07-مارس-2018

يمتلك اللبنانيون فرصة لجعل الانتخابات القادمة محطة تغيير سياسي مؤثرة (رويترز)

نصّ اتفاق الطائف عام 1989، على زيادة أعداد نواب المجلس النيابي البناني إلى 128 نائبًا، على أن يكون هذا العدد مناصفة بين نواب مسلمين ومسيحيين. داخل كل طائفة من الطائفتين، تتقاسم المقاعدَ الـ64 المخصصة  لها المذاهب المكونة لكل منها. كما تتوزع المقاعد على 26 قضاءً على امتداد البلاد. ورغم أنه يفترض أن اللبنانيين ينتخبون نوابهم كل أربع سنوات بحسب الدستور، إلا أنّ آخر انتخابات كانت قد أجريت في 2009، حيث مدد المجلس الحالي لنفسه مرتين، بعد أن قدم ذرائع ومسوغات لم تقنع غالبية اللبنانين.

بسبب الانقسامات المذهبية والطائفية وشبكات المصالح، أفرزت الانتخابات النيابية بلبنان بيوتات سياسية وزعامات تقليدية لا يمكن تجاوزها

يقدم المرشح أوراق ترشحه لوزارة الداخلية خلال المهل المحددة، ويمكنه أن يختار القضاء الذي يريده للترشح عنه. وأفرزت الدورات الانتخابية النيابية السابقة، قبيل الحرب وخلالها وبعدها، بيوتات سياسية وزعامات تقليدية، بات من الصعب تجاوزها، بسبب الانقسامات المذهبية والطائفية والمناطقية، ونتيجة لشبكات المصالح والخدمات والاستزلام، إضافة إلى عوامل أخرى عائلية واجتماعية وتاريخية. 

​اقرأ/ي أيضًا: لبنان.. فاتور الحاضر سوف يدفعها المستقبل

باتت الانتخابات اللبنانية -وإن كانت ظاهريًا تجري بطريقة ديمقراطية- مناسبَة لإعادة تكريس الزعامات والأحجام، مع انعدام أي أفق للتغيير، في ظل قوانين انتخاب مفصّلة على مقاس أهل الحُكم، وفي ظل الخطابات التعبوية التجييشية التي يتقنها أمراء الطوائف، فيقع الناس في شركها قبيل الانتخابات، ويعيدون إنتاج الطبقة السياسية نفسها كل مرة.

من هذا المنطلق، بات عدد كبير من المقاعد البرلمانية محجوزًا لبعض الشخصيات وبيوت العوائل والرموز. ويتم توارثه من الجد إلى الابن فالحفيد، وإلى ما شاء الله، كأنّ المقعد النيابي ملكية خاصة.

وحددت وزارة الداخلية السادس من آذار/مارس الجاري مهلةً نهائية لتقديم طلبات الترشيح. ولو ألقيتَ نظرة على لائحة المتقدمين للانتخابات، ستجد الكثير من أبناء النواب السابقين واللاحقين وأشقائهم وأقاربهم وزوجاتهم.

على سبيل المثال، هناك وليد جنبلاط (مواليد 1949 )، نجل الزعيم الدرزي  كمال جنبلاط ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الذي تؤيده الغالبية العظمى من أبناء الطائفة الدرزية، كان قد أعلن منذ مدة طويلة نيته ترك العمل النيابي وتوريث المقعد لابنه تيمور جنبلاط (مواليد 1982) في خطوة تمهيدية منه لتسليمه قيادة الحزب، وبالتالي زعامة الطائفة.

وهناك سليمان فرنجية (1965) الذي قرر هو الآخر توريث مقعده النيابي لنجله طوني (مواليد 1987)، ليمهد له بدوره الطريق لاستلام دفة قيادة حزب المردة، صاحب الشعبية الكبيرة في الشمال البناني، وخاصة في معقله زغرتا. والوزير سليمان فرنجية هو حفيد رئيس الجمهورية السابق سليمان فرنجية، وبالتالي فطوني فرنجية الحفيد، يمثل الجيل الرابع لزعامة آل فرنجية!

