05-يناير-2016

(كرم المصري/أ.ف.ب/Getty)

في مدينة حلب التي كانت عاصمة الاقتصاد السوري قبل أن تحولها الاعمال العسكرية العنيفة التي شهدتها إلى مدينة فقيرة بكل وسائل الحياة الآمنة، تغير النمط الاقتصادي للمدينة وتبدل نمط تدبير الحاجات اليومية للأهالي. أدى تغيّر طبائع العادات الاستهلاكية إلى غياب العديد من المهن والحرف، لتحل محلها مهن جديدة وُلدت من رحم الحاجة للتكيف مع الوضع المعيشي والانساني الراهن.

بيع ونقل المياه للمنازل

مع استمرار أزمة المياه في مدينة حلب الممتدة منذ أكثر من عامين، انتشرت آبار المياه بشكل كبير في مختلف الأحياء الحلبية. فلا يكاد يخلو حي من بئر أو اثنين، غالبًا ما يتم حفرها في الجوامع أو الكنائس، حيث يصطف الناس في طابور طويل لتعبئة (غالونات) بلاستيكية، حرص الحلبيون على اقتنائها خصيصًا لهذا الغرض. لكن نقل هذه الغالونات للمنزل مشقة لا يقدر عليها البعض، ولاسيما إن كانوا من كبار السن. لذلك وجد الكثيرون وخاصةً الشبان الصغار في هذا الأمر مهنة جديدة لكسب الرزق، عن طريق نقل المياه للناس على عربات خشبية مقابل أجر مادي يختلف باختلاف عدد الغالونات المنقولة والمسافة المستغرقة للوصول لبيت الزبون.

وفي تطور شهدته مهنة نقل المياه انتشرت صهاريج تجوب الشوارع لتعبئة الخزانات للأهالي، كما يمكن الحصول على هذه الخدمة عن طريق الطلب عبر الهاتف، حيث تبلغ كلفة تعبئة خزان سعته متر مكعب واحد 3000 ليرة سورية.

مع استمرار أزمة المياه في مدينة حلب انتشرت آبار المياه بشكل كبير في مختلف الأحياء الحلبية

تجارة الأمبيرات

وبما أن الكهرباء أصبحت في مخيلة الحلبيين ترفًا من الماضي ومن ذكريات الزمن الجميل قبل الحرب، انتشرت المولدات الكهربائية بشكل كبير في أحياء المدينة. ومع الوقت أصبحت تجارة الآمبيرات رائجة ومصدر رزق للكثيرين. لا تخضع لرقابة حكومية: يقوم شخص بشراء مولدة كبيرة ويقوم بتوصيل كابلات لكل بيت حسب حجم الانفاق الذي يحدده المستهلك، وتتم تغذية المشتركين بالكهرباء لعدد معين من الساعات خلال اليوم الواحد، والتي تُقسم غالبًا إلى فترتين، الصباحية من التاسعة صباحًا وحتى الواحدة ظهرًا، والفترة المسائية من الخامسة مساءً وحتى الحادية عشرة ليلاً. وتتراوح تكلفة خط الآمبير الواحد إسبوعيًا ما بين (800- 1000) ليرة سورية حسب ارتفاع أو انخفاض سعر مادة المازوت.

يسيطر النظام على القسم الغربي من حلب بينما تسيطر المعارضة على القسم الشرقي من المدينة

شوفير باص (حلب – حلب)

حلب التي انقسمت منذ اندلاع الاعمال العسكرية فيها إلى شطرين، شرقي تحت سيطرة المعارضة وغربي تحت سيطرة قوات النظام، بات التنقل بين قسميها يتطلب رحلة شاقة قد تتجاوز الـ 12 ساعة في بعض الأحيان. هذا عدا عن مخاطر الطريق كونه يمر على نقاط تفتيش تابعة لتنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، وهي الأخطر طبعًا، وأخرى للجيش الحر وثالثة لقوات بشار الأسد. إلا أن حاجة البعض للتنقل بين المنطقتين كطلاب الجامعات أو للتجارة ونقل مواد غذائية قد تكون متوافرة في جزء دون آخر، دفع البعض للعمل كسائق على خط حلب – حلب.

هذا نوع جديد من المهن التي لم يكن يعرفها سائقو حلب سابقًا. حيث يخرج سائق الحافلة من المنطقة الشرقية صباحًا بعد أن يكتمل عدد الركاب ويعود في اليوم الثاني من المنطقة الغربية ومعه مسافرين آخرين. ورغم خطورة الطريق التي قد تصل لحد الاعتقال في بعض الأحيان لاسيما عند نقاط تفتيش التنظيمات المتطرفة، إلا أن الكثيرين وجدوا في هذا الأمر مصدر رزق يعينهم على ارتفاع تكاليف المعيشة. وتبلغ كلفة الرحلة 3000  ليرة سورية وقد ترتفع مع ارتفاع أسعار الوقود.


الإغاثة كمهنة!

نتيجة المأساة الإنسانية والمعيشية التي تعرض لها سكان هذه المدينة، انتشر بين فئة الشباب تحديدًا مفهوم العمل الإغاثي أو التطوعي. بدأت القصة في مدارس النازحين ومن ثم تطورت لهيئات وجمعيات تهتم بدعم النازحين والمواطنين بشكل عام. وبغض النظر عن الأجور التي يتقاضاها العاملون في الحقل الإغاثي ــ الكثير منهم يعمل بشكل تطوعي بدون مقابل مادي ــ إلا أن هذا القطاع شهد اقبالًا كبيرًا من قبل الشباب في السنتين الماضيتين. حيث يرى البعض فيها وسيلة للتعبير عن رغبتهم في خدمة بلدهم بدلًا من الالتحاق بساحات القتال والحرب.

إقرأ/ي أيضًا:
وادي الهوتة.. داعش يكمل ما بدأه الأسد
بردى النهر، بردى الزجاج.. لكل سوريّ عطش