03-أغسطس-2016

جنود أتراك في ميدان تقسيم باسطنبول خلال محاولة الانقلاب العسكري (Getty)

في 31 آذار/مارس 2016 أي قبل ثلاثة أشهر ونصف أصدر الجيش التركي بيانًا غريبًا من نوعه، نفى فيه "بشكل قطعي أي نية له بتنفيذ انقلاب للإطاحة برئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان". وقالت هيئة أركان الجيش في بيانها إن "الانضباط والطاعة غير المشروطة ووجود خط قيادي واحد، هو أساس القوات المسلحة التركية ولا يمكن الحديث عن خطوة غير شرعية تأتي من خارج هيكلية القيادة أو تعرضها إلى الخطر".

قبل الانقلاب التركي بشهور، نشر مسؤول عسكري سابق في البنتاجون، مقالًا عن احتمالية قيام الجيش التركي بانقلاب عسكري للإطاحة بأردوغان

لم يقدم الجيش التركي حينها أي مقدمات لتفسير أسباب نشر بيانه هذا، لكن بدا جليًا أن مقالا استشرافيًا نشره المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" -هو مايكل روبن- في مركز "أميركان انتربرايز انستيتيوت" ثم أعادت نشره مجلة نيوزويك الأمريكية نشر البيان قبل الانقلاب بأيام، أثار هواجس وتحفظات أقلقت نظام أردوغان وأجبرت الجيش التركي ثاني أقوى جيش في حلف شمال الأطلسي بعد الجيش الأمريكي على إصدار بيان يقلل فيه من حجم توقعات المسؤول العسكري الأمريكي التي نشرها في مقال عنوانه "هل سيكون هناك انقلاب ضد أردوغان في تركيا؟ ".

جاء المقال وكأن روبن لا يقدم توقعات بقدر ما يقترح خطة للانقلاب يقوم بها الجيش التركي "تحاكي النموذج المصري" الذي قام به عبد الفتاح السيسي في مصر.

اقرأ/ي أيضًا: ترامب وبوتين..أكثر من مجرد إعجاب

أردوغان كان يخاف أن يختطف

يتحدث مايكل روبن في سطور المقال الأولى عن "جنون العظمة" الذي يتنامى في شخصية الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان ومساعيه الحثيثة للتفرد بحكم البلاد وينتقل إلى ملفات فساد مقربين من أردوغان إضافة لتشديد قبضته عبر التخلص من معارضيه وإسكات الصحافيين المناوئين له بالسجن وإغلاق الصحف والمواقع المعارضة له، إضافة إلى تهديداته بـ"حل المحكمة الدستورية"، ويزيد الكاتب أن أردوغان وكي يحمي نفسه من انتقام معارضيه، وفقا لبعض المسؤولين الأتراك، يسعى لتثبيت صواريخ مضادة للطائرات في قصره لمنع أي عملية إنزال جوي لاختطافه والسيطرة على قصره.

يقول روبن: سعى أردوغان منذ وقت طويل لتركيع الجيش التركي، وخلال العقد الأول من حكمه هلل له كل من الحكومتين الأمريكية والأوروبية، ولكن ذلك كان حتى قبل إدراك أشد المدافعين المتحمسين الأجانب لعمق انحداره إلى الجنون و"الدكتاتورية" للانفراد في الحكم.

في مقاله قبل الانقلاب التركي بشهور، أشار مسؤول عسكري أمريكي سابق، إلى أن أي محاولة للانقلاب في تركيا يجب أن تحاكي انقلاب السيسي في مصر

اقرأ/ي أيضًا: الجولاني ينفصل عن القاعدة، إلى أين؟

محاكاة انقلاب السيسي ضمان النجاح

ولضمان نجاح انقلاب الجيش التركي على أردوغان، يشير مايكل روبن، إلى أنه يجب أن يكون محاكيًا لانقلاب الجيش المصري بقيادة السيسي على محمد مرسي وأن يتم بتعاون حقيقي مع الأكراد، يقول روبن: "أنا لا أعطي تنبؤات، ولكن في المقابل لن يتفاجأ أحد من رؤية الصخرة السياسية التركية تتصدع وتتهشم بسرعة، نظرًا لتزايد الخلافات في الداخل التركي ولعدم احتمالية تعرض الجيش التركي لعواقب وخيمة وخطيرة في حال قرر محاكاة لعبة عبد الفتاح السيسي في مصر" عندها، يضيف روبن، "لن يحصل أردوغان على التعاطف الذي حصل عليه محمد مرسي عندما تمت الاطاحة به، لأن التزام مرسي بالديمقراطية كان حينها لا يزال مثار جدل".

كما أن "عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي لن تحميها من الانقلاب ولن تكون رادعًا على مثل هذا العمل، فلا تركيا ولا اليونان قد فقدت عضويتها في الحلف بعد الانقلابات السابقة، وفي حال قامت القيادة التركية الجديدة بتعاون حقيقي مع الأكراد فإن الأكراد قد ينضمون إلى القيادة".

أمريكا ستعمل مع الانقلابيين وتعارضهم شفهيًا

المقدمات، التي يستعرضها المسؤول العسكري السابق في البنتاغون الأمريكي ستكون بمثابة مبررات لـ" قيام الجيش التركي بانقلاب للإطاحة بأردوغان و"وضع حاشيته وراء القضبان"، ولكنه يتساءل هل يمكن أن يمر فعل كهذا دون أن ينجوا بفعلتهم تلك؟

يجيب روبن عن هذا السؤال وكأن الانقلاب سيكون ناجحًا، قائلا: "الولايات المتحدة لن تمانع بحدوث مثل هذا الانقلاب ولأن الأمر يتعلق بالرجل التركي القوي فإن هذا النقاش سيكون محل جدل فـ"إدارة أوباما" لن ترغب في أكثر من توبيخ قادة أي انقلاب، خصوصًا إذا وضع قادة الانقلاب فورًا مسارًا واضحًا لاستعادة الديمقراطية. كما أنه لا قادة الحزبين الجمهوري ولا الديمقراطي اللذان يسعيان لرئاسة الولايات المتحدة سيكون من شأنهم تضييع هيبة الولايات المتحدة من أجل العودة إلى الوضع السابق في تركيا (من عهد أردوغان). أي أن الولايات المتحدة قد تقدم خدمة شفهية ضد الانقلاب، لكنها ستعمل مع النظام الجديد".

ويمكن لقادة الانقلاب أن يخطبوا ود منظمات حقوق الإنسان الأوروبية والأمريكية والمجتمع المدني والصحفيين من خلال تحرير الصحافة والأكاديميات وإعادة الصحف المصادرة ومحطات التلفزة، التي أغلقها أردوغان، لأصحابها الشرعيين.

إعدام لأردوغان أم سجنه؟

يقول المسؤول الأمريكي السابق في البنتاغون: "لن يتعاطف الرأي العام الأوروبي أو الأمريكي مع إعدام أردوغان أو ابنه أو صهره أو مساعديه الشخصيين الرئيسيين مثل إيغمن باجيس وكونيد زابسو ولكنه سيقبل بمحاكمتهم بتهم مثل الفساد وبسجنهم لمدة طويلة".

سيأمل أردوغان من أصدقائه الوقوف في صفه، كما يتوقع مايكل روبن عقب نجاح الانقلاب، "لكن معظم أصدقائه المعجبين بقوته سواء في داخل تركيا أو خارجها سيتخلون عنه حالما سيكون خارج قصره. وقد يجد نفسه وحيدًا جدًا واهنًا ومشوشًا كما حدث مع صدام حسين في محاكمته".

وهكذا يبدو أخيرًا، أن السيناريو المثالي لنهاية "أردوغان"، على الأقل من وجهة نظر مايكل روبن، كان قد كُتب قبل حدوث الانقلاب بشهور، وكان هناك الكثيرون ينتظرون تحققه كضرورة حتمية، إلا أن القدر كان له رأي آخر.

اقرأ/ي أيضًا: 

النازحون في العراق..مخيمات الموت المهملة

2016..النظرية التي تفسر عامًا سيئًا للغاية