بات عدد كبير من المقاعد البرلمانية محجوزًا لبعض الشخصيات المنتمية لبيوت عوائل الإقطاع السياسي المستأثرة بالحكم والمسيطرة على العمل السياسي

وقبل سنوات تنازل رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل، عن رئاسة حزب الكتائب لولده سامي، وابتعد الجميل الأب عن العمل السياسي شيئًا فشيئًا وقلّت نشاطاته بعدما اطمأن إلى وضع ابنه الذي ورث المقعد النيابي بطبيعة الحال. وأمين الجميل هو شقيق رئيس الجمهورية، في ظل الاجتياح الإسرائيلي ونتيجته، بشير الجميل الذي اغتيل في عام 1982، ونجل بيار الجميل مؤسس حزب الكتائب.

اقرأ/ي أيضًا: الإخفاء القسري في لبنان.. لعنة الحرب الأهلية المستمرة

وفي 16 شباط/فبراير الماضي، أعلنت ميشال تويني ترشحها عن المقعد الأرثوذكسي في إحدى دوائر بيروت، المقعد الذي كانت تشغله أختها نايلة، رئيسة تحرير جريدة النهار، والنائب التي كانت بالكاد تمارس دورها وتشارك في الجلسات التشريعية، الأمر الذي شكل على الدوام مادة سخرية للناشطين والمتابعين. كما أنها صاحبة ملف مظلومية مصروفي النهار المفتوح، الذين لم يتلقوا تعويضاتهم بعد الإجراء التعسفي بحقهم.

وإذا فازت ميشال بالمقعد فستخلف إذن شقيقتها التي بدورها خلفت جدها غسان تويني، مؤسس جريدة النهار، والذي خلف ابنه جبران الذي اغتيل نهاية عام 2005. وميشال تويني هي حفيدة وزير الداخلية السابق، إلياس المر. أما وزير التربية الحالي مروان حمادة فهو شقيق جدتها لأبيها.

ولم يرزق رئيس الجمهورية ميشال عون بأبناء ذكور ليرثوا تياره، إلا أن اثنين من أصهاره أعلنا ترشحهما للانتخابات، وهما جبران باسيل وزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر، التيار الذي أسّسه عون، وشامل روكز، القائد السابق لفوج المغاوير.

ونلاحظ أيضًا بين أسماء المتقدمين إلى الانتخابات، كلًا من نديم الجميل وأسامة سعد وفيصل كرامي وكاظم الخير وهادي حبيش وطارق المرعبي، وغيرهم كثر، وهم جميعهم أبناء لوزراء ونواب سابقين وحاليين، فيما يتواجه الابن مع أبيه في عكار، حيث أعلن كل من الوزير السابق وجيه البعريني ونجله وليد الترشح عن المقعد نفسه.

لدى اللبنانيين فرصة إحداث تغيير سياسي بإنجاح وجوه جديدة بالانتخابات البرلمانية، بخلاف وجوه بيوت العوائل التقليدية المستأثرة بالحكم

ويفصلنا أقلّ من شهرين عن موعد الانتخابات النيابية، التي ربما يمتلك بها الشعب اللبناني بعض فرصة حقيقية للتغيير. تغيير لن يكون جذريًا بطبيعة الحال، ولكن النجاح في إيصال وجوه جديدة من خارج الاصطفافات السياسية والبيوتات التقليدية، ومن ذوي التوجه المدني، لمن شأنه أن يشكل صفعة للطبقة السياسية الحاكمة المستأثرة بالحكم، وفي خلق ثقب في جدار التمذهب السياسي والطائفي، وتشكيل أرضية مواطنية يمكن البناء عليها في المستقبل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 الانتخابات البلدية اللبنانية.. "مكانك راوح"

ماذا تعلمنا من جيل الحرب اللبنانية؟