20-يوليو-2019

تتزايد حالات الانتحار في اليمن بشكل ملحوظ (تويتر)

على وقع الحرب وسلسال الموت، الذي لا يكاد يتوقف يومًا عن حصد أرواح الآلاف من اليمنيين، إما بالرصاص والقصف الجوي، أو بالجوع والأوبئة القاتلة والمجاعة، يسابق اليمنيون أجلهم المحتوم بالانتحار قبل الأوان.

يلاحق الموت المواطن اليمني داخ البلاد وخارجها، حتى في المعتقلات والسجون، وتحت التعذيب، حتى كان حلًا عندما لم يكن هناك وسيلة أخرى للفرار من حيطان السجون

بين الفرار من ويلات الحرب المستمرة، والفقر المدقع الذي طال معظم سكان البلاد، جراء الحصار وانقطاع المرتبات وارتفاع الأسعار، وقسوة الحياة بمختلف جوانبها على الإنسان اليمني، لم يجد المئات من اليمنيين،  مخرجًا آخر سوى الموت، بمشنقة نصبوها لأنفسهم أو بجرعة سم أو بطرقٍ أخرى، هناك حيث تتعدد الطرق والموت واحد.

اقرأ/ي أيضًا: طلبة يمنيون في الجزائر.. على هامش الحرب

لا توجد إحصائية رسمية حديثة حول أعداد ضحايا الانتحار في اليمن، إلا أنه لا يكاد يمر أسبوع دون أن نقرأ خبرًا لانتحار مواطن يمني إما داخل البلاد أو خارجها، وأيضًا في السجون التي تكتظ بالآلاف من المعتقلين، ناهيك عن عشرات الحالات في المناطق الريفية، النائية، بالإضافة إلى تكتم الأسر على حالات انتحار أبنائها. 

كان من بين الحوادث التي تداولتها وسائل الإعلام قبل فترة، انتحار رب أسرة، في محافظة أبين جنوبي اليمن، بعد أن أقدم على قتل كافة أفراد أسرته.

المواطن اليمني أمين الخضر منصور الفشاشي أطلق النار على زوجته وثلاثة من أبنائه وانتحر في قرية المقبابة التابعة لمديرية مودية بأبين، بسبب ظروف معيشية صعبة، أدت إلى إصابته بحالة نفسية حرجة.

يلاحق الموت المواطن اليمني داخ البلاد وخارجها، حتى في المعتقلات والسجون، وتحت التعذيب، حتى كان حلًا عندما لم يكن هناك وسيلة أخرى للفرار من حيطان السجون، سوى مغادرة الحياة، وترك الجسد شاهدًا على بشاعة مرحلة دموية عاشها اليمنيون. كما أجبر العديد من المعتقلين على الانتحار تحت وطأة التعذيب في السجون بمختلف مناطق اليمن.

في محافظة حضرموت شرقي البلاد، أقدم شاب في العقد الثاني من عمره على الانتحار في منطقة الشرج باعبود، بسلاح أبيض "سكين". استغل الشاب المصاب بحالة نفسية غياب أسرته عن المنزل لينفذ عدة طعنات أودت بحياته على الفور.

يأتي ذلك عقب وفاة مواطن آخر منتحرًا من أهالي قرية الحبيل غرب محافظة إب، (وسط اليمن) ، شنقًا، وذلك بسبب الحالة المعيشية والأوضاع الصعبة التي تعيشها أسرته.

لا توجد إحصاءية رسيمة عن أعداد المنتحرين في اليمن خلال السنوات الأخيرة، كما أسلف بسبب الحرب التي تشهدها البلاد، غير أن الأعداد تزايدت بشكل كبير، واحتل اليمن المرتبة الرابعة عربيا عام 2014 بنسبة 3.7 حالة انتحار لكل 100 ألف شخص، وفقًا لتقرير أعددته منظمة الصحة العالمية.

