15-أكتوبر-2017

هاينز كريستيان شتراخه، مرشح اليمين المتطرف في الانتخابات النسماوية (Getty)

تشهد النمسا اليوم انتخابات تشريعية تحوز على اهتمام بالغ في جميع أرجاء أوروبا التي تعرف تغيّرات كبرى ربما لم يسبق لها أن شهدتها منذ الحرب العالمية الثانية. صحيفة واشنطن بوست أعدت تقريرًا عن الانتخابات وأبرز المرشحين فيها، علمًا بأنّ النتائج الأولية تُشير إلى تقدم حزب الشعب النمساوي، كما توقع تقرير الواشنطن بوست الذي ننقله لكم مترجمًا في السطور التالية.


أشارت بعض الاحتمالات، إلى انعطاف النمسا نحو اليمين المتطرف، في ظل توجه الناخبين اليوم الأحد إلى مراكز الاقتراع من أجل الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التي يُسلَّط عليها الضوء في جميع أنحاء أوروبا.

تشهد النمسا اليوم انتخابات هامة بالنسبة لجميع أنحاء أوروبا، لأنها قد تمثل انتصارًا آخر لليمين المتطرف في القارة العجوز

ويمثل التحالف بين حزب الحرية اليميني الشعبوي، وحزب الشعب النمساوي، أقرب النتائج المحتمل تحقُّقها، وفقًا لاستطلاعات الرأي. ومن المتوقع أن يحقق حزب الحرية مكاسب ضخمة، ما قد يمهد الطريق أمام تحقيق أفضل نتائج الانتخابات التشريعية التي وصل إليها خلال عقد من الزمان.

وجه الخطورة

عندما أجرت ألمانيا انتخاباتها منذ أقل من شهر، حقق الحزب اليميني المتطرف "البديل من أجل ألمانيا" مكاسب كبيرة. على الرغم من هذا، لا تزال المواقع السياسية المركزية في البلاد في حوزة تيار الوسط، وهو ما يمنح المستشارة الألمانيا أنجيلا ميركل ولاية رابعة في الحكم. وقد ارتبطت خسارة الأصوات التي مني بها حزبها، بقرارها بالسماح لأكثر من مليون لاجئ بدخول البلاد خلال أربعة أعوام.

اقرأ/ي أيضًا: ميركل مستشارة ألمانيا للمرة الرابعة.. فوز ناقص وتحدّيات ضخمة

فيما كان لردود الأفعال العنيفة ضد السياسات الليبرالية في النمسا صدى أكبر. وبوصفها أحد البلاد الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، قد تقاوم النمسا الجهود التي تقودها فرنسا وألمانيا لإصلاح الاتحاد الأوروبي، وتوسيع نطاق التعاون في قضايا مثل الهجرة.

ورفض فعليًا مرشح يمين الوسط الأقرب إلى الفوز بمنصب مستشار النمسا، وهو وزير الخارجية النمساوي سيباستيان كورتس، مقترحات إصلاحات الاتحاد الأوروبي التي تقدم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وكان كورتس بصفته وزير الخارجية، قد اتبع سياسات من شأنها أن تعيق تدفق المهاجرين، حتى وإن تعارضت هذه التدابير مع قواعد الاتحاد الأوروبي. ومن شأن انتخابات اليوم أن تحول هذه التدابير إلى حلول طويلة الأجل، يتبناها التيار السياسي الرئيسي للبلاد.

من هم المتنافسون الرئيسيون؟

  • سيباستيان كورتس.. مرشح يمين الوسط

من المرجح أن يفوز حزب الشعب النمساوي بالمركز الأول، فوفقًا للنتائج الأولية حقق الحزب حتى الآن تقدمًا على باقي الأحزاب، وذلك بعد أن طور من نفسه خلال الأشهر الماضية. ويعود الأداء القوي للحزب في الأساس إلى سيباستيان كورتس، البالغ من العمر 31 عامًا، الذي تولى منصب وزير الخارجية وهو في الـ27 من عمره فقط. وقد يكون على مشارف أن يصبح أصغر زعيم في أوروبا.

ثمة كثير من أوجه الشبه بين هذا المرشح الشاب المجتهد، الذي قد يصبح مستشار النمسا، وبين زعيم أوروبي آخر وهو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أصبح في مطلع هذا العام أصغر رئيس في تاريخ فرنسا. فقد حاول كورتس، مثلما فعل ماكرون، أن يصور حزبه على أنه "حركة"، فضلًا عن محاولاته لنقل صورة للحزب توحي بأنه ابتعد عن النظام الحزبي التقليدي.

وعلى الرغم من هذا، يميل كورتس ناحية طيف اليمين السياسي أكثر من ميركل وماكرون، فقد تبنى العديد من المقترحات السياسية التي سعى حزب الحرية اليميني الشعبوي لتحقيقها من قبل.

  • هاينز كريستيان شتراخه.. مرشح اليمين الشعبوي

يُحتمل أن يصبح شتراخه شريك كورتس في هذا الائتلاف حال فاز كلا الحزبين بالأصوات الكافية. وبغض النظر عن مقترحات السياسات، يمتلك كلاهما نفس الخلفية الأكاديمية، فكلاهما قد ترك الجامعة.

من المتوقع أن يفوز بالمركز الأول في النمسا، حزب سيباستيان كورتس، وزير الخارجية البالغ من العمر 31 عامًا

ويُعد كريستيان شتراخه الوجه الجديد لحزبٍ يميني شعبوي طالما كان عنصرًا دائمًا في السياسات النمساوية منذ عقود. ويمكن أن تقدم انتخابات الأحد فرصة لستراخه وحلفائه لأن يحظوا بالتفويض السياسي الذي سعوا وراءه منذ فترة طويلة. ويُتوقع أن يحصل حزبه على المركز الثاني، إلا أنه يُحتمل أن يفوز بمزيد من الأصوات.

اقرأ/ي أيضًا: هل يتكرر سيناريو ترامب في النمسا؟

  • كريستيان كيرن.. مرشح الحزب الديمقراطي الاشتراكي

يضرب كريستيان كيرن، مستشار النمسا الحالي، مثلًا على أن عملية تجديد أي حزب قد تخرج بكل سهولة عن السيطرة. فبعد أن كان مرشح الحزب الديمقراطي الاشتراكي بمثابة الشخصية الواعدة لليسار النمساوي، أمسى كيرن رئيس حزب يُحتمل في الوقت الراهن أن يحصل على المركز الثالث.

ربما لا ينبغي أن يُلقى باللوم كله على عاتق كريستيان كيرن في هذه الخسارة، إذ إن سياساته اليسارية قد تكون غير مناسبة في وقت تميل فيه أغلبية الكتلة الانتخابية للبلاد على ما يبدو نحو اليمين بسبب المخاوف المتعلقة بالهجرة والإرهاب. لكن رموز الحزب الديمقراطي الاشتراكي، أسهموا أيضًا في تقويض فرصهم بالفوز في الانتخابات، وذلك عن طريق سلسلة من الفضائح والحوادث على صعيد العلاقات العامة. 

هل يكون التغير في السياسات النمساوية جزءًا من توجه أكبر؟

  • الديمقراطيون الاشتراكيون في أوروبا

لا يقتصر تراجع تيار الديقراطية الاشتراكية على النمسا وحسب، ففي أيلول/سبتمبر الماضي، مني الحزب الديمقراطي الاشتراكي في ألمانيا بخسارة "مذلة"، وفي الدنمارك، أزاح ائتلاف ينتمي إلى يمين الوسط، الديمقراطيين الاشتراكيين من سدة الحكم منذ عامين. وفي غضون ذلك، اختفى تقريبًا الحزب الاشتراكي الفرنسي من المشهد، بعد أن عانى هو الآخر من هزيمة كبيرة مطلع العام الجاري.

هذا وقد تبدلت أوضاع كثيرة خصاة بالقضايا المرتبطة بالديمقراطيين الاشتراكيين، مثل عدالة الفرص وقوانين العمل، بعد أن صارت الأولويات الرئيسية للمصوتين تركز على المخاوف المتعلقة بالهجرة والأمن.

عن هذا يقول طارق أبو شادي، الباحث في جامعة هومبولت ببرلين: "كثير من الأحزاب الديمقراطية الاشتراكية في أوروبا منقسمة بدرجة كبيرة حول قضية الهجرة، وهو ما يجعلهم يمتنعون عن مناقشتها". وقد صرح طارق أبو شادي بذلك خلال تناوله للانتخابات الألمانية في الشهر الماضي.

  • الشعبوية اليمينية

ومثلما حدث في النمسا، تكيفت أحزاب المحافظين وأحزاب يمين الوسط مع صعود اليمين المتطرف، عبر تبنّي بعض قضاياهم الرئيسية، فعلى سبيل المثال، تبنى حزب المحافظين البريطاني، عبر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، القضية الرئيسية لحزب استقلال المملكة المتحدة الشعبوي اليميني.

تراجعت الديمقراطية الاشتراكية في أوروبا بشكل ملحوظ، كشفت عنه الانتخابات الأخيرة في ألمانيا وفرنسا كما يرجح تكرار الأمر في النمسا

وبالمثل، تحول حزب المحافظين الفرنسي نحو اليمين، وكان على وشك تحقيق الفوز في الانتخابات مطلع هذا العام، إلا أنه مني بخسارة إبان تعثر مرشحه الرئيسي، فرانسوا فيون، إثر فضيحة مالية. وفي ألمانيا التي تميل نسبيًا إلى الليبرالية، أعادت ميركل موضعة سياساتها لتميل ناحية اليمين، على سبيل المثال، من خلال الموافقة على وضع حد أقصى لأعداد اللاجئين، حتى وإن كان بعض الخبراء قد اشاروا إلى أن بعضًا مما أعلنته ميركل لن يُترجم على الإطلاق إلى تغييرات تشريعية. مع ذلك، من غير المحتمل أن يبدي حزب يمين الوسط في النمسا، إحجامًا مماثلًا، إذا فاز بأغلبية الأصوات واستطاع تشكيل ائتلاف يميني.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

خذوا الديمقراطية عن النمسا

هل تحكم الشعبوية المجتمع الغربي؟