24-يناير-2018

ارتفاع معدلات نمو الاقتصاد العالمي حاليًا لا تعني ازدهارًا طويل الأمد (Getty)

في الوقت الحالي، يتفق الكثيرون على أنّ الاقتصاد العالمي آخذ في التنامي، لكن مع ذلك، ليس واضحًا تمامًا ما يعنيه ذلك بالنسبة للمستقبل، وهذا ما يوضحه تقرير نشرته صحيفة "ذا وورلد ويكلي"، ننقله لكم مترجمًا في السطور التالية.


دائمًا ما تصعد فترات الركود الاقتصادي إلى قمة أولويات الأجندات العالمية، وهو أمر طبيعي لابد منه. إذ إن ذلك الانكماش ما هو إلا إشعار تذكير فاتر، بمدى هشاشة انتظام تنامي الرخاء الاقتصادي الذي يتمتع به العصر الحديث. وغالبًا ما يوفر دروسًا لا تُنسى لأولئك الذين يسعون للعودة من جديد إلى وضع الاستقرار الاقتصادي، بعد ما ألم به من أزمة. فليس من السهل أن نعرف ما الذي يجب علينا فعله في الأوقات الجيدة، أو حتى عندما تبدأ هذه الأوقات.

حقق النمو العالمي خلال عام 2017، زيادة 0.5% بإجمالي 3.6%، بعد أن كانت نسبته في 2016 قد وصلت إلى 3.1%

ونادرًا ما تتفق آراء الاقتصاديين، لاسيما في أوقات عدم التأكد. فعلى الرغم من تزايد علامات استعادة النمو خلال العام الماضي، وبعد عدد ليس بقليل من مشاكل التباطؤ الاقتصادي التي حملها عام 2016، تجاسر القليلون مبشرين ببداية حدوث تعافٍ اقتصادي عالمي حقيقي.

اقرأ/ي أيضًا: فك الارتباط بين النمو الاقتصادي وانخفاض سعر النفط

ومع مرور شهر تلو الآخر، بدأت جهات مراقبة الاقتصاد العالمي تتوافق على أنها كانت حركة صاعدة قوية، تمتعت بها جميع المناطق الرئيسية في العالم. وقد خلص التقرير نصف السنوي لصندوق النقد الدولي الذي صدر في تشرين الأول/أكتوبر من العام السابق، إلى أن نسبة النمو العالمي خلال عام 2017 بلغت في مجملها 3.6% وهي النسبة التي أكدتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في الشهر التالي.

من الناحية الرقمية البحتة، قد تبدو هذه الزيادة عند مقارنتها بالعام السابق، والذي شهد نموًا بنسبة 3.1%، ليست بالنسبة الكبيرة التي تستوجب الاحتفال. إلا أن ما شهده عام 2016 من صعوبات جمة، والتي جعلت كثير من المناطق تبدو ضعيفةً بما فيه الكفاية على أن تعاود من جديد تحقيق معدلات النمو الجيدة التي تميزت بها على مدار السنوات السابقة؛ يجعلها نسبةً معقولة.

فعلى الرغم من الملامح الضبابية على تعافي منطقة اليورو في أحسن الحالات، كانت توقعات النمو الأكثر ضعفًا في الولايات المتحدة الأمريكية وحالة عدم اليقين التي خيمت على استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ كافيةً لزعزعة الثقة في توقعات التعافي الاقتصادي في عام 2016. كما شهدت الاقتصاديات الناشئة حظوظًا مختلطة إلى حدٍ كبير، تنوعت بين خيبة الأمل التي أصابت الطموحات المرتفعة لذلك العام في الهند، بعد إلغاء رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، بعض الفئات النقدية بنهاية عام 2016، ومرور منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا بأبطأ نمو اقتصادي لها منذ أكثر من عقدين من الزمان.

وانكمشت كثير من الاقتصاديات الكبرى، فقد عانت البرازيل من أسوأ ركود اقتصادي لها في التاريخ، كما شهدت الدول المجاورة لها مثل الأرجنتين، أسوأ تراجع في تاريخها. وتقلص الاقتصاد الروسي بعض الشيء في ظل كفاحها للتغلب على الضائقة الاقتصادية الناجمة عن انهيار أسعار النفط عام 2014. في المجمل، يُمكن القول إنه قد تبين أن الاقتصاد العالمي قد شهد ما هو أسوأ مما يتنبّأ به صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي.

على الجهة الأخرى، من الواضح أن الوضع الاقتصادي الحالي يشهد تحسنًا ملحوظًا ومتزامنًا في المناطق الاقتصادية الرئيسية من العالم، وهي إشارة هامة في الاقتصاد العالمي، والذي لم يتوانى عن النمو بشكل مترابط، على الرغم من حدوث ذلك في خضم ما يصفه البعض بتصدٍ للعولمة.

وينظر علماء الاقتصاد إلى السنوات القادمة بمزيد من التفاؤل. فقد شهدت توقعات النمو لصندوق النقد الدولي صعودًا خلال الأشهر الستة الماضية، موثقة بدلائل إيجابية من جميع أنحاء العالم.

واستعاد الاقتصاد الأمريكي حيويته بسرعة كما اعتاد دونالد ترامب أن يذكر العالم بذلك، وقد بلغ مؤخرًا أسرع معدل نمو له خلال السنوات الثلاث الماضية. ويتوقع الكثيرون في الوقت الراهن أن تتفوق الولايات المتحدة في أدائها الاقتصادي على ما تنبأ به صندوق النقد الدولي في تشرين الأول/أكتوبر الماضي بمعدل نمو لعام 2018 تبلغ نسبته 2.3%.

كما تفوقت الصين كافة التوقعات، عبر تسجيل أقوى أداء سنوي لها خلال عامين، إذ حققت البلاد معدل نمو بنسبة 6.9%، وهو أقل من المعدل المعتاد الذي يبلغ 10%، إلا أنه يظل أفضل من التباطؤ الحاد الذي توقعه لها البعض.

واعتبر أداء الصين الاقتصادي المتواضع، دليلًا على تحول البلاد إلى نمو أكثر استدامة. فقد جاءت المعدلات الاقتصادية الأخيرة على الرغم مما تبذله حكومة الرئيس شي جين بينغ من تحقيق نمو ائتماني في ظل تباطؤ اقتصادي كبير. وتشير بعض التقديرات إلى أن نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في الصين قد انخفض في النصف الأول من عام 2017 للمرة الأولى منذ عام 2011.

وفي منطقة اليورو، فقد بدأت عجلة التعافي الاقتصادي في الدوران أخيرًا، بل إن الاقتصاد اليوناني بدأ في النمو حاليًا بعد عقد من الكساد. إذ بلغت مؤشرات القطاع الصناعي أعلى معدل لها خلال الشهر الماضي.

وقد خرجت روسيا من منطقة الخطر بتحقيق معدل ارتفاع في الناتج القومي الإجمالي بنسبة 1.9%، فيما بلغ معدل النمو في تركيا خلال الربع الأخير من عام 2017 ما نسبته 11%. ونهضت كل من البرازيل والأرجنتين من كبوتهما، ويتوقع الكثيرون أن تتفوق الدولتان في أدائهما الاقتصادي على توقعات صندوق النقد الدولي السابقة، والذي تنبأ لهما بمعدلات نمو خلال عام 2018 بنسبة 1.5%.

المخاطر المزمنة

ربما لا ينجرف الاقتصاديون في توقعاتهم بقدر ما يتفقون عليه. فقد سلط الكثيرون منهم الضوء على المخاطر المزمنة لكثير من هذه البلدان، وطالبوا صانعي السياسات "بطرق الحديد وهو ساخن".

يرى العديد من الاقتصاديين أنّ زيادة معدلات النمو التي يعرفها العالم الآن، قد لا تستمر مُستقبلًا بسبب ضعف مستويات الإنتاجية

يقول أنخيل باسكويل رمزي، مدير المخاطر العالمية بمركز الاقتصاد العالمي والجيوسياسي في مدرسة "ESADE" لإدارة الأعمال بمدريد، إنّه "من الواضح أن العام القادم سوف يتميز بالنمو العالمي"، مُستدركًا: "إلا أنه من الوارد جدًا حدوث أمور لا يمكن للفرد أن يتوقعها"، مُؤكدًا: "هناك خطر يأتي مصاحبًا للتهاون".

اقرأ/ي أيضًا: مستقبل الديمقراطية والرأسمالية.. بربرية التضليل

وكان لحالة عدم التأكد السائدة خلال عام 2016 عواقب اقتصادية هامة، والتي قد تستمر مستقبلًا، فقد حافظت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واليابان على استمرار برامج الحوافز المالية، ومعدلات الفائدة عند أدنى مستوياتها، كي لا تتعرض لخطر الانتعاش الكاذب، ما يزيد من أعباء الديون.

ويرى الكثيرون من وجهة نظرهم أن ذلك كان أحد أسباب ضعف مستويات الإنتاجية التي أعاقت نمو الاقتصاديات المتقدمة. إذ يتيح سهولة الحصول على الأموال فرصة أمام الشركات الضعيفة، أو ما يُعرف بشركات "الزومبي" للبقاء على قيد الحياة، ما يقلل من مستوى الإنتاجية، ويقلص موارد الشركات الأعلى إنتاجية.

بينما يرى البعض الآخر أن النمو الذي تشهده العديد من الاقتصاديات المتقدمة في الوقت الراهن، لن يستمر إلا من خلال استمرار تطبيق معدلات الفائدة شديدة الانخفاض، ما يثير شكوك حول مدى صحة تطبيق ذلك. إذ إن الانفراجة الاقتصادية التي تشهدها الولايات المتحدة في الوقت الراهن بعد شهور قليلة من ثاني أطول ركود اقتصادي في التاريخ الأمريكي؛ تأتي مصاحبةً لنمو رخو في الإنتاجية، وهو ما يصفه البعض بأنه فقاعة في أسعار الأصول.

أدت مثل هذه المخاوف إلى بروز توقعات شديدة الاختلاف لمستقبل الاقتصاد العالمي، فقد جاء تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الصادر في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بنمو طفيف في توقعاته المرتقبة للاقتصاد العالمي لعام 2018، إلا أن معظم هذا التغيير نُسب السبب فيه إلى الاقتصاديات الناشئة.

فمن المتوقع أن يظل معدل نمو الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، عند نسبة 2.4%، بينما يرتفع معدل نمو الدول غير الأعضاء في المنظمة إلى ما بين 4.6% و4.9%. أما معدلات نمو ما بعد عام 2018، فمن المتوقع أن تنخفض عن ذلك قليلًا في جميع أنحاء العالم.

يشير باسكويل رمزي إلى أن التوترات السياسية الأساسية ربما تعود لتؤثر سلبًا، إذ إن التفاوت الاقتصادي يعني "عدم توزيع مستويات النمو الصحية بشكل منصف"، مُضيفًا: "وهو ما يؤدي إلى انتخاب الأحزاب الشعبوية، أو على الأقل إجبار الأحزاب الرئيسية على اتخاذ مسلك أكثر شعبوية".

ويحذر باسكويل رمزي أيضًا من تداعيات "التفتت الجيوسياسي"، الناجم عن "تزايد استخدام الدول للأدوات الاقتصادية والتجارية في تشكيل الصراعات"، وتطبيق إجراءات حمائية مثل فرض العقوبات، والتعريفات الجمركية بشكل مضطرد، مُؤكدًا أنّ "هذه النزعة الهيكلية لا يمكن التخلي عنها".

وفي حين أن هناك ضرورة ماسة لرفع مستويات المعيشة في الاقتصاديات النامية، فإن النمو على المدى الطويل لا يعتبره الجميع هو الهدف النهائي، إذ يرى البعض أن مستويات المعيشة المرتفعة التي تمتعت بها الأجيال السابقة في الاقتصاديات النامية، هي ببساطة غير واقعية، أو حتى غير مرغوب فيها، إذا ما أُخذ في الاعتبار الآثار المُحتملة للنمو الاقتصادي على البيئة.

وترى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن هذه العقبة من الممكن التغلب عليها من خلال اتباع "السياسة الصحيحة"، إذ يقول تقرير المنظمة: "يمكن لبعض التغييرات في سياسات المعاشات التقاعدية وما توفره لنشأة وظائف ذات مدة أطول، وزيادة مشاركة المرأة، أن يعوض كثيرًا آثار من الخلل الديموغرافي على الناتج المتوقع". بل أكثر من ذلك، إذ يمكن أن يؤدي إقامة الأنواع المناسبة من الاستثمارات إلى رفع مستويات المعيشة بما يتسق مع التزامات التغير المناخي.

يحذر اقتصاديون من تداعيات "التفتت الجيوسياسي" الناجم عن تزايد استخدام الحكومات للأدوات الاقتصادية والتجارية في الصراعات 

ولكن على الرغم من ذلك، يبدو أن صانعي السياسات أكثر ضعفًا تجاه العالم الذي يحيط بهم، فقليلٌ منهم فقط يهتم بإعادة تكرار دورات لا نهائية من الازدهار والكساد، وبالتالي، يستمر السباق منعقدًا حول تحقيق أفضل ازدهار اقتصادي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لماذا يجب أن يقلق العالم من ازدياد قوة الدولار؟

هل ستسقط "الاقتصادات الصاعدة"؟