23-ديسمبر-2022
gettyimages

نسبة المشاركة هي الأقل منذ الثورة التونسية (Getty)

فتحت الانتخابات التشريعية التونسية التي أجريت في 17 كانون الأول/ديسمبر 2022 وأعلن عن نتائج المشاركة فيها يوم الإثنين الماضي، موجةً كبيرةً من الانتقادات للانتخابات، وللمسار الانقلابي الذي يستمر فيه الرئيس قيس سعيّد.

فتحت الانتخابات التشريعية التونسية التي أجريت في 17 كانون الأول/ديسمبر 2022 وأعلن عن نتائج المشاركة فيها يوم الإثنين الماضي، موجةً كبيرةً من الانتقادات للانتخابات، وللمسار الانقلابي

وكانت أبرز نتائج الانتخابات، نسبة المشاركة المتدنية والتي لم تتجاوز 11.22% وشهدت مقاطعة شبه تامة من الشباب حيث كان أغلب المقبلين عليها من الكبار في السن، بحسب المعطيات التي كشفت عنها الهيئة المستقلة للانتخابات في تونس. وأدّى تدني نسبة المشاركة والمسار الانتخابي الذي فرضه قيس سعيّد وعمله على استكمال انقلابه، إلى سيل كبير من الانتقادات وردود الأفعال القادمة من الداخل والخارج على حدّ سواء، ما استدعى من الرئيس التونسي قيس سعيد الرد على المنتقدين وردود الأفعال الدولية بالتقليل من أهمية نسبة المشاركة في عملية انتخابية لم تكتمل بعد بحسب تعبيره في ظل انتظار الجولة الثانية من الانتخابات.

تبرير قيس سعيّد جوبه بنقد واسع وبالأخص تعويله على الجولة الثانية في زيادة نسبة المشاركة، بعد الجولة الأولى التي ترشح فيها أكثر من 1000 مرشح. ورأت المعارضة التونسية أن نسبة المشاركة ومقاطعة الانتخابات تأتي تعبيرًا عن رفض المسار السياسي الذي انقلب من خلاله سعيّد على النظام السياسي البرلماني، لصالح نظام رئاسي يكون فيه البرلمان مجردًا من الصلاحيات الفعلية التي كان يتمتع بها النواب في السابق بعد الثورة، وذلك بحسب الدستور الجديد الذي وضعه سعيّد.

getty

وفي الإحاطة الإعلامية التي أعلنت فيها نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية، قال رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر، إن مليون و25 ألف ناخب أدلوا بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية، أيّ بنسبة مشاركة لا تتجاوز 11.22%، وهو رقم، لم يُسجل منذ انطلاق مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد بعد ثورة عام 2011. مضيفًا في تفصيل هذا الرقم أن 34% من الناخبين نساء، و66% من الرجال، وأن غالبية المقبلين على مراكز الاقتراع كانوا من الكهول والمسنين. 

الضعف الكبير في نسبة المشاركة عمومًا وضعف نسبة مشاركة الشباب خصوصًا كان محط تركيز المواقف الدولية والداخلية من الانتخابات التشريعية التونسية.

اقرأ/ي أيضًا: نسبة تصويت بـ8,8 % فقط.. هزيمة لمشروع الرئيس دون انتصار لمعارضيه

 

داخليًا، طالبت "جبهة الخلاص الوطني" التي تضم معظم أحزاب ورموز المعارضة بما فيها حركة النهضة، الرئيس التونسي قيس سعيّد بالتنحي فورًا، وهو ذات المطلب الذي رفعه الحزب الدستوري الحر الذي طالب سعيّد بالاستقالة وتنظيم انتخابات مبكرة.

كما دفعت نسبة المشاركة الضعيفة قياديين في أحزاب داعمة ليقس سعيّد مثل حركة الشعب إلى التعبير عن امتعاضهم من الانتخابات التي تمت بدون التوافق حولها وقاطعتها أبرز الأحزاب، حيث قال القيادي في حركة الشعب محمد المسليني إن "نسبة المشاركة في الانتخابات ضعيفة جدًا ولا تفرح أي أحد". مضيفًا أن "مسألة عزوف الناخبين والقطيعة تتعمق مع كل انتخابات، وأن هيئة الانتخابات لعبت دورًا في ذلك". مؤكّدا أن " انفراد الرئيس قيس سعيد بالقرار أدى لهذه النتائج الهزيلة".

getty

في ذات الصدد دعا رئيس المكتب السياسي لحراك "25 يوليو" الداعم لقيس سعيد، عبد الرزاق الخلولي إلى انتخابات رئاسية مبكرة. كما دعا "مساريون لتصحيح المسار"، قيس سعيّد إلى "التحلي بالشجاعة السياسية والأدبية التي تمليها الظروف وإيقاف المسار الانتخابي الحالي".

