11-ديسمبر-2024
بشار الأسد

فرّ بشّار الأسد من سوريا مخلفًا وراءه اقتصادًا منهارًا (رويترز)

مع سقوط نظام بشار الأسد، يواجه الاقتصاد السوري تحديات هائلة تركت أثرًا عميقًا على مختلف القطاعات، مما يجعل التعافي بعيد المنال. ويرجع ذلك إلى السياسات الاقتصادية التي أشرف عليها نظام الأسد، والتي تسببت في انهيار غير مسبوق للاقتصاد، إلى جانب استمرار الفقر المدقع وانتشار الفساد.

انكماش اقتصادي كبير

وبحسب بيانات نشرتها وكالة "الأناضول"، شهد الناتج المحلي الإجمالي السوري انخفاضًا بنسبة 85٪ بين عامي 2011 و2023 ليصل إلى 9 مليارات دولار فقط، مع توقع انخفاض إضافي بنسبة 1.5٪ هذا العام. كما تراجع الاستهلاك الخاص بشدة، حيث يعاني حوالي 69٪ من السكان، أو نحو 14.5 مليون شخص، من الفقر، وفقًا لتقارير البنك الدولي.

وفي عام 2011، كان الناتج المحلي الإجمالي يصل إلى 67.5 مليار دولار، لكنه انخفض إلى 9 مليارات دولار فقط بحلول العام الماضي، وفقًا للبنك الدولي، ما وضع سوريا في مرتبة متأخرة على مستوى العالم. وقد حدث ذلك تزامنًا مع العقوبات الدولية، ونزوح ملايين السوريين، وتدمير البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك الكهرباء والنقل والصحة.

يواجه الاقتصاد السوري تحديات هائلة تركت أثرًا عميقًا على مختلف القطاعات، مما يجعل التعافي بعيد المنال

 

انخفض إنتاج النفط السوري من 383 ألف برميل يوميًا في عام 2011 إلى 90 ألف برميل يوميًا العام الماضي، بينما تحولت سوريا من دولة مصدّرة إلى مستوردة للنفط، معتمدة بشكل كبير على الواردات الإيرانية التي تضاعفت قيمتها بين عامي 2020 و2023. علمًا أن النفط كان يمثل ربع واردات الحكومة السورية قبل اندلاع الثورة.

وتقلصت الأراضي الزراعية المزروعة بنسبة 25٪ مقارنة بعام 2011، حيث يعاني المزارعون من نقص في البذور والأسمدة وقطع الغيار. كما انخفضت صادرات سوريا بنسبة 89٪ لتصل إلى أقل من مليار دولار، بينما تراجعت الواردات بنسبة 81٪ لتبلغ 3.2 مليار دولار.

وتراجعت قيمة الليرة السورية مقابل الدولار بمقدار 270 ضعفًا منذ عام 2011، مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية. كما انخفضت إيرادات الحكومة بنسبة 85٪، مما اضطر النظام إلى تقليص نفقاته بنسبة 87٪ عام 2023 مقارنة بعام 2010.

اقتصاد الكبتاجون: مصدر الإيرادات الرئيسي

برزت تجارة المخدرات، خاصة الكبتاجون، كمصدر رئيسي للدخل، حيث حققت أرباحًا تصل إلى 5.6 مليار دولار بين عامي 2020 و2023، أي ضعف عائدات الصادرات القانونية لسوريا. وقد تورطت جهات مرتبطة بالنظام في إنتاج المخدرات وتصديرها.

الفقر المدقع وثروة عائلة الأسد

وفي الوقت الذي يواجه فيه الشعب السوري مستويات غير مسبوقة من الفقر، تشير تقارير إلى أن ثروة عائلة الأسد تصل إلى مليارات الدولارات، مخبأة في حسابات مصرفية خارجية. بينما فقدت العملة السورية قيمتها بشكل كبير، ما أدى إلى تضخم مفرط وارتفاع كبير في الأسعار، في حين يعيش أكثر من 50٪ من السكان في فقر مدقع، غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية، وفقًا للمركز السوري لبحوث السياسات.

التعافي في مرحلة ما بعد الأسد

وحسب تقرير لشبكة "دويتشه فيله"، يتوقع مراقبون أن سوريا ستحتاج إلى 10 سنوات لاستعادة مستويات الناتج المحلي الإجمالي لعام 2011، وما يصل إلى عقدين لإعادة بناء البنية التحتية. ومع ذلك، يعتمد ذلك بشكل كبير على وضوح الوضع السياسي في البلاد، لا سيما مع تشكيل المعارضة السورية لحكومة انتقالية جديدة.

وبينما لا تزال العقوبات المفروضة على سوريا وهيئة تحرير الشام قائمة، تسعى بعض الأطراف الدولية إلى تقييم كيفية التعامل مع الحكومة الجديدة. وقد صرّح الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن واشنطن ستعمل مع جميع المجموعات السورية لتسهيل انتقال سياسي بعيدًا عن نظام الأسد.

خطوات عاجلة لإنقاذ الاقتصاد

وثمة خطوات عاجلة لإنقاذ الاقتصاد السوري، وتشمل الأولويات المباشرة إعادة الاستقرار إلى محافظة دير الزور الغنية بالنفط، وبدء إعادة الإعمار في المدن المتضررة كحلب والرقة. كما دعت وزارة النفط السورية العاملين للعودة إلى أماكن عملهم، مشيرة إلى توفير الحماية اللازمة.

وبالتزامن، ينبغي على الأمم المتحدة والمنظمات الدولية أن تستمر في توفير المساعدات الإنسانية العاجلة، حيث تواجه سوريا مرحلة حرجة قد تحدد مستقبلها لعقود قادمة. يبقى التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار مرهونين بقدرة المجتمع الدولي على تقديم الدعم، وبالاستقرار السياسي الذي قد يصبح واقعًا.