21-نوفمبر-2019

استمرت الاحتجاجات في لبنان مع إنجازات أوسع (Getty)

بعد مرور الشهر الأول على اندلاع الانتفاضة في لبنان، واستمرار المظاهرات في الشارع والساحات حتى اليوم  الخميس، كان الثوار على موعد مع إنجازات جديدة لحراكهم خلال الأيام الماضية، فبعد نجاحهم في إسقاط حكومة سعد الحريري استطاع الحراك اقتناص مقعد نقيب المحامين من فم أحزاب السُلطة، ثم منع مجلس النواب من الانعقاد للمرة الثانية على التوالي، ورغم العنف الذي شهدته الأيام الماضية فإن مجمل الأحداث يُشير إلى تفوق الحراك على السلطة في موازين القوة.

لم تكن انتخابات نقابة المُحامين حدثًا عاديًا كباقي انتخابات النقابة السابقة، ولكن الأنظار تعلقّت بها لعدة أسباب أولها أنها معركة الصناديق الأولى في وجه السُلطة، وثانيًا للدور المُخيب للآمال الذي لعبته النقابة 

معارك الاحتجاجات الرابحة

لم تكن انتخابات نقابة المُحامين حدثًا عاديًا كباقي انتخابات النقابة السابقة، ولكن الأنظار تعلقّت بها لعدة أسباب أولها أنها معركة الصناديق الأولى في وجه السُلطة، وثانيًا للدور المُخيب للآمال الذي لعبته النقابة لمساندة الحراك قُبيل الانتخابات، فقبل عدة أيام من الانتخابات أصدر نقيب المُحامين السابق، أندريه الشدياق، قرارًا باسترداد المُحامين الذين كلفتهم النقابة بالدفاع عن المتظاهرين الذين تم توقيفهم على خلفية التظاهر واقتحام استراحة صور، وهو القرار الذي برره النقيب بأنه جاء "بعد استطلاع رأي لجنة المعونة القضائية في النقابة"، تلك اللجنة نفسها التي أوصت بانتداب المحامين الـ19 للدفاع عن المتظاهرين قبل يوم واحد من التراجع عنه، وهو ما رأى فيه الكثيرون بأنه قرار جاء بعد ضغوط سياسية.

اقرأ/ي أيضًا: نقيب من خارج "الاستابلشمنت": المحامون اللبنانيون يكسرون "عظم" السُطلة

بالإضافة إلى الحادثة السابقة، فقد جعل الدعم المُعلن من غالبية أحزاب السُلطة للمترشح لمقعد النقيب ناضر كسبار في مواجهة المستقل ملحم خلف، المعركة تأخذ شكلًا أبعد من مجرد انتخابات نقابية لتكون أول نزال انتخابي بين الحراك والسلطة، ليكتسح المحامي وأستاذ العلوم السياسية ونائب رئيس لجنة القضاء على التمييز العنصري في الأمم المتحدة، ملحم خلف، المعركة بنتيجة غير مسبوقة بلغت 2341 صوتًا مقابل 1523 لمنافسه، ولم يكد يمضي الأسبوع الأول على فوزه بالمقعد حتى علت أرصدته في الساحات والميادين بعد اكتساحه الثاني في الاختبار العملي له كنقيب بعد توقيف عدد من المتظاهرين في ساحة رياض الصُلح لينطلق بنفسه إلى ثكنة الحلو، مكان توقيف الشباب، للدفاع عنه والمطالبة بإخلاء سبيلهم غير منتظر لتشكيل لجنة أو انتداب مُحامين.

المعركة الثانية التي خاضها الحراك كانت أكثر عنفًا وصدامًا، وهي معركة منع انعقاد الجلسة التشريعية بمجلس النواب اعتراضًا على جدول أعمالها غير المقبول من الحراك وكذلك اعتراضًا على تأخر المشاورات النيابية لتشكيل الحكومة، والتي يراها المُحتجون الأولوية للمجلس قبل أي شيء آخر.

ومنذ ليل الإثنين الماضي، بات المتظاهرون ليلتهم على مداخل الطرق المؤدية لمبنى مجلس النواب استعدادًا لتنفيذ قرار الحراك بمنع انعقاد الجلسة التي كان قد تم تأجيلها من الأسبوع السابق، وبدأت أحداث المعركة من ساعات صباح يوم الثلاثاء، حيث لم يسمح المتظاهرون لمواكب النواب بالمرور والدخول إلى مبنى المجلس، وهو ما أدى إلى وقوع عدة اشتباكات بين المتظاهرين ومرافقي وحُراس بعض النواب، كان منهم موكب النائب ووزير المالية في حكومة تصريف الأعمال، علي حسن خليل، الذي أطلق حُراسه النار في الهواء لتفريق المُحتجين الذين تجمعوا حول السيارات، أعقبه دهس أحد المتظاهرين بإحدى سيارات الموكب، ليتبين لاحقًا ان الوزير نفسه لم يكن موجودًا بموكبه وإنما بات ليلته داخل مبنى المجلس مع بعض النواب الآخرين.

 

موكب آخر كان أكثر طرافة وأقل عنفًا من سابقه، وهو موكب النائب علي عمار، عضو كتلة الوفاء للمقاومة، والذي انتشرت صوره وهو يستقل دراجة نارية "موتوسيكل" خلف أحد الشبان للوصول إلى مجلس النواب، وهو ما أثار سخرية العشرات من الناس على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنه فشل أيضًا في الوصول إلى مبنى المجلس ليُقرر الانضمام إلى المتظاهرين وترديد الهتافات معهم وهو ما أثار إعجاب البعض بينما سخر البعض الآخر منه.

 

ولم تكد تمر فرحة المتظاهرين بانتصارهم بمنع انعقاد الجلسة وتمرير قوانين مرفوضة داخل الحراك مثل قانون العفو حتى حصل صدام بين المتظاهرين وقوات الأمن داخل ساحة رياض الصُلح، تلك التي بدأت وفق شهود عيان بدخول بعض الشباب غير المعروفين داخل الحراك وقاموا بإلقاء زجاجات مياه بلاستيكية فارغة على قوات الأمن المتواجدة في الساحة ثم لاذوا بالفرار سريعًا، وهو ما أعقبه هجوم من تلك القوات على المعتصمين في الساحة أدى إلى إصابة عدد منهم وتكسير بعض الخيام والقبض على 12 شابًا من المتواجدين في الساحة.

وبعد ساعات من حدوث الاشتباكات تداول النشطاء صورة لنقيب المحامين الجديد وهو داخل ثكنة الحلو مُطالبًا بإخلاء سبيل الشباب، وهو ما استحسنه المحتجون مثنيين على النقيب الجديد مقارنين موقفه بموقف سلفه الذي سحب المحامين من الدفاع عن متظاهري صور، وقد تم إخلاء سبيل الشباب جميعهم بالفعل يوم أمس الأربعاء.

إنجازات رمزية أيضًا

وتقول رنا حايك، إحدى المتظاهرات الدائمات بساحة الشهداء، في حديث مع "ألترا صوت"، إن هناك نوعين من الإنجازات حققتها الثورة حتى الآن، إنجازات معنوية وإنجازات مادية وسياسية تحققت على الأرض مثل فوز نقيب المحامين المستقل بوجه مرشح السلطة وتعطيل جلسات مجلس النواب، ونظام "الباركميتر" المسؤول عن تحصيل رسوم ركن السيارات في الشوارع، والذي فُضح فساده وتم إلغاؤه فعليًا، وكذلك رسوم الهاتف الخلوي التي أصبحت بالليرة اللبنانية وليس الدولار.

تُكمل حايك قائلة إن "الإنجازات المعنوية وهي برأيي أهم وأكبر كان منها فضح هشاشة وتفاهات تحالفات السلطة، وقد اتضح ذلك خلال مأزق تشكيل الحكومة، والذي سببه الرئيسي الصدام بين القوى السياسية الحليفة الناتج عن توحد واتحاد الناس بالشوارع، الذي كشف الغطاء عن هشاشة تلك القوى وهشاشة روابطها، وأهم ما في الحراك هي اللحمة الوطنية ونزع الحواجز الطائفية والطبقات الاجتماعية، وهو الفريد والمتميز في هذا الحراك عن باقي الانتفاضات السابقة".

اقرأ/ي أيضًا: أحد الوحدة.. الانتفاضة اللبنانية تستعيد مشهديتها

 وتضيف أن "ما كانت السلطة تلعب به دائمًا وهو التخويف من الطائفية التي يمكن أن تؤدي إلى حرب أهلية، ولكن الشعب كسر تلك الحواجز وأسقط أوهام زرعتها السلطة في مُخيلة الناس، كما أن عبقرية الحراك في فرز وكشف الأشخاص والاندفاع نحو مطالبها دون قيادة ولا تنظيم ولا توجيه سياسي وتحصين نفسها من تسلق أحزاب الداخل أو تدخلات القوى الخارجية، كما أصبح رجل الشارع العادي يعرف ويتكلم في حقوقه الدستورية والقانونية وقدرته كفرد على التغيير".

مع دخول الحراك في لبنان يومه الرابع والثلاثين لا يزال تشكيل الحكومة متوقفًا ولم تتم المشاورات النيابية المُلزمة

ومع دخول الحراك يومه الرابع والثلاثين لا يزال تشكيل الحكومة متوقفًا ولم تتم المشاورات النيابية المُلزمة. ومع استبعاد اسم محمد الصفدي من رئاسة الحكومة بعد رفضه من الشارع لم تستقر القوى السياسية على اسم آخر. وقال إيلي الفرزلي، نائب رئيس مجلس النواب في مؤتمره الصحفي ظهر أمس الأربعاء إن هناك تمسكًا برئيس حكومة تصريف الأعمال، سعد الحريري، لدواعي احترام المكونات السياسية في لبنان، وإن أي اسم آخر سيكون بإرادته، ومع تمسك الحراك بمطالبه المُحقة والعادلة.