أبقى الرئيس التركي على أملٍ لإجراء مفاوضات تنهي الأزمة الحالية، بعدما أظهر حرصًا على عدم إلقاء اللوم في الأزمة الأخيرة على نظيره الأمريكي، مكتفيًا بالإشارة للسفير الأمريكي في أنقرة. إلا أن المختص بالشأن التركي سونر كاجباتاي، توقع أن "تزداد الأمور سوءًا"، مضيفًا: "هناك افتقار شديد إلى الثقة في العلاقات الثنائية، وخاصة من ناحية تركيا" بحسب ما نقلت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.

هل من الممكن أن تعود المياه لمجاريها؟

وحتى ما قبل إعلان واشنطن تزويد قسد بأسلحة متطورة لقتال داعش في الرقة، كانت أنقرة تهيئ مقاتلي المعارضة السورية الذين تقدم لهم الدعم، لبدء العملية العسكرية، غير أن قرار واشنطن جعل أنقرة تشعر بتعرضها لـ"الخيانة"، إذ يُرجع موقع "ميدل إيست آي" تصاعد الخلاف الحالي بين البلدين لـ"توترات سابقة غير معالجة".

اقرأ/ي أيضًا: "قسد" قاب قوسين أو أدنى من الرقة.. وترامب بين نيران الفضائح وغضب تركيا

وشكل إعلان أردوغان في وقت سابق، تسديد بلاده الدفعة الأولى من صفقة شراء منظومة الصواريخ الروسية "إس 400" مفاجئة لواشنطن التي بدأت تشعر بخطورة الانسحاب التدريجي لأنقرة من الحلف الغربي، وإظهارها ميلًا لإنشاء حلف جديد مع موسكو. وبدا انزعاج واشنطن واضحًا بعد أن عبر الناطق باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) جيف ديفيس، عن قلق بلاده بخصوص شراء المنظومة الروسية المضادة للطيران.

وتعقيبًا على الأزمة، قال أحمد قاسم هان، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "قادر هاس" بإسطنبول، إن "جميع الاحتمالات مفتوحة"، موضحًا: "يمكن أن تتحسن الأمور أو يخرج كل شيء عن السيطرة".

ولا يمكن إغفال أن واشنطن تستخدم قاعدة إنجرليك الجوية جنوب تركيا في عملياتها الجوية ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق، الأمر الذي قد يبقي على خطوط مفتوحة لتجنيب البلدين تصعيد الخلاف الدبلوماسي بينهما، غير أن ذلك يتطلب من واشنطن أن تظهر انفتاحًا حيال الملفات العالقة مع أنقرة، ويأتي في مقدمتها إيقاف الدعم للقوات الكردية في سوريا.

ولعل اللقاءين اللذين جمعا بين أردوغان ونظيريه الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني، بالتوازي مع الزيارة التي أجراها العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز لموسكو، تسببا في انزعاجٍ داخل أروقة الإدارة الأمريكية، التي بدأت تستشعر بشكل فعلي تراجع نفوذها في الشرق الأوسط مقابل صعود موسكو لتكون قوة عظمى في المنطقة، وهو ما سبق وأشارت إليه عدة تقارير صحفية أجنبية.

وقد يكون للدور السلبي الذي لعبه ترامب بعد قمة الرياض في أيار/مايو الماضي، في الحصار المفروض على قطر، على خلاف الموقف الرسمي للإدارة الأمريكية، تحديدًا وزارة الخارجية والبنتاغون؛ علاقة في الأزمة الحالية بين واشنطن وأنقرة، كون الدوحة حليف استراتيجي لأنقرة في المنقطة، وزعزعة استقرارها يهدد تحالفهما الإقليمي في الشرق الأوسط.

إلا أن ما فاقم من حدة التوتر بين البلدين، هو ظهور تقارير تشير استلام القوات الكردية في سوريا لما يقرب ألفي شحنة سلاح من واشنطن، وعدم التزامها في الوقت نفسه بانسحاب المقاتلين الأكراد من غرب نهر الفرات. ويقول خبراء إن الاتفاق الذي جرى في اجتماعات أستانا بين أنقرة وطهران وموسكو، والمرتبط بإنشاء منطقة خفض توتر في محافظة إدلب شمال سوريا؛ ساهم بإفشال مخطط أمريكي للتدخل بالمحافظة عن طريق الوحدات الكردية.

التوتر المتصاعد بين تركيا وأمريكا قد ينذر بزعزعة التحالف بينهما، واتجاه تركيا لإنشاء تحالف جديد يمنحها دورها الذي تستحقه

وبالنظر لما ذُكر سابقًا، فإن التوتر الذي لم يسبق أن شهدته أنقرة وواشنطن منذ سنوات طويلة، يمكن له زعزعة التحالف، وقد يكون فاتحة لتجميد العلاقات الدبلوماسية بينهما لفترة غير محددة، خاصة مع خلاف أنقرة والاتحاد الأوروبي، ما يعني إمكانية اتجاه تركيا لإنشاء تحالف جديد بمعزل عن التحالف التقليدي في المشهد السياسي الدولي، وينبئ في حال استمرار الخلاف، بصعود تحالف دولي جديد يمنح أنقرة دورها كدولة لها نفوذها السياسي على الساحة الدولية بعد أن خذلتها واشنطن في الملف السوري.

 

اقرأ/ي أيضًا:

في أعقاب الانقلاب.. شرخ كبير بين تركيا وأمريكا

الاختلاف بين تركيا وأمريكا في الشمال السوري