26-فبراير-2016

أبناء المناطق المهمشة في تونس هم الضحية الأولى لظاهرة الانتحار (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

أطفال بعمر الزهور في تونس، يضعون حدًا لحياتهم، بطريقة مأساوية. تعددت الأسباب ولكن جمعهم مصير واحد وهو الموت. ضاقوا بالحياة قبل أن تبدأ ويئسوا منها قبل أن يحاولوا، يبدو المشهد مسرحيًا أو سينمائيًا من وحي مؤلف تراجيدي، ولكنّه مشهد حقيقي من رحم تونس ما بعد الثورة، إذ شكل انتحار الأطفال في تونس "ظاهرة جديدة" لم يعهدها المواطن ولا الإعلام التونسي ووصلت النسب إلى أرقام مرتفعة وتشير أرقام رسمية إلى أنّ الظاهرة تضاعفت بعد الثورة مقارنة بسنوات 2008 و2009، وهو ما أثار الهلع والخوف في المجتمع، كما كان هذا الموضوع العنوان الأبرز سنتي 2014 و2015 لوسائل الإعلام وبعض جمعيات المجتمع المدني التي حاولت دراسة الظاهرة وتقديم حلول عن طريق أخصائيين.

تشير أرقام رسمية إلى أنّ ظاهرة انتحار الأطفال في تونس تضاعفت بعد الثورة

احتلت محافظة القيروان المرتبة الأولى في نسب انتحار الأطفال، وهي محافظة وقع تهميشها في العهود السابقة للثورة وبعدها أيضًا. ويرى مراقبون أنّ "المفقّرين من أبناء المناطق المهمشة هم الضحية الأولى لظاهرة الانتحار، فهم يهربون من الفقر والحاجة إلى الموت، خاصة وأنّ الحكومات المتعاقبة بعد الثورة لم تعمل على مبدأ تكافؤ الفرص، بل عمقت الفوارق الطبقية بين الجهات كما أنّ غياب الحوار وتدهور التعليم العمومي والمنظومة التعليمية، عوامل ساهمت في تفشي هذه الظاهرة بين  صفوف الأطفال.

اقرأ/ي أيضًا:  الاكتئاب الهوسي.. الأمر ليس مزحة!

ورغم أنّ الدين الإسلامي، المذهب الرسمي للدولة التونسية، حرّم الانتحار فإنّه لا يزال حل بعض التونسيين الذين لا يرون أملًا في التغيير ولا في المستقبل، ويبدو أنّ اليأس تسرب أيضًا إلى الأطفال في تونس كما تسرب للشاب محمد البوعزيزي مفجر الثورة التونسية.

عن الانتحار لدى أطفال تونس، صرّح أستاذ علم الاجتماع فؤاد غربالي، لـ"الترا صوت": "هي ظاهرة معقدة ومتعددة الأبعاد يتداخل فيها النفسي والاجتماعي وتثير عدة تساؤلات تتعلق تحديدًا بالأسباب التي تدفع بهذه الفئة للانخراط في هذا السلوك المحفوف بالمخاطر وتتعلق المؤشرات المرتفعة المتعلقة بهذه الظاهرة من الناحية "الماكروسوسيولوجية" بتحولات يعرفها المجتمع التونسي الحالي ولعل أهم تحول هو بداية تآكل الروابط الاجتماعية، فالعائلة والمدرسة بوصفهما مؤسستان للإدماج النفسي والاجتماعي لم تعودا كذلك بل تحولتا إلى جهاز إقصائي لا يضمن الأمان النفسي والاعتراف الذي يطلبه الأطفال والمراهقون، كما أن التفاعل بين الظروف الاقتصادية الصعبة والديناميكيات النفسية للمراهقين والأطفال تدفع إلى سلوك الانتحار لدى الطفل، الذي يشعر بالإهانة وعدم تقدير الذات وغياب الاعتراف من محيطه الاجتماعي".

يرى مراقبون أنّ المفقّرين من أبناء المناطق المهمشة في تونس هم الضحية الأولى لظاهرة الانتحار

اقرأ/ي أيضًا: سل وقمل وأمراض أخرى في مدارس تونس 2016؟

ويضيف فؤاد الغربالي أنّ "مسألة الانتحار تتعلق بثقافة سلوكية جديدة لدى الأطفال وهي الذهاب نحو الخيارات القصوى وتلعب المشاعر السلبية والتصورات نحو الذات دور كبيرًا في هذا، كما أن وسائل الإعلام ساهمت في انتشار الظاهرة عبر الحديث عنها دون تفسيرها، فالأطفال يتعلمون عبر التقليد وهم يقلدون بعضهم البعض في هذا النطاق وخاصة حين تتضافر عوامل اجتماعية هشة مع العوامل النفسية".

وحول بعض الحلول التي يجب اتخاذها لمكافحة ظاهرة الانتحار، تحدث الأستاذ غربالي لـ"الترا صوت"، عن دور المؤسسات الاجتماعية والتربوية إذ عليها، حسب رأيه، أن "تغير مقارباتها التربوية حتى تدفع بالأطفال إلى تحقيق الذات من خلال الأفكار الإيجابية، لعبت للأسف المدرسة دورًا في تفشي هذه الظاهرة وذلك من خلال تحولها إلى جهاز إقصاء وتكريس للصورة السلبية للذات وهذا ما يفترض إعادة النظر فيه وفي السياسات التعليمية والتربوية بضفة عامة والعمل على تحويل المدرسة إلى فضاء حياة".

تفضح ظاهرة انتحار الأطفال بؤس الواقع التونسي، وإلى أي مدى ما وصل انهيار القيم بعد انهيار الاقتصاد وتردّي الأوضاع الاجتماعية وهو ما يجعل المسؤولية مضاعفة على الحكومة التونسية التي يبدو أنّها لم تنتبه إلى اليوم إلى خطورة هذه الظاهرة.

اقرأ/ي أيضًا:

برك أم النصر مصائد موت للأطفال

في المغرب.. طلبة مشرّدون