26-سبتمبر-2017

تستورد مصر سنويًا نحو 11 مليون طن قمح (محمد الشهيد/ أ.ف.ب)

شهدت مصر في السنوات الأخيرة، تراجعًا كبيرًا في مجال الزراعة، لا سيما القمح، إذ بات من المتوقع أن تستورد هيئة السلع التموينية، حوالي سبعة ملايين طن قمح العام الجاري، إلى جانب أربعة أو خمسة ملايين طن يستوردها القطاع الخاص سنويًا، وفقًا لرويترز.

لكن قصة تخص استيراد مصر للقمح، أثارت الانتباه، وهي تلك الخاصة بصفقات قمح غير مطابقة للمواصفات رفضت مصر استلام شحنتها البالغ حجمها 59 ألف طن، لاحتواء هذه الشحنة على بذور الخشخاش التي يُستخرج منها مواد مخدرة كالأفيون.

وصل تدهور الزراعة في مصر، إلى استيرادها أكثر من 11 مليون طن قمح سنويًا موزعة ما بين الحكومة والقطاع الخاص

تحولت الشحنة على إثر ذلك إلى نيابة المخدرات للتحقيق بشأنها. وبعد أيام من التحقيق، أصدرت النيابة قرارًا نهائيًا برفض الشحنة لاحتوائها فعلًا على بذور الخشخاش. أصبح متوقعًا إذن إرجاع الشحنة إلى بلد المنشأ التي جاءت منه. لكن متخصصين زراعيين قالوا إنه من الممكن أن تنقل الشحنة لمكان آخر لغربلتها، ما يُعلّق آمالًا أخرى للتوصل إلى نهاية سريعة لهذا للخلافات الدائرة، إذ إن "صوامع تخزين الحبوب الموجودة في المنطقة ليست جاهزة لغربلة القمح، حتى ولو صدر قرار من النائب العام بغربلتهما للتخلص من بذور الخشخاش".

اقرأ/ي أيضًا: توريد القمح المحلي في مصر.. "مشكلة كل عام" تنذر بكارثة

وكانت الحكومة المصرية منذ فترة طويلة، قد أعلنت رفض الشحنات التي تحتوي على أي نسبة ولو قليلة من الإصابة بفطر الإرغوت، وكانت الموافقة منذ ذلك الوقت تُعطى لصفقات القمح "الخالي تمامًا" أيضًا من بذور الخشخاش. 

لكن في المقابل أعلنت الشركة الرومانية المصدّرة "سيريالكوم دولج"، أنها اتخذت قرارًا بوقف شحن كميات من القمح إلى مصر، وذلك على خلفية تغيير الحكومة لمعايير الاستيراد، تلك المعايير التي كانت تقبل صفقات القمح الذي يحتوي على نسبة محددة من الخشخاش كانت تصل إلى حوالي 5%، وربما لموقف مثل هذا وغيره، قد لا يكون معلنًا، تُرجّح تقارير التعرض لموجة أخرى من مقاطعة المستثمرين الأجانب، إذا وافقت الحكومة المصرية على تحذيرات الخبراء الزراعيين بمنع دخول تلك الشحنات.  

وبحسب البعض، فإن الحكومة المصرية وقفت في صف المستثمرين ومع طلباتهم والتي كان آخرها إلغاء إرسال الوفود المسؤولة عن تفتيش شحنات القمح قبل مجيئها، إذ كان ذلك أحد بنود الاتفاقيات في صفقات القمح، وعليه خففته الحكومة إلى محاولة تخصيص هيئة أخرى للأمر، بدلًا من سلطات الحجر الزراعي التي تزداد حالات رفضها لمناقصات توريد القمح، خصوصًا مع الشحنة الأخيرة سبب كل هذا الجدل. 

بينما يرجع الخبراء ذلك الأمر إلى أن المشكلة تكمن أساسًا في سعر القمح المستورد وليس في تعنتهم كما يُقال، إذ إن استيراده بتلك الأسعار تنافسه بالقمح المحلي، وذلك بسبب أن الزراعة في الخارج على مستوى العالم تكون في مساحات شاسعة بتكنولوجيا حديثة، ما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية وتقليل التكلفة، في حين يواجه الفلاح المصري أزمات في الأسمدة واحتمالية ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، وبالتالي يمكننا إنتاج هذه الكميات داخليًا بدلًا من استيرادها.

 تجاهلت الحكومة كل النصائح الخاصة بضرورة الفحص الجيد لشحنات القمح قبل قبولها، وذلك كي لا تغضب المُورّدين الدوليين

وإذا استخدمنا تلك الإمكانيات الحديثة سيزيد الإنتاج المحلي من 9.7 إلى 12 مليون طن يتم استيرادها بأسعار باهظة. كما انتقد مفتشون آخرون من إدارة الحجر الزراعي المصرية نظام فحص الأغذية الذي أُطلق هذا العام بهدف تيسير التجارة في أعقاب أزمة الإرغوت، واعتبروا أن النظام الجديد يجعل مصر "تتعرض لأكبر حملة لإدخال أكبر كميات ممكنة من القمح رديء الجودة إلى مصر، وجعلها سلة نفايات العالم".

اقرأ/ي أيضًا: "قصة القمح المسرطن".. الحكومة تقتل الشعب بالخبز!

في المقابل تجاهلت الحكومة كل تلك النصائح، واتجهت لتهدئة حدة الخلاف مع المستثمرين الأجانب، بخصوص وجود بذور الخشخاش أو غيره في شحنات القمح، بعدما هدّد الجدل مع الموردين الدوليين بمقاطعات، الأمر الذي قد يهدد إمدادات الغذاء إلى البلاد عمومًا، وذلك باعتبار أن هذا التوقيت للخلاف ليس جيدًا بالنسبة لمصر على حد قول الخبراء. كما حاول المسؤولون طمأنة الرأي العام بزعمهم أن بذور الخشخاش غير الضارة شائعة في أوروبا، ولا يمكن استخدامها في إنتاج المخدرات، وأن الخلط بين زهرتي الخشخاش الأحمر والزهري، تقف وراء تعليق استلام الشحنة.

وزهور الخشخاش الأحمر يمكن أن تنمو في حقول الحبوب حيث تتطابق دورة حياتها، ومن ثم ألغت مصر بعد ذلك سياسة الحظر التام للإرغوت بما ينسجم مع المعايير العالمية، لكي تجذب التجار مجددًا إلى مناقصاتها. وأوقفت أيضًا إرسال مفتشي الحجر الصحي المصريين إلى الخارج للتفتيش على شحنات الحبوب، وبدأت تستعين بشركات خاصة.

على صعيدٍ آخر، قال وزير الزراعة المصري عبد المنعم البنا، إن مصر تعمل حاليًا على فحص شامل وموضوعي لشحنات القمح القادمة من الخارج سواء الفرنسية أو الرومانية التي اتُهمت من قبل البعض بأنهما ملوثتان ببذور الخشخاش، وذلك قبل اتخاذ قرار نهائي بشأن إعادتهما إلى بلد المنشأ، لكن الرجل من جانبه صنّف البذور بأنها ليست بالخطيرة جدًا، كما أنهلا تزال هناك دراسة حتى الآن لم تنته لإعادة الشحنات إلى بلادها مرة أخرى أو استخدامها بعد غربلتها. 

وجدير بالذكر أن تلك التصريحات هي أول تعليقات رسمية تشير إلى أن بذور الخشخاش، التي قال مُورّدون إنها غير ضارة، يمكن إزالتها من الشحنات لتجنب رفضها الذي ينطوي على تكلفة كبيرة، كما علّق رئيس هيئة الرقابة على الصادرات والواردات إسماعيل الجابر، أنه سبق أن وصل إلى الميناء "أحيانًا" بعض الشحنات المخلوطة بنباتات منها الخشخاش وأنواع أخرى، ويتم غربلتها وعزلها ثم إعدامها، تحت رقابة إدارة الحجر الزراعي، بينما في حالة ثبوت أنها مواد مخدرة فإنه يتم رفض الشحنة في الحال، وإعادة السفينة التي جاءت من رومانيا إلى بلادها. وقال آخرون ومنهم هيئة السلع التموينية في وقت سابق، إن البذور الموجودة في شحنة القمح الروماني ليست ضارة؛ أي ليست من النوع الأفيوني الضار، بحسب تقرير من إدارة الحجر الزراعي وسيجري غربلتها.

يبدو أن الدولة المصرية لم تعد تملك خيارًا سوى شراء القمح من الخارج سواء ببذور خشخاش أو بفطر الإرغوت أو بغيرهما!

إجمالًا، وفي ظل منظومة الخبز الجديدة التي تتحكم في حركة سوق القمح المحلي والمستورد لدى الدولة، والتي أصبحت تتطلب تسديد أصحاب المخابز للقمح قبل أن تبيعه، كما لا تجد أمامها سوى أسعار حددتها الحكومة، زادت إلى الضعف في فترة قليلة لاعتمادها بشكل مباشر على الاستيراد من الخارج نظرًا لتدهور وضع الزراعة، أصبحت الدولة لا تملك خيارًا آخر سوى الشراء من الخراج، ربما تحت أي ظرف، بينما لا يملك التجار المحليون رفض تلك الشحنات التي يأخذونها من الحكومة لعدم توافرها محليًا أي لعدم وجود بديل. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

"إصلاحات السيسي".. تبتلع رغيف الخبز المدعوم

لماذا لا يثور الغلابة؟