واعتبر حزب التيار الديمقراطي التونسي، أنّ "المقاطعة التاريخية للانتخابات التشريعية تعدّ رسالة واضحة من الشعب التونسي تنزع عن قيس سعيّد كل شرعية ومشروعية وتعلن إغلاق قوس مشروعه العبثي". وطالب الحزب، "سعيّد وهيئة انتخاباته بالإيقاف الفوري لهذه المهزلة ويحمّلهما، في صورة المواصلة، المسؤولية السياسية والقانونية لتبديد المال العام وإضاعة وقت ثمين على التونسيات والتونسيين على حساب الأولويات الاجتماعية والاقتصادية".

وطلب ائتلاف صمود الرئيس التونسي قيس سعيّد، "الإقرار بفشل المسار الذي فرضه على الشعب التّونسي بصفة أحادية"، و"التّخلي عن منصب رئاسة الجمهورية ودعوة التونسيّين إلى انتخابات رئاسية سابقة لأوانها في أجل لا يتعدّى 90 يومًا، حفاظًا على استمرارية الدولة التونسية والحيلولة دون عودة المنظومة السابقة".

getty

وعقب قانون سعيّد الانتخابي القائم على الترشح الفردي، قالت منظمة البوصلة التونسية إنها سجلت "غيابًا شبه تام لتمثيلية المرأة داخل البرلمان التونسي القادم، وذلك اعتمادًا على نتائج الدور الأوّل من الانتخابات التشريعية التونسية". ووصلت الانتقادات إلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، التي عينها قيس سعيّد. وانتقدها رئيسها السابق في عام 2011 كمال الجندوبي، قائلًا: "كان عليها أن تلعب دور حماية المسار الديمقراطي في تونس، إذ أن دورها لا يقتصر على عدّ أوراق الاقتراع".

التطور الأبرز خلال الأيام الأخيرة، جاء من قبل الاتحاد العام التونسي للشغل، والذي اعتبر أن "التدنّي الكبير لنسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية يفقدها المصداقية والشرعية ويؤكّد بوضوح موقفًا شعبيًا رافضًا الخيارات المكرَّسة إلى حدّ الآن، وعزوفًا واعيًا عن مسار متخبط لم يجلب للبلاد إلاّ مزيدًا من المآسي والمآزق". وأضاف الاتحاد أن "الانزلاقات والانحرافات التي سقط فيها مسار التصحيح بدءًا بالتغيير القسري للدستور في اتّجاه نظام حكم رئاسوي منغلق يشكّل تربة صالحة للاستبداد وحكم الفرد ومرورًا بقانون انتخابي مسقط كرّس الإقصاء العروشيّة والقبليّة ووصولًا إلى انتخابات لا لون لها ولا طعم ستزيد من تعميق الأزمة التي غرقت فيها البلاد".

أما دوليًا، فقد تفاعلت وزارة الخارجية الفرنسية مع صدور نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية في تونس عبر بيان جاء فيه ما نصّه: "فرنسا تتابع النتائج الأولية للانتخابات التشريعية التونسية والمستوى المتدني للمشاركة الذي لاحظته الهيئة العليا المستقلة للانتخابات خلال الدور الأول من هذه الانتخابات"، وحث بيان الخارجية الفرنسية السلطات في تونس على "البدء ودون تأخير في القيام بالإصلاحات اللازمة لاستقرار البلاد وازدهارها في المستقبل".

أما المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، فاعتبر أن الانتخابات البرلمانية في تونس "خطوة أولى أساسية نحو استعادة المسار الديمقراطي في البلاد". مؤكّدا في ذات الوقت "أن نسبة الامتناع عن التصويت المرتفعة تظهر الحاجة إلى مزيد من المشاركة السياسية على نطاق أوسع"، حسب تعبيره.

هذه المواقف وغيرها كانت محل انتقاد من الرئيس التونسي قيس سعيد الذي انتهز لقاءً جمعه برئيسة الحكومة نجلاء بودن، للقول "إن ردود الفعل من قبل بعض الجهات المعروفة لم تجد هذه المرة شيئًا تركز عليه سوى نسبة المشاركة في هذه الدورة الأولى، للتشكيك في تمثيلية مجلس نواب الشعب القادم، في حين أن نسبة المشاركة لا تقاس فقط  بالدور الأول بل بالدورتين"، على حدّ وصفه.

متابعًا القول "مثل هذا الموقف القائم على التشكيك من جهات لا دأب لها إلاّ التشكيك فضلًا عن تورّط البعض في قضايا لا تزال جارية أمام المحاكم، مردود على أصحابه بكل المقاييس بل هو شبيه بالإعلان عن نتيجة مقابلة رياضية عند انتهاء شوطها الأول".

تزامن إعلان نتائج الانتخابات في تونس مع إرجاء صندوق النقد الدولي النظر في قرض لصالح الحكومة التونسية

وتزامن إعلان نتائج الانتخابات في تونس مع إرجاء صندوق النقد الدولي النظر في قرض لصالح الحكومة التونسية نظرًا لما وصفه بضرورة إعطاء الفرصة للسلطات لتنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي التي لا تحظى بدعم من النقابات وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل.