في تصعيد جديد لاستهداف المشهد الثقافي الفلسطيني، داهمت الشرطة الإسرائيلية، أمس الثلاثاء، المكتبة العلمية في القدس الشرقية للمرة الثانية خلال شهر، واعتقلت أحد مالكيها، عماد منى، وفقًا لعائلته.
وأفادت محافظة القدس، بأن قوات الاحتلال اقتحمت شارع صلاح الدين في البلدة القديمة بالقدس المحتلة، وداهمت المكتبة العلمية، واعتقلت أحد مالكيها، واقتادته للتحقيق.
وصادرت الشرطة الإسرائيلية عددًا من الكتب وأمرت بإغلاق المكتبة دون تقديم مذكرة تفتيش أو اعتقال. ولم تصدر السلطات الإسرائيلية أي تعليق رسمي على هذه المداهمة الأخيرة.
المكتبة العلمية افتتحت قبل حوالي 40 سنة في شارع صلاح الدين بالقدس المحتلة، لتصبح مع مرور السنوات واحدة من أهم المكتبات في فلسطين، كما تُعد مركزًا ثقافيًا مهمًا في القدس الشرقية
وفي وقت لاحق، أكدت الشرطة الإسرائيلية أنه تم إطلاق سراح عماد بعد وقت قصير من احتجازه، مضيفة في بيان: "تلقينا بلاغًا عن وجود كتب تحريضية في متجر بالقدس. وعند وصول الضباط إلى المكان، صادروا ثلاثة كتب واحتجزوا شخصًا للتحقق من هويته والتفاصيل المتعلقة بالمتجر. وبعد انتهاء التحقيق، تم الإفراج عن الشخص." وأوضحت الشرطة أنها ستراجع محتوى الكتب المصادرة قبل اتخاذ قرار بإحالة القضية إلى النيابة العامة.
الاحتلال الإسرائيلي صادر عدد من الكتب من بينها كتاب تلوين للأطفال يحمل عنوان "من النهر إلى البحر"، بالإضافة لكل الكتب التي طبع على غلافها علم فلسطين.
اقرأ أكثر: https://t.co/32H9CQrAGz pic.twitter.com/1c2uZQrDh0— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 11, 2025
اعتقالات متكررة واستهداف ممنهج
لم تكن هذه المداهمة الأولى، حيث تم اقتحام المكتبة الشهر الماضي، واعتُقل نجل عماد، أحمد، وعمه محمود، واحتُجزا لمدة يومين رغم عدم حصول الشرطة على موافقة من النيابة العامة الإسرائيلية لفتح تحقيق بتهمة التحريض. وأثار اقتحام المكتبة واعتقال ملاكها موجة استياء دولية، لا سيما أن المكتبة تعرف بين الباحثين والصحفيين والدبلوماسيين كأحد أبرز مصادر الكتب حول الصراع العربي-الإسرائيلي وتاريخ القدس.
وكانت النيابة العامة الإسرائيلية قد انتقدت الإجراءات التي اتخذتها الشرطة في المداهمة الأولى، وأجرت اتصالات مع مسؤولين رفيعي المستوى في الشرطة "لضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث"، إلا أن ذلك لم يمنع السلطات الإسرائيلية من تنفيذ مداهمة جديدة.
إغلاق المكتبة ومصادرة كتب لمفكرين عالميين
وبحسب أحمد منى، الذي تحدث إلى صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فإن الشرطة وصلت إلى المكتبة حوالي الساعة 11:15 صباحًا، حيث كان والديه متواجدين في ذلك الوقت. قامت الشرطة بمراجعة التراخيص التجارية وسجلات الحسابات، وصادرت مجموعة من الكتب، ومنعت أحمد من دخول المتجر أثناء التفتيش.
وقال أحمد: "قاموا بتفحص الكتب، ثم جمعوا مجموعة منها وصادروها. من بين الكتب المصادرة أعمال للفنان البريطاني بانكسي، واللغوي والمفكر الأميركي نعوم تشومسكي، والمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه." وأضاف أن الشرطة لم تقدم أي مذكرة تفتيش أو أوامر قانونية لإغلاق المكتبة أو لاعتقال والده، كما لم تخبر العائلة إلى أي مركز شرطة نُقل عماد.
وفقًا لمراد منى، فإن العائلة تعتقد أنها تعرف الشخص الذي أبلغ الشرطة عن المكتبة، حيث شوهد في كاميرات المراقبة وهو يزور المتجر قبل ساعة تقريبًا من وصول الشرطة. وأوضح مراد أن هذا الشخص اقترب من نجوى قبل نصف ساعة من المداهمة، وفتح كتاب "هوامس في غزة" للفنان الأميركي جو سايكو، ورأى صورة لأطفال أيديهم ملطخة بالدماء، ثم سألها عن هذه الصورة.
فيديو | محكمة الصلح الإسرائيلية في القدس، مددت اعتقال محمود وأحمد منى، مالكي "المكتبة العلمية" الشهيرة في شارع صلاح الدين حتى يوم غدٍ الثلاثاء، حيث سيتم الإفراج عنهما بشروط مقيّدة pic.twitter.com/8ZCUXatYp5
— Ultra Palestine - الترا فلسطين (@palestineultra) February 10, 2025
وأضاف مراد أن نجوى شرحت له أن هذه الصورة تعكس تقليدًا ثقافيًا يُمارس في بعض المجتمعات، حيث يتم وضع دم الخروف على اليدين بعد بناء منزل جديد. ورد الشخص عليها بالقول: "الآن فهمت سبب مداهمتكم في المرة السابقة." ثم غادر المكان، وكان يحمل كاميرا بعدسة طويلة ويتحدث الإنجليزية.
مكتبة في مرمى الاستهداف الإسرائيلي
يصف أحمد المداهمة الأخيرة بأنها كانت "أشد إيلامًا" من اعتقاله، قائلًا: "هذه المرة، كان علي أن أشاهد والديّ يتعرضان للإهانة من قبل الشرطة." وأضاف أن الطريقة التي نفذت بها المداهمة كانت استعراضية ومفرطة، حيث أغلقت الشرطة الطريق، وقادت سياراتها عكس اتجاه المرور، وأرسلت وحدات سرية إضافية حتى انتهى الأمر بوجود عشرة ضباط داخل المكتبة.
واعتبر أحمد أن ما حدث يمثل تطورًا خطيرًا، وقال: "نعيش في بلد يمكن للشرطة فيه فعل ما يحلو لها، حيث يتم تقييد حرية التعبير، وتتم مداهمة المكتبات والمؤسسات الثقافية وكأنها مواقع تهدد الأمن".
وفي تعليق على ما يجري، قال محمود منى، الذي أُفرج عنه الشهر الماضي، إن جميع الكتب الموجودة في المكتبة "متاحة أيضًا في المكتبة الوطنية الإسرائيلية، وجميعها صادرة عن دور نشر معترف بها." وأضاف: "نحن نختلف مع السردية الإسرائيلية. نؤمن بأن لدينا مسؤولية تجاه مجتمعنا، وسنواصل رسالتنا رغم القمع. وإذا أرادت إسرائيل فرض رقابة على الكتب، فلتنشر قائمة بالكتب المسموح بها والممنوعة".
يشار إلى أن المكتبة العلمية افتتحت قبل حوالي 40 سنة في شارع صلاح الدين بالقدس المحتلة، لتصبح مع مرور السنوات واحدة من أهم المكتبات في فلسطين، كما تُعد مركزًا ثقافيًا مهمًا في القدس الشرقية، حيث توفر كتبًا تغطي قضايا الصراع العربي-الإسرائيلي، والتاريخ السياسي والاجتماعي للقدس، فضلًا عن دراسات في الفكر السياسي والحقوقي. ويقصدها الصحفيون والباحثون والدبلوماسيون للحصول على مصادر موثوقة حول القضية الفلسطينية.
وحصدت المكتبة العلمية جائزة أفضل مكتبة في فلسطين لعام 2011، كما نالت المركز الثالث كأفضل مكتبة في الشرق الأوسط، وفق تصنيف مؤسسة "لونلي بلانيت" وشبكة "بي بي سي" في لندن.
تقييد حرية التعبير في القدس
تستمر الانتهاكات الإسرائيلية بحق المؤسسات الثقافية الفلسطينية في القدس الشرقية، وسط محاولات متزايدة لتقييد حرية التعبير وقمع أي نشاط يعكس الرواية الفلسطينية للصراع. ومع استمرار الممارسات القمعية، تبقى الأسئلة مطروحة حول مدى تصعيد إسرائيل لحملتها ضد المراكز الثقافية الفلسطينية، وما إذا كانت ستواجه ضغوطًا دولية حقيقية لوقف هذه الإجراءات.