30-يونيو-2019

تخرق واشنطن قوانينها لتمرير صفقات تصدير السلاح للسعودية (Getty)

مع انقضاء قمة العشرين، والتجنب الممنهج للصراعات السياسية في الشرق الأوسط، التي تقودها دول خليجية حليفة لواشنطن هي السعودية والإمارات، في الاجتماع الدولي الذي بدا وكأنه بازار لصفقات الأسلحة، يبدو أن مسارًا كاملًا من الاستثناءات، صار جزءًا من سياسات الولايات المتحدة وبريطانيا مع الدولتين الخليجيتين المناهضتين للديمقراطية في الوطن العربي، من ناحية غض النظر عن الانتهاكات الحقوقية، والاستمرار بتصدير الأسلحة لهما.

استثنت الولايات المتحدة وبريطانيا المملكة العربية السعودية من الكثير من القوانين الدولية والمحلية التي تحظر تصدير السلاح إلى مناطق يتم فيها ارتكاب الكوارث الإنسانية

استثنت الولايات المتحدة وبريطانيا المملكة العربية السعودية من الكثير من القوانين الدولية والمحلية التي تحظر تصدير السلاح إلى مناطق يتم فيها ارتكاب الكوارث الإنسانية. لكن المال السياسي السعودي اشترى "تجاوز" البلدين الكبيرين لكثير من القوانين الدولية والمحلية، فيما وفرت إدارات البلدين غطاءً دبلوماسيًا وقانونيًا لوقت طويل لشرعنة بيع السلاح وتمرير القوانين المتعلقة بصفقات تصدير الأسلحة الضخمة.

اقرأ/ي أيضًا: ابن سلمان يستخدم سلاح المجاعة لتدمير اليمن.. نازيّة جديدة والجوقة تصفّق!

الاستثناءات الأمريكية للسعودية.. سوابق وحجج واهية!

كعادتها المثيرة للجدل، قافزة فوق القوانين الأمريكية والدولية، أعلنت الإدارة الأمريكية قبل فترة، منع إدراج السعودية على القائمة الأمريكية للدول التي تستخدم الأطفال جنودًا، رافضة ما توصل إليه خبراء من أنها تستخدم القصّر للقتال في الحرب الأهلية الدائرة في اليمن، حسبما أوردت رويترز.

قرار يُنحي حقوق الإنسان جانبًا، وكذا القوانين الأمريكية التي تحظر دعم الجيوش التي تجند الأطفال بين جيوشها، ويضع المصلحة الاقتصادية كأولوية على حقوق الإنسان، ويعكس توجهًا صار معروفًا داخل إدارة دونالد ترامب، التي تستغل حجة الوضع الإقليمي المشتعل في اليمن والتوتر المتصاعد مع إيران، لتمرير صفقات أكثر.

غير أن هذه ليست المرة الأولى التي تتعامل فيها الولايات المتحدة بشكل يستثني السعودية من قوانين مهمة، ففي الشهر الماضي، تخطى ترامب اعتراضات الكونغرس الأمريكي وأقر بيع أسلحة بثمانية مليارات دولار للسعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن،  بحجة أن هناك حالة طوارئ وطنية بسبب التوتر مع إيران.

وقتها، مضت إدارة ترامب قدمًا في 22 صفقة أسلحة مع الدول الثلاث، وهو ما أثار موجة من الغضب في الكونغرس إثر تجاهل الإدارة مراجعته لمثل تلك المبيعات، وهو الإجراء المتعارف عليه دومًا.

أعضاء الكونغرس اقترحوا تصويتًا هذا الشهر على تشريع يسعى إلى عرقلة خطة الرئيس دونالد ترامب لاستكمال مبيعات الأسلحة إلى الدول العربية الثلاث. وقد جاءت نتائج التصويت بما يشكل تحديًا لترامب حيث صادق مجلس الشيوخ الأمريكي على قرار ضد تمرير صفقة السلاح إلى السعودية والإمارات التي أقرتها مؤخرًا إدارة رجل الأعمال الذي يتزعم البيت الأبيض، وصوت 53 من الأعضاء مقابل 45 لصالح مشروع القانون، في ثلاث جولات متتالية، في تعبير جلي عن غضب أعضاء الكونغرس في الحزبين إزاء الخطوة التي رأوا فيها تعطيلًا لصلاحيات المؤسسة التشريعية في إقرار صفقات السلاح مع الدول الأجنبية.

الأطفال والنزاعات المسلحة.. حين تستغل الحرب الطفولة لصالحها

يُعرّف مؤتمر باريس، الذي عُقد عام 2007 بالتعاون مع اليونسيف، الطفل المجند في الحرب على أنه الطفل المرتبط بقوة أو جماعة مسلحة ويقل عمره عن 18 عامًا، والذي يتم تجنيده أو استخدامه من قبل قوة مسلحة أو جماعة مسلحة بأية صفة، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر الأطفال والفتيان والفتيات، المستخدمين كمقاتلين أو طهاة أو حمالين أو كجواسيس أو لأغراض جنسية.

وفي عام 2014 وبالاشتراك مع اليونسيف، أُطلقت حملة "أطفال و ليسوا جنودًا" كمحاولة لتحقيق توافق عالمي في الآراء بأنه لا ينبغي استخدام الجنود الأطفال في الصراع، كما تم إطلاقها لغرض خلق زخم وتوليد الإرادة السياسية لإنهاء تجنيد الأطفال من قبل قوات الجيوش الوطنية في حالات الصراعات والحروب.

وفي وقت إطلاق تلك الحملة، كانت البلدان المعنية بالحملة هي أفغانستان، تشاد، جمهورية الكونغو الديمقراطية، ميانمار، الصومال، جنوب السودان، السودان واليمن. حضر ممثلو كل دولة من هذه الدول حدث الإطلاق وأعربوا عن دعمهم الكامل لها.

و بالنسبة للحرب في اليمن فقد أشار مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز العام الماضي، إلى أن المملكة العربية السعودية جندت عشرات الآلآف من الميليشيات السودانية في اليمن كثير منهم أطفال، كما أشار المقال الذي شمل مقابلات مع العائلات التي دخل أبناؤهم كمجندين في الحرب، إلى أن أعمار الأطفال المجندين جوار قوات التحالف في اليمن كانت بين 14- 17 عامًا، وأن نسبتهم كانت تتجاوز الـ40% من الواحدات المقاتلة.

ترامب وإدارته يعملون ضد القانون الأمريكي

في الولايات المتحدة الأمريكية تم التوقيع على قانون منع الجنود الأطفال لعام 2008، ليصبح قانونًا في 23 كانون الثاني/ديسمبر من نفس العام، وساري المفعول في 21  حزيران/يونيو عام 2009 ، وتصبح الحكومات التي تستخدم الأطفال في النزاعات، ممنوعة من التعليم والتدريب العسكري الدولي، والتمويل العسكري الأجنبي، كما حظرت إصدار تراخيص للمبيعات التجارية المباشرة للمعدات العسكرية لمثل هذه الحكومات. 

كما تخضع الدول التي تقوم بهذه الممارسات للملاحظة المباشرة من قبل موظفي الحكومة الأمريكية والبحوث والتقارير الموثوقة من مختلف كيانات الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية، والمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية، ووسائل الإعلام الدولية، وهو ما ينطبق تمامًا على الحالة السعودية التي قام بومبيو باستثنائها.

وستصدر قائمة الدول التي تستخدم الأطفال جنودًا ضمن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية السنوي العالمي بشأن الاتجار بالبشر، هذا بخلاف الذي نُشر العام الماضي، و الذي يتم إصداره كل عام و يتم تجديد حذف أو إضافة الدول حسب التزامها بقوانين عدم تجنيد الأطفال.

الجدير بالذكر أن هناك مصادر صرحت لرويترز أن بومبيو، رفض توصية الخبراء الذين يعملون بمكتب وزارة الخارجية الأمريكية لمكافحة الاتجار بالبشر، وهو المكتب الذي له دور رئيسي في التحري عن تجنيد الأطفال حول العالم. 

وقال السناتور بوب مينينديز كبير الأعضاء الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي معلقًا على قرار بومبيو: "هذا أمر يستحق الشجب، هل توجد حدود لما تريد أن تفعله إدارة ترامب للتستر على انتهاكات السعودية لحقوق الإنسان وخرق المعايير الدولية؟".

كما قالت سارة مارجون مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش بواشنطن: "يظهر القرار بجلاء أن إدارة ترامب تلجأ للتلاعب السياسي ورفض الأدلة، على حساب الأطفال، حتى تحمي السعودية".

في بريطانيا لا يختلف الأمر كثيرًا

مثلت مشتريات السعودية 43% من إجمالي مبيعات السلاح البريطانية خلال العقد المنصرم، وحصلت بي.إيه.إي سيستمز، أكبر شركة سلاح في بريطانيا، من السعودية على نحو 3.3 مليار دولار، وهو ما يمثل 14% من إجمالي مبيعات المجموعة من السلاح.

يأتي ذلك بالتزامن مع جهود قام بها ناشطون لمواجهة الحكومة من أجل وقف بيع الأسلحة للنظام السعودي من أجل تغذية حرب اليمن، التي شكلت وما زالت تشكل إحراجًا سياسيًا وإنسانيًا كبيرًا للمملكة إزاء الرأي العام العالمي، الذي اعتبر اليمن بلدًا منكوبًا بسبب تتابع الكوارث الإنسانية فيه، منذ بدء حرب التحالف عليه.

وكانت محكمة بريطانية قد قضت بأن الحكومة خالفت القانون بسماحها بتصدير أسلحة إلى السعودية ربما استخدمت في حرب اليمن، وذلك بعد أن قال نشطاء إن استخدام الأسلحة ينطوي على انتهاك لقوانين حقوق الإنسان.

ولا يعني قرار المحكمة  أن على بريطانيا وقف صادرات الأسلحة فورًا، لكنه يعني تعليق منح التراخيص الجديدة لتصدير السلاح للسعودية أكبر مشتر للأسلحة البريطانية.

وقال القاضي تيرينس إيثرتون، ثاني أكبر قاض في بريطانيا، لدى النطق بالحكم: "خلصت محكمة الاستئناف إلى أن عملية اتخاذ القرار التي قامت بها الحكومة كانت معيبة من الناحية القانونية في جانب مهم". وأضاف: "لن نمنح أي تراخيص جديدة للتصدير إلى السعودية وشركائها في التحالف والتي قد تُستخدم في الصراع في اليمن".

وبينما تقول الحكومة البريطانية أنها لن تسمح بتصدير الأسلحة عندما يكون هناك احتمال لاستخدامها في انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي، فإنها وفرت خلال السنوات الأربع الماضية غطاء دبلوماسيًا لانتهاكات التحالف الذي تقوده السعودية والتي ارتكبت في المقام الأول من خلال الأسلحة التي زودتها بها المملكة المتحدة والولايات المتحدة.

اقرأ/ي أيضًا: كيف سقط اليمن من أجندة التعاطف العالمي؟

ويبدو أن هذا القرار يضع  المسمار الأخير في نعش الحجة البريطانية الحكومية المتمثلة في أن مبيعات الأسلحة تجلب النفوذ والفعالية. لقد ادعت الحكومة البريطانية مرارًا وتكرارًا أن علاقتها الودية مع المملكة العربية السعودية تجلب مستويات خاصة من الرؤية والتأثير في طريقة أدائها للحرب، وهو ما كان مفهومًا أنه كان يمثل طوال الوقت حجة للمضي قدمًا في مبيعات الأسلحة. وعلى الرغم مما مثله هذا القرار من انتصار للناشطين والحقوقيين الذين استعانوا بما وفرته التقارير الدولية والحقوقية عن الحرب في اليمن، إلا أن الحكومة البريطانية على لسان وزير التجارة الدولية ليام فوكس، لا توافق على الحكم وستسعى للحصول على إذن للطعن عليه حسبما أوردت رويترز

بينما تقول الحكومة البريطانية أنها لن تسمح بتصدير الأسلحة عندما يكون هناك احتمال لاستخدامها في انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي، فإنها وفرت غطاء دبلوماسيًا لانتهاكات التحالف الذي تقوده السعودية

يمكن مد خط الاستثناءات على طوله، طالما فسرته الدولتان بأنه في مواجهة إيران أو من أجل الحفاظ على الأمن القومي أو في إطار التنسيق المتبادل في الحرب على اليمن، بينما يدفع المدنيون في اليمن الثمن وحدهم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تقرير أممي: التحالف السعودي متورط في دماء أغلب الأطفال الضحايا باليمن

تخبط السياسات السعودية.. مادة للسخرية لولا كلفتها الدموية!