11-أغسطس-2015

عادةً ما يصيب الاكتئاب الهوسي الفنانين والعباقرة (Getty)

عندما يتحكم اضطراب المزاج بالسلوك الشخصي، فيتحول الحزن إلى فرح بلا مبرر، ويصير الفرح يأسًا بدون سبب، وعندما يشعر صاحب الحالة بازدواجية تخرج عن السيطرة، هذا يعني أنه مصاب بعوارض "اضطراب المزاج ثنائي القطب" أو "الاكتئاب الهوسي".

يصيب الاضطراب ثنائي القطب ما نسبته 5-8٪ من البالغين من النساء والرجال

يقول يحيى البالغ (32 عامًا)، وهو طالب ما زال يكمل دراسته العليا، في معرض حديثه عن إصابته بهذه المرض، ومنذ اكتشافه الأمر، أنه "لديه حالة من الهوس الشديد لممارسة الجنس مع الخادمات، والنساء اللواتي يكبرنه سنًا". يتعدى الأمر ذلك، وأحيانًا يرغب بممارسة الجنس مع أقاربه. يجلعه الأمر متوترًا دائمًا، لأن العلاقات الطبيعية لا تستهويه إطلاقًا. ويعقب "اعتدت على مشاهدة الأفلام الإباحية في صغري، ولدي شغف لتطبيق كل ما طبع في ذاكرتي حتى لو لم يكن مألوفًا". يحيى يعاني، لكنه يعترف بمرضه.

أما يوسف، فيصمت قليلًا، قبل أن يبدأ الحديث محاولًا استعادة ذكريات مر عليها الزمن. يتجنب النظر، ويقول مطأطأ رأسه، كمن يسترجع هزيمًة كبيرة: "أحببتها كما لم يحب أحد من قبل، كنت مستعدًا لفعل أي شيء يرضيها، كنت أعيش لأجلها وما بيني وبينها...". يسرد سلسلةً من الجمل العاطفية الرتيبة، ويختم حديثه بالقول إنه حاول الانتحار أكثر من مرة بعدما عرف أنه مصاب بالاكتئاب الهوسي، وأن الأمر لم يعد مزحة، أو خيبة أمل عاطفية عابرة. حتى أن عائلته وضعت له ممرضة لا تفارقه، تلازمه كظله، وتحرسه من رغبات الرحيل. أما ندى، التي لديها من العمر 47 عامًا، تعمل مهندسة للديكور، في إحدى المؤسسات المتطورة، فتعترف أنها  لم تدرس الطب في الجامعة الأمريكية في بيروت، لما يحتاجه هذا الاختصاص من مثابرة وجهد وتركيز، بينما لا تستطيع توفير هذا كله، إذ تلاحقها نوبات المرض باستمرار، فضلًا عن الآثار الجانبية للدواء الذي كانت تتناوله، ما دفعها لاختيار هندسة الديكور، التي تتطلب تركيزًا أقل، وتورطًا أقل في حيوات الآخرين. 

 بين عوامل الوراثة والتأثيرات الخارجية، التي تنتج اضطراب المزاج ثنائي القطب، يبقى هذا المرض النفسي شديد الخطورة، من حيث انعكاساته وما يتركه من أثر سلبي على المبتلي به، وعلى محيطه القريب والبعيد. الأمراض النفسية التي تجتاح البشرية في عصر التحولات والأزمات والحروب تفرض بكل الأحوال تعاطيًا مختلفًا في أساليب علاجها، وفي جدية المريض بإظهار إرادة حقيقية وجدية للتغلب عليها، تفاديًا للاستسلام لها، وهو ما يحدث مع غالبية مرضى اضطراب المزاج ثنائي القطب. وثمة من يقول بأن مشاهيرًا كثرًا، كتشرشل، موزار، فرجينيا وولف، لورد بيرون، بيتهوفن، كرت كوباين، وشارلز ديكنز، كانوا مصابين بهذا المرض. ذلك رغم أن الأبحاث تطورت ووصلت إلى تحديد عوارض هذا المرض الجدّية من بعدهم، ما يعني أن مثيرين يمكن أن يكونون مصابين به، من دون أن يعرفوا ذلك.

إذا كان أحد الوالدين يعاني من الاضطراب ثنائي القطب، فإن 25% من أبنائه قد يصاب بأحد أشكال الاضطراب

ويقول أطباء، أنه يصعب على الشخص العادي ملاحظة أعراض هذا المرض النفسي، لما يشوبه من تعقيدات يصعُب فهمها، فهي أعراض غير ثابتة وتختلف من شخص لآخر، فأنواع الأعراض وأشكاله ومستوياته متغيرة. وقد تستمر الحالة لمدة أسبوع على الأقل، تترواح بين التشتيت وفقدان القدرة على التركيز، التردد في اتخاذ القرارت، التقلب والصعوبة في النوم، الشعور بطاقة وفرح شديد أو اكتئاب شديد إضافة إلى استحواذ الأوهام والهلوسة على معظم قرارات المصاب، ما يدفعه للتصرف بتهور من دون التفكير بالعواقب.

ويؤكد الطبيب المختص بالأمراض النفسية مروان حداد بأن "هذا اضطراب ثنائي القطب يصيب ما نسبته 5-8٪ من البالغين من النساء والرجال، و3٪ في لبنان فقط"، شارحًا أن "الدراسات الأخيرة أشارت إلى أن أكثر من 85% من الحالات في المجتمع اللبناني تجهل أنها مصابة بهذا المرض"، وعند سؤاله عن الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة يقول "عادةً ما يصيب هذا المرض الفنانين والعباقرة من كتاب، رسامين، موسيقيين.. إلخ"، أي الأشخاص الذين يعانون من تقلبات حادة في المزاج، لذلك سمي بمرض العباقرة. أما فيما يتعلق بنسبة انتقال المرض وراثيًا فيشرح حداد "إذا كان أحد الوالدين يعاني من الاضطراب ثنائي القطب، فإن 25% من أبنائه قد يصاب بأحد أشكال الاضطراب، وفي حال كان الأبوان كلاهما مصابًا باضطراب وجداني ثنائي القطب فإن هذه النسبة ترتفع إلى 50%- 75%".