"الشابة" (س-ص)، يمنية فضلت عدم الكشف عن اسمها، حاولت الانتحار عدة مرات كان آخرها قبل عامين، بشرب السم، ومرة بقطع وريد اليد اليسرى وشنق نفسها، "فمنذ الطفولة أعيش وسط أمراض، أنهكت جسدي، وتحملت أسرتي الفقيرة أعباء العلاج والتنقل بين المدينة والريف من أجل علاجي بشكل دوري"، تقول الفتاة البالغة من العمر 28 عامًا لـ"ألترا صوت".

تضيف: "توفي والدي عندما كنت في الخامسة عشر من عمري ثم توفيت جدتي وعمي الأقربان إلى قلبي، بالإضافة إلى أنني لم أجد علاجًا للمرض الذي لا ينفك عن جسدي". معتبرة أن الموت أصبح بمثابة أمنية.

وترجع الناشطة الحقوقية، سماح الشغدري، تزايد حالات الانتحار، إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والإنسانية الصعبة التي يعيشها اليمنيون بشكل عام شمالًا وجنوبًا، ونتيجة غياب الدولة وانهيار مؤسساتها، الذي أدى إلى انعكاس حالة نفسية لدى المواطن الذي أصبح يحمل عبىء لقمة العيش وإيجار البيت وتدريس الأطفال وملابسهم، بالإضافة إلى عدم تسلم مليوني موظف مرتباتهم منذ ثلاثة أعوام.

"كل هذه الانهيارات المعيشية، انتشرت خلالها ظاهرة الانتحار في أوساط اليمنيين بمختلف أعمارهم، حتى وإن لم تكن معلنة أو يتم التستر عنها أو عدم الإبلاغ عن العديد من الحالات لأنها تقع في مناطق نائية (ريفية)"، تضيف الشغدري لـ"ألترا صوت".  تتابع: "لم يقتصر الانتحار  على اليمنيين في الداخل بفعل ظروف الحرب والوضع الإقتصادي بل أيضًا خارج اليمن، وأغلبهم من الطلبة الذي توقفت منحهم الدراسية وأصبحوا مهددين بالترحيل أو يرون مستقبلهم وتعب أهاليهم على شفى سراب".

وبينت سماح: "انتحر طالب في برلين، وآخر في الهند، وأيضًا في ماليزيا، لأن حكومة هادي وللأسف تنصلت من واجباتها تجاه الطلاب واكتفت السفارات اليمنية في الخارج ببعث برقيات التهاني أو تلبية دعوات سفارات دول أخرى للاحتفال بمناسبات وطنية، وتستثقل حتى مجرد الرد على الطلاب أو حل مشاكلهم بخطاب رسمي لا يحتاج أكثر من حبر وورقة.

اقرأ/ي أيضًا: انتحار طالب يمني.. والمتهم وزارة الخارجية!

وتؤكد أن ما يعيشه اليمنيون من ضغوطات على مستوى الحريات البسيطة ضاعف من معاناتهم وحالاتهم النفسية، الأمر الذي جعل نسبة الانتحار منتشرة وبشكل ملفت خلال الثلاث السنوات الأخيرة.

لا توجد إحصائية رسمية حديثة حول أعداد ضحايا الانتحار في اليمن، إلا أنه لا يكاد يمر أسبوع دون أن نقرأ خبرًا لانتحار مواطن يمني إما داخل البلاد أو خارجها

من جانبها أكدت المحامية اليمنية، هدى الصراري، أن اليمنيين في الداخل والخارج يعانون من انعدام سبل الحياة الكريمة، ما يضطر الكثير منهم للانتحار. وتؤكد الصراري أن اليمني الذي يضطر للهجرة لغرض الدراسة، أو العلاج يجب على الخارجية اليمنية تلبية كل شؤونه، "وإلا ما الداعي لفتح سفارات لبلدنا في كثير من بلدان العالم".