17-نوفمبر-2017

يحكم المال الفاسد اللعبة السياسية في الجزائر (أرشيفية/ فايز نورالدين/ أ.ف.ب)

من المتعارف عليه في العمل السياسي بالعالم، أن الشخص يخضع لتطور تدريجي داخل هياكل الحزب المنتي إليه، لكن في الجزائر يختلف الأمر، فلم يعد التدرج قاعدة معمولًا بها، بل قد تكفي أيام قليلة في حزب ما لتصبح مرشحه للانتخابات المحلية أو التشريعية، انطلاقًا فقط من كون الشخص معروفًا في منطقته أو رجل أعمال ذا نفوذ. 

يعتمد العمل السياسي في الجزائر على النفوذ والمال، وتكثر في الحملات الانتخابية مشاهد استغلال عوز الجماهير وشراء تجمعهم بالمال

قبل أيام، انتشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لشخوصٍ قادمين لقاعة ستحتضمن تجمعًا شعبيًا لمرشح أحد الأحزاب. الكثير من الحاضرين لا يعلمون سبب تواجدهم هناك تحديدًا، ولا اسم المُرشح الذي جاؤوا من أجله. ما يعلمونه فقط هو أنّ أحدهم سيدفع للواحد فيهم ما بين ألف وألفي دينار (حوالي 15 دولارًا) بعد نهاية التجمع. والمطلوب منهم واضح وسهل: أن يهتفوا ويتفاعلوا مع المرشح لإعطاء انطباع كاذب بشعبية وهمية للمرشح.

وهكذا تصرفات تعصف بالفعل السياسي في الجزائر، شُوهدت أيضًا في بلدية الجزائر الوسطى بقلب العاصمة، أن يحشد مرشح تابع لإحدى أحزاب الموالات شبابًا من الأحياء الشعبية، مقابل ثمن زهيد، من أجل حضور تجمعاته، وكذا من أجل تنظيم مواكب من السيارات تحل معه أينما ارتحل في شوارع البلدية.

اقرأ/ي أيضًا: المال السياسي بعبع الانتخابات البرلمانية الجزائرية 

أموال مجهولة المصدر، لكن غالبًا ما تكون من طرف رجال مال مقابل تواجدهم في القوائم أو مقابل خدمات سيستفيدون منها بعد فوز المرشح الذي دعموه. منطق المال الفاسد في العمل السياسي بات لا يعلو عليه منطق، وأصبح النضال الحزبي آخر هموم الأحزاب ومرشحيها، فـ"من يدفع أكثر" هي النظرة الغالبة بين الأحزاب الكبرى التي يكون التواجد في قوائمها مرادفًا للنجاح في ظل استمرار ممارسات التزوير وعمل الهيئات العمومية في خدمة أحزاب الموالاة.

ظاهرة "المال الفاسد" في السياسة تبدو أكثر حدة في انتخابات المجلس الشعبي الوطني، حيث يتهافت رجال المال لتصدر قوائم الأحزاب مقابل مبالغ كبيرة، فهدف الوصول إلى قبة البرلمان وضمان الحصول على حصانة برلمانية لا ثمن لها لرجال يبحثون عن مصادر النفوذ والتغول بكل الطرق. 

وفي تشريعيات أيار/مايو 2017، طفت إلى السطح عدة قضايا رشوة من طرف الأحزاب والمترشحين، فعلى سبيل المثال، تعرض مرابط محمد رستم، وهو عضو بحزب جبهة المستقبل الذي يرأسه عبد العزيز بلعيد، للإقصاء من قائمة محافظته وادي سوف (500 كيلومتر جنوب العاصمة)، بعد صدور تعليمات شفهية من قيادة الحزب، تجبره على دفع خمسة ألاف دولار كتزكية، لكي يكون على رأس قائمة الحزب بالمحافظة في التشريعيات الماضي.

برزت قضايا المال الفاسد والرشوة بالجزائر في تشريعيات أيار/مايو 2017 (أ.ف.ب)
برزت قضايا المال الفاسد والرشوة بالجزائر في تشريعيات أيار/مايو 2017 (أ.ف.ب)

وبين كل هذا، قال الحقوقي توفيق هيشر لـ"ألترا صوت"، إن تقديم قيمةٍ مالية للظفر بترتيب متقدم في أي قائمة ترشحيات، فضلًا عن كونه سلوكًا غير أخلاقي فهو أيضًا سلوكٌ غير قانوني، مُضيفًا: "لهذا، فإذا ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻮﺍﺯﻉ الأخلاقي ﻳﺠﺮﻡ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻠﻖ ﻛﺴﺮ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺘﺪﺍﻓﻊ ﺍﻟﺪيمقراطي ﻭﻓﺘﺢ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ أمام تغول الأموال ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺍﻟﺒﺮﺍﻣﺞ ﻭﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﻤﺎﻝ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ، ﻓﻬﻮ ﻣﺠﺮﻡ ﻗﺎﻧﻮﻧًﺎ ﻛﺬﻟﻚ، إذ ﻳﻨﺪﺭﺝ ﺗﺤﺖ ﻃﺎﺋﻠﺔ ﺟﺮيمة ﺍﻟﺮﺷوة ﺍﻟﻤﻌﺎﻗﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﺎﻧﻮﻧًﺎ".

وفيما يخص العقوبة التي توجب على المتهمين في هذا الحالة، أوضح هيشر: "في ﺧﺼﻮﺹ ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺔ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ فتتمثل فيما نصت عليه المادة 126 ﻣﻦ قانون ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺎﺕ من أﻧﻪ يعاقب ﻣﻦ ﻳُﻌﺪ ﻣﺮﺗﺸﻴًﺎ ﺑﺎﻟﺤﺒﺲ ﻣﻦ سنتين إلى ﻋﺸﺮ سنوات، مع دفع ﻏﺮﺍﻣﺔ ﻣﺎﻟﻴﺔ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻳﻄﻠﺐ أو ﻳﻘﺒﻞ ﻋﻄﻴﺔ أو ﻭﻋﺪًا، أو ﻳﻄﻠﺐ أو ﻳﺘﻠﻘﻰ ﻫﺪﻳﺔ أﻭ أي ﻣﻨﺎﻓﻊ أخرى".

استخدام المال في العملية الانتخابية يعد رشوة في القانون الجزائري، يُعاقَب عليها بالحبس لمدة قد تصل لـ10 سنوات

وفي الانتخابات المحلية المزمع تنظيمها في 23 الشهر الجاري، قد تستثني "الشكارة" (مصطلح جزائري يعني الكيس الكبير، كنايةً عن تقديم الرشوة) قوائم المجالس البلدية، نظرًا لكون العملية تجري في بلدات صغيرة ومعزولة يتعارف أهلها، لكنها تظهر في قوائم المجالس الولائية، التي يسيطر عليها رجال المال، وسط غياب تام لمعايير النزاهة والشفافية، ما جعل بعض رؤساء الأحزاب يمكثون في سبات طوال العام ليظهروا في موسم الانتخابات ليبيعوا قوائم أحزابهم ويعودوا من جديد لسباتهم السياسي العميق!

 

اقرأ/ي أيضًا:

السارق في الجزائر.. من خائن إلى بطل

الشباب الجزائري والانتخابات البلدية.. فرص مُعلقة أمام فقدان الجدوى