31-أكتوبر-2015

ريهام سعيد (النهار)

كانت حلقة ريهام سعيد من برنامجها "صبايا الخير" ستمضي بسهولة، بعدما استضافت الفتاة التي تعرضت للتحرش ثم للضرب داخل أحد المولات، لولا أنها بعدما أنهت حوارها مع الفتاة، والذي قضت أغلب وقته في معاتبة الفتاة على ملابسها وربط ذلك بحدوث تحرش لها، أعلنت أنها بعدما انتهت من التصوير مع الفتاة، وبحاستها السادسة، وذكائها المتقد، أدركت أن الفتاة تخفي شيئًا، قبل أن تعلن أن صورًا للفتاة قد وصلتها، وأن هذه الصور تفسر الكثير، ثم قامت بعرض صور خاصة للفتاة، وهي تطلب من المخرج_بتصنع سمج_أن ينهي عرض الصور بسرعة.

يبدو أن تعثر الثورة ومآلها الحالي القاسي، قد ولد ما يشبه فوبيا الأمل

يبدو الشيء الأكثر إثارة للاندهاش من القسوة الممزوجة بتذاكي الأغبياء، أن تلك القسوة تم توجيهها لفتاة مجردة تمامًا عن كل ما يمكنه أن يستفز أحد، بنت عادية تمامًا وتواجه فردًا متحرشًا بلا سلطة سوى ذكوريته، ليس مسئولًا أمنيًا كبيرًا ولا رمزًا لأي شيء، سوى التحرش ذاته، لكي تجد إحداهن سببًا للدفاع عنه، لكن تتبرع ريهام سعيد بتمزيق الفتاة فقط للمتعة ولجذب المشاهدين وللعب على غرائز جمهورها الذي يجمع بين المحافظة الاخلاقية الرجعية وبين التلذذ بانتهاك الآخرين، يلتقط الكرة إعلامي آخر هو وائل الابراشي -الذي كان أول من استضاف الفتاة- يحاول إشعال الموضوع أكثر، يستضيف البنت، ويخضعها لتحقيق ثان، ويكرر بداع وبدون داع طوال حواره، كلمات وجمل مثل "لو تم اغتصابها"، "لو هي سيئة السمعة"، "هل ندعو الناس لاغتصاب كل سيدة من هذا النوع" ليلعب على نفس النغمة، الانتصار للنزعة المحافظة، مع تلبية رغبتها العميقة في انتهاك الضعفاء.

 وبين كل فقرة وأخرى -في كل من البرنامجين- كانت جملة  لتبرئة للذات مثل "كلنا بالتأكيد رافضين اللي حصل" تقال من حين لآخر ببرود ويتم اتخاذها جسرًا بين فقرتين كلتيهما لا يتم الحديث فيها سوى عن ملابس الفتاة وعلاقة ذلك بالتحرش. على الجانب الآخر يبدأ العديد من الإعلاميين القريبين من السلطة، بالهجوم على ريهام سعيد، ومساندة الفتاة، ويجتاح الانترنت حالة من الغضب بسبب عرض ريهام لصور الفتاة الخاصة، لكن ذلك لا يؤثر في موقف ريهام التي تظهر لتتحدى كل هذا الغضب، وتعلن أنها لم تسرق الصور من هاتف الفتاة -وكأن ذلك يجعل جريمة التلصص وانتهاك للخصوصية- وزادت على ذلك أن هددت الفتاة مباشرة وبوضوح "انتي لو عارفه، أنا معايا ايه، وشفت ايه، وعرفت ايه، ماكنتيش تجرؤي تتكلمي في التليفزيون". حتى بالنسبة لمن سلموا منذ زمان بلا أخلاقية القناة والمذيعة، كانت تلك الوقاحة الممارسة على مواطنة عادية تمامًا أتت لتطلب المساعدة، أمرا مفاجئًا ومثيرًا للغضب. كل هذا قبل أن يتخذ الموضوع، منحنًا آخر أكثر سرعة.

اقرأ\ي أيضًا: الإعلام المصري ضد الفلسطينيين لا معهم

الإثارة

تبدأ دعوات لإيقاف البرنامج، لكن الجميع يعلم أن القناة لن تقوم بإيقافه لنسب مشاهداته العالية، خصوصًا أن البرنامج تعرض كثيرًا لحملات غضب سابقة، أشهرها حين تعاملت المذيعة باحتقار مع لاجئين سوريين، أدى ذلك تطور الأفكار لمقاطعة الشركات المعلنة خلال البرنامج، للضغط على القناة،  تجتذب الحملة بسرعة عشرات الآلاف في أقل من يوم، يدشن المدون وائل عباس هاشتاج #موتي_يا_ريهام، ينتشر بسرعة، يزداد زخم الحملة، ويأتي أول انتصار لها بإعلان شركة "ألو إيفا" بوقف رعايتها للبرنامج.

في هذه اللحظة يدخل الإعلامي باسم يوسف بحماسة على الخط، ويعلن أنه سيحيي على حسابه، ذي الخمسة ملايين متابع، كل شركة تقوم بوقف رعايتها للبرنامج. المزيد من الإثارة كان في الطريق، فمشهد انسحاب الشركات الراعية  كان دراميًا، للدرجة التي تجعل الشك في كونه تم الاتفاق عليه بينهم، مبررًا. أعلنت كل شركة راعية أو معلنة داخل البرنامج، انسحابها بشكل منفرد وبعد وقت مناسب من الشركة التي سبقتها، ليفرح الناس مع كل انسحاب، لينتهي الامر بانسحاب كل الشركات المعلنة تقريبًا. في محاولة لتدارك الامر، تعلن القناة أن الإعلامي خالد صلاح سيستضيف ريهام سعيد في حلقة خاصة يوم الجمعة لتوضيح موقفها مما حدث، ما ولد بدوره موجة أخرى للشعور بأن ذلك سيأتي في إطار سيناريو يتم وضعه لاستدرار تعاطف المشاهدين ثم عودتها مرة أخرى، وأعلن أغلب المشاركين -وفي مقدمتهم باسم يوسف نفسه- في حملة المقاطعة الأولى، أنهم سيكثفون حملتهم، لو وضعت الشركات التي أعلنت انسحابها، إعلاناتها مرة أخرى خلال برنامج خالد صلاح.

في الصباح أعلن خالد صلاح إلغاء الحلقة المقررة، وأن قناة النهار، ستخذ موقفًا قويًا احترامًا للناس، تقوم ريهام سعيد بوضع دعاء على الصفحة الرسمية للبرنامج، تشتكي فيه لله من ظلم الناس لها، تقوم قناة النهار بإعلان تعليق البرنامج وفتح تحقيق موسع، تعلن ريهام سعيد على صفحة البرنامج الرسمية، استقالاتها من القناة، ثم تقوم بحذفها، ثم تكتب أنها قدمت استقالتها من قناة النهار، ثم تحذفها، ثم تكتب أن الحقيقة ستظهر يومًا ما و"وداعا يا مجتمع الفضيلة والحق" ثم تحذفها أيضًا، ثم تحذف أيضًا الدعاء الذي كانت قد وضعته صباحًا، ثم أخيرًا، تعلن القناة أنها قد حذفت الحلقة المذكورة من حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتذراها لكل من استاء من الحلقة، لتقوم صفحة البرنامج، بنشر هذا التنويه، ثم نشر إعلان القناة عن "تعليق البرنامج".

فوبيا الأمل

يبدو أن تعثر الثورة ومآلها الحالي القاسي، قد ولد ما يشبه فوبيا الأمل، فبمجرد تحقيق الحملة لهدفها بايقاف البرنامج -حتى لو بشكل مؤقت- انتاب الناس فرح حذر، وانتشرت تحذيرات متبادلة بين الشباب بضرورة الاقتصاد في الشعور بالانجاز، وبأهمية ألا يعتبر أحد هذا الانتصار دليلًا على قوة معسكر الثورة أو قدرته على تغيير الامور، وأن على الناس التعلم من الماضي، وانتظار الأسوأ، وأن وقف البرنامج سيكون مؤقتًا لامتصاص الغضب، ثم عودته مرة أخرى. ورغم أن عودة البرنامج في وقت قريب نسبياً، يبقى هو الاحتمال الأكبر بالتأكيد، لكن حتى تحقق هذا الاحتمال، لا ينفي النصر الجزئي في شيء، لأن البرنامج في النهاية، واحد من عشرات البرامج التي ترعاها السلطة، وتخلط بين احتقار الناس وبين اللعب على غرائزهم في التلصص على ضعف الآخرين، وسيظل يحسب لهذه الحملة على البرنامج، أنها استطاعت رسم خط أحمر يمنع الإيغال في هذا الانتهاك، ويجعل مذيعين السلطة يفكرون عدة مرات قبل أن يعودوا لهواية إذلال الناس مرة أخرى.

أخيرا، لا يمكن تجاهل، أن كل معارك الفضاء العام في مصر، يتم ردها إلى الثورة، فإما أن تكون المعركة، انكسارًا آخر، يتم اعتباره جزءًا من الانكسار الأكبر للثورة، وإما أن تكون شبحًا مراوغًا للثورة، يبعث الأمل والخوف في الناس ثانية، ويذكرهم بأنهم قادرين على الاجتماع لهدف محدد، ومازال بوسعهم النيل من أعدائهم، حتى لو لم يستطيعوا هزيمتهم تمامًا، وهو ما يجعلهم حذرين بشدة من خيبة أمل أخرى.

اقرأ\ي أيضًا: مصر..إعلام برتبة شريك في الفساد