22-أغسطس-2017

تلاميذ في إحدى مدارس عين العرب كوباني (ميكاليس كاراجيانيس/أ.ف.ب)

اعتمدت ما يعرف بالإدارة الذاتية اللغة الكردية لغة رسمية للمناطق التي تبسط وحدات حماية الشعب الكردية (ب ي د) سيطرتها عليها في شمال سوريا وشمالها الشرقي في طريق مجموعة تغييرات في قطاع التعليم.

اعتمدت ما يعرف بالإدارة الذاتية اللغة الكردية لغة رسمية في التعليم في مناطق سيطرتها، كخطوة انفصالية أخرى

وتأتي هذه التغييرات في ظل السعي الحثيث لهذه الإدارة للانفصال كلياً عن سوريا رغم التصريحات التي تصدر عن معظم مسؤوليها بالنفي، ولكنها على أرض الواقع تسعى لذلك بالرغم من معارضة كبيرة في صفوف الشريحة المثقفة والسياسية التي تدرك مخاطر هذه الخطوة.

التغييرات في المناهج طالت المرحلتين البتدائية والإعدادية فقط، وأعقبها خطوة أخرى بإغلاق معاهد التعليم الخاص مبررة ذلك بابتعاد العملية التعليمية فيها عن وظيفتها التربوية والتعليمية.

وكانت هيئة التربية في الإدارة الذاتية قد هددت المعلمين الرسميين الذين كانوا يدرسون في المدارس الحكومية السورية وفق مناهج وزارة التربية السورية بأنهم لن يستطيعوا التدريس في مدارس الإدارة الذاتية كونهم لم يلتحقوا بدورات تعليم المنهاج الجديد، الذي استبدل بمنهاج تدرب عليه معلمون ويشمل الكرد والسريان والأشوريين.

هذه الخطوة بالرغم من خطورتها إلا أنها بدت ممكنة بالنسبة للإدارة التي تعهدت أيضاً بدفع رواتب المدرسين التي يدفعها النظام السوري، وهي تنطبق على كافة مناطق سيطرتها في القامشلي والدرباسية والحسكة وعفرين، وأما بالنسبة للمناطق الأخرى التي لا تزال تحت سيطرة النظام فمتروكة لحين تسوية قادمة رغم اتهامات لهذه الإدارة بالتنسيق مع النظام في قضايا أمنية وعسكرية.

اقرأ/ي أيضًا: في سوريا.. المدرسة في معركة السياسة والقتل

مخاطر التكريد

العديد من الطلاب الكرد لا يتقنون اللغة الكردية جيدًا، فمثل اعتمادها في التدريس معاناة للطلاب وأنتج مصاعب تعليمية

تكريد التعليم بهذه الطريقة القاسية عانى من تبعاته الطلاب العرب والأكراد، ويرى ذوو الطلاب الأكراد أن هناك نسبة كبيرة من الطلبة لا يجيدون اللغة الكردية، وأن تطبيقها يحتاج وقتاً طويلاً وآلية مختلفة.

المجلس الوطني الكُردي وأنصاره اعترضوا على هذه الخطوة، ونظم المجلس عدة مظاهراتٍ رافضة للمنهاج المفروض من قبل الإدارة الذاتية خصوصاً في المالكية (ديريك). العرب بدورهم يرون أن القرارات كارثية فهم ليسوا أقلية في مناطق النفوذ الكردي، وهذا تطبيق عنصري بحق أبنائهم، وكانت المعاهد العربية منجاة لهم إلا أن قرارات إغلاقها تعد حرباً عليهم.

القرارات التي تفرض على مراحل أولى لا تمس المرحلة الثانوية بعد، التي تعود الدراسة فيها باللغة العربية، وهذا ما قد يشكل شروخاً كبيرة في العملية التعليمية وينعكس سلباً على الطلاب. أما حال المدرسين فليس بالأفضل فهم يتقاضون رواتب تعتبر قليلة من النظام، والإدارة لن تدفع لهم أكثر من ذلك كي تعوضهم عن قرار إغلاق المعاهد التي كانت تدر لهم دخلاً جيداً.

صراع سياسي

الصراع في العملية التعليمية ليس إلا جزءًا من الصراع السياسي القائم في تلك المنطقة من سوريا، فالأكراد الذين عانوا من تهميش الدولة السورية مثلهم مثل كل المناطق النائية فيها يريدون اليوم أن ينتصروا في معركة واحدة في طريقهم إلى الحلم الكردي الذي باتوا يعلنونه بعد أن صمتوا عن إعلانه عقوداً.

(ع.ن) أحد إعلاميي (ب ي د) يقول: "هذا من حقنا، ونحن فرضت علينا اللغة العربية في تعليم أبنائنا، وككل السوريين تعلمنا دروس القومية العربية، وفي بيوتنا كنا نعلم أبناءنا تاريخ قوميتنا المسلوبة، وأننا أصحاب هذه الأرض، واليوم بعد انتصاراتنا على الإرهابيين وسيطرتنا على مناطقنا من حقنا تعليم أبنائنا بلغتنا وتاريخنا".

لكن هذه الرؤية القاصرة تصطدم بمعوقات فنية وتقنية وتتجلى في عدم وضوح الرؤية فليس تغيير أسماء المدارس ووضع مناهج كردية بشكل سريع هو الذي يصنع عملية تربوية ناضجة.

العلاقة مع مؤسسات النظام في المركز لم تنقطع لتاريخه، بما فيها رواتب المعلمين وطريقة أداء الوظيفة وتراتبيتها لكن بالمقابل تحاول الإدارة الذاتية خلق مؤسسات وأدوار موازية وهذا ما يربك تلك المؤسسات خصوصاً في مناطق مهملة لم تدخلها الجامعات حتى مراحل متأخرة حوالي 2006 وفي مناطق عربية كدير الزور أولاً ثم الرقة فالحسكة.

أما بالنسبة للثانوية فالنظام كان يسعى إلى أن تكون المراكز الامتحانية وتمركز الثانويات في المدن، وهي، أي الثانويات، تعاني من تردي حالة الأبنية وعدم توفر الكادر التدريسي وأهليته، وهذا ما جعل من تلك المدن الصغيرة والقرى مجرد خطوة تعليمية صغيرة لا تتعدى المرحلة الإعدادية، وهذا ما سيعسر من استنهاض الدور الموازي الكردي سريعًا.

اقرأ/ي أيضًا:  التعليم باللغة الكردية

السياسة أولًا

مفردات العملية التعليمية غير المنتظمة جعلت من السياسة وصراعاتها عاملًا أولًا في أولويات فصلها عن المنهاج السوري، ومن هنا كان هذا الخلط في الأولويات عامل إضعاف وليس عامل نجاح.

العديد من مناطق سيطرة الإدارة الذاتية تضم خليطًا عربيًا كرديًا آشوريًا سريانيًا مما يزيد من تشعب العملية التعليمية وصعوباتها

أول تلك الأولويات الكردية هي استحضار مقولات عبدالله أوجلان إذ أوصى المؤتمر الثاني لمؤسسة اللغة الكردية «SZK» الذي عقد في مدينة عفرين بتاريخ 18 كانون الأول/ ديسمبر 2015 على ضرورة "ترسيخ النظام التعليمي وفق مبادئ الأمة الديمقراطية استنادًا إلى فلسفة قائد الشعب الكردي عبدالله أوجلان".

مناطق السيطرة التي تتبع للإدارة الذاتية مبعثرة، وتتركز في مناطق الكثافات السكانية مثل عفرين وعين العرب فيما بقية المناطق هي خليط عربي كردي آشوري سرياني وهذا يعني صعوبات جديدة في عملية التعميم، وبالتالي عملية تربوية متشعبة الأدوار والمناهج، أضف إلى ذلك عدم القدرة على تأمين مستلزمات الدراسة، وعدم وجود من يعترف بشهاداتها.

في الحسكة المحافظة المتنوعة والذي لا يزال النظام حاضراً في كثير من مؤسساتها ومنها التربوية فيبدو الأمر أميل إلى كفة النظام في المناهج أولاً، وفي الكادر التدريسي المتخصص والمتمكن والذي لا تزال رواتبه قائمة، وفي منح الشهادات لما لها من قوة قانونية.

في المنهاج الكردي

يشتمل المنهاج الكردي على كم غير قليل من الأخطاء والنواقص والهفوات وهو بحاجة مؤكدة للتنقيح ناهيك عن صبغته الأيديولوجية الفاقعة

الباحث الكردي إبراهيم خليل يرى أن المنهاج الكردي: "يشتمل على كم غير قليل من الأخطاء والنواقص والهفوات وهو بحاجة مؤكدة للتنقيح ناهيك عن صبغته الأيديولوجية الفاقعة، وعدم نيله الاعتراف الوطني أو الدولي، ناهيك عن المصاعب والعراقيل التي تقف في طريقه مثل إعداد البنية الفوقية (الكادر التدريسي المؤهل والخطة المستقبلية للمراحل التعليمية اللاحقة من إعدادية وثانوية وجامعية) وإعداد البنية التحتية (الأبنية المدرسية المؤثثة وسائر مستلزماتها التعليمية والإدارية)".

لكنه بنفس الوقت يستدرك مؤكداً أن ما يجري هو أمر واقع: "إن رفض المنهاج الكردي ونعته بالهش والمؤدلج لن يدفع (الآبوجيين) إلى إعلان التوبة والاعتذار وسحب المناهج من المدارس بعد كل هذه التكاليف المادية والمعنوية التي تكبدوها".

ثم يوجه كلامه إلى منتقدي المنهاج: "إن مستقبل أطفال الكرد ليس ميداناً للصراع والمناكفات الحزبية والسياسية، والعبث ببناء مقدس كالمدرسة يشبه اللعب بالنار بين بئر بترول وحقل قطن.. إن من يرفض هذا المنهاج جملة وتفصيلاً، عليه الإتيان بالبديل أو الكف عن النقد لمجرد النقد لأن ذلك يفتح بابًا واحدًا هو باب المهاترات ولا يفضي إلا إلى الخلف والأسفل".

ويستمر الصراع

الأكراد اليوم خصوصاً في الإدارة الذاتية، وجناحها العسكري (قسد) قوات سورية الديمقراطية مزهوون بالدعم الأمريكي الروسي، ومنضوون تحت سقف التحالف لمحاربة الإرهاب، ومستفيدون من تمزق الداخل السوري، وبالتالي يرون أن حلمهم على الأرض بات أكثر إمكانية للتحقق.

بالمقابل هذه الخطوة تبدو في نفس الوقت غير مأمونة الجانب، فالأكراد أكثر من سواهم يدركون أنهم جزء من المحيط الذي انقلبوا عليه، وأن الأمريكان والروس قد يخذلونهم في أي وقت.. ولهم تجاربهم في دويلات لم تصمد أيامًا، لذلك قد يكون الأفضل صيغة غير عدائية تأخذ مصالح جميع المكونات دون تمييز أو إقصاء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عودة الطلاب السوريين في تركيا: تطورات ومخاوف

أبرز التحديات التي تواجه الطلبة اللاجئين في أوروبا