15-يناير-2020

أظهرت الاحتجاجات خلافًا بين التيار الإصلاحي والحرس الثوري في إيران (تويتر)

 

الترا صوت – فريق التحرير

رغم موجة القومية التي صاحبت الشارع الإيراني عقب مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني بضربة جوية أمريكية مطلع الشهر الجاري، أعاد اعتراف إيران بمسؤوليتها عن حادثة إسقاط الطائرة الأوكرانية إشعال الاحتجاجات الشعبية ضد الحكومة الإيرانية مجددًا، التي طالب فيها المحتجون الزعيم الإيراني الأعلى أية الله علي خامنئي بالتنحي، مستبدلين هتاف "الموت لأمريكا" الذي كانوا يرددونه الأسبوع الماضي بهتاف "الموت للديكتاتور".

وصف موقع إيران واير الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها المدن الإيرانية منذ أربعة أيام، بأنها مشابهة للحظة وقوع كارثة تشيرنوبل النووية في أوكرانيا

المسؤولون الإيرانيون "ضللوا وسائل الإعلام"

وصف موقع إيران واير الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها المدن الإيرانية منذ أربعة أيام، بأنها مشابهة للحظة وقوع كارثة تشيرنوبل النووية في أوكرانيا حين كانت لا تزال منضوية ضمن منظومة الاتحاد السوفييتي في عام 1986، واكتسبت زخمًا كبيرًا بعد إعلان الحكومة الإيرانية إسقاطها طائرة الركاب الأوكرانية عن "طريق الخطأ"، وفقًا لما نقلته شبكة CNN الأمريكية، مشيرًا إلى أن الحكومة الإيرانية الحالية تعيش حالة من "العجز والخداع والتعفن الكامل".

اقرأ/ي أيضًا: "ظننا أنها صاروخ كروز".. غضب في الشارع الإيراني بعد إسقاط الطائرة الأوكرانية

وقال الباحث في معهد تشاتام هاوس في لندن سانام فاكيل إن ما يحصل في إيران خلال الأيام الماضية ليس إلا "لحظة ثورية" يجري البحث عنها عبر "العدسات الغربية"، مضيفًا أن السلطات الإيرانية تعاملت مع حادثة إسقاط الطائرة الأوكرانية كما تعامل الاتحاد السوفييتي مع كارثة تشيرنوبل النووية، من خلال إنكارها المتكرر لوقوفها وراء إسقاط الطائرة ومحاولتها إخفاء الأدلة، وتابع مشيرًا إلى تعرض الحكومة الإيرانية لمزيد من الضغوط من قبل الإيرانيين المطالبين بتحقيق "المساءلة والشفافية" في إطار هذه القضية.

وبعد ثلاثة أيام من نفي السلطات الإيرانية مسؤوليتها عن إسقاط الطائرة المنكوبة، قالت هيئة الأركان الإيرانية إن الطائرة الأوكرانية أسقطت عن طريق "خطأ بشري" ناجم عن الظن بأنها صاروخ كروز، ما أثار موجًة من السخط الشعبي بسبب محاولة السلطات الإيرانية التنصل من مسؤوليتها أمام الدول الغربية، امتد إلى الأوساط المحافظة، فقد غرّد رئيس تحرير وكالة تسنيم الإيرانية التابعة للحرس الثوري الإيراني كيان عبد الله، بالقول إن المسؤولين الإيرانيين مذنبون لأنهم "ضللوا وسائل الإعلام"، وأضاف بأن الجميع أصبح "يخجل أمام الناس" بسبب ذلك.

إعلاميات إيرانيات يستقلن من التلفزيون الرسمي

عدم إعلان الحكومة الإيرانية مسؤوليتها عن إسقاط طائرة الخطوط الجوية الأوكرانية التي كانت متوجهة من طهران إلى كييف بعد ساعات من الهجمات الصاروخية التي ضربت قاعدتين عسكريتين في العراق تتمركز فيهما القوات الأمريكية، تسبب بموجة من السخط الشعبي وصلت للعاملين في التلفزيون الرسمي الإيراني الذين أعلنوا استقالتهم احتجاجًا على تعاطي السلطات المحلية مع حادثة إسقاط الطائرة.

فقد أعلنت المذيعة جيلاري جباري عبر حسابها الرسمي على منصة انستغرام للتواصل الاجتماعي استقالتها من التلفزيون الرسمي الإيراني، وكتبت جباري في منشورها: "كان من الصعب جدًا بالنسبة لي إن أعترف بأن شعبنا قد قتل.. سامحوني لأنني عرفت هذا متأخرًا.. واغفروا لي 13 عامًا كذبت عليكم فيها"، فيما قالت زهرة خاتمي: "لن أعود إلى التليفزيون أبدًا.. اغفروا لي"، وكذلك الأمر مع سابا راد التي أشارت في منشورها إلى أنها بعد 21 عامًا من العمل في الراديو والتليفزيون لن تستطيع مواصلة عملها في وسائل الإعلام.

في حين رمت مقدمة الأخبار في التلفزيون الإيراني إلميرا شريفي باللوم على السلطات الإيرانية لتكتمها عن حادثة إسقاط الطائرة، وغرّدت عبر حسابها الرسمي على منصة تويتر بالقول: "صمتم في الوقت الذي كان ينبغي لكم أن تأتوا للاعتذار والتوضيح! لماذا تحرجونا أمام الجمهور؟"، بينما وصفت جمعية الصحفيين الإيرانيين تصريحات السلطات الإيرانية التي نفت بدايًة أن تكون مسؤولة عن الحادثة بأنها "جنازة للثقة العامة"، لافتًة إلى أن ذلك "أضر بالسمعة المهزوزة أصلًا للإعلام الرسمي الإيراني".

ممثلة إيرانية تطالب ابنة سليماني بأن "تضع بندقيتها جانبًا"

وكانت لاعبة التايكواندو الإيرانية كيميا علي زاده الحائزة على الميدالية الذهبية في أولمبياد ريو عام 2016، قد أعلنت مغادرتها طهران إلى أوروبا، وقالت زاده في منشور طويل لها عبر حسابها على منصة انستغرام، إنها "واحدة من ملايين النساء المضطهدات في إيران ممن كانوا يلعبون بهنّ على مدى سنوات"، وتابعت مضيفة: "أخذوني إلى أي مكان يريدونه وكتبت أي شيء قالوه، كل جملة أمروني بقولها، رددت، أينما وجدوه مناسبًا، استغلوني.. لم أكن مهمة بالنسبة لهم، لا أحد منا كان مهمًا لهم، كنا أدوات".

وردًا على مقطع الفيديو الذي ظهرت من خلاله زينب سليماني ابنة الجنرال سليماني وهي تحمل بندقية مطالبًة بالثأر لوالدها، قالت الممثلة الإيرانية المعارضة مهناز أفشار مخاطبة زينب، إن "الثأر الذي طلبته لأبيك يضع أعباء لا نهاية لها على كاهل أبناء وطنك"، وتابعت مضيفًة عبر حسابها الرسمي على تويتر "إذا كان لديك ثأر، فالآخرون لديهم ثأر أيضًا.. ضعي بندقيتك جانبًا".

وأشارت صحيفة الغارديان البريطانية إلى أن الممثلة ترانه عليدوستي قد هاجمت الحكومة الإيرانية بسبب تصريحاتها المتناقضة فيما يخص قضية الطائرة الأوكرانية، ونقلت الصحيفة البريطانية عن الحساب الرسمي لعليدوستي قولها: "نحن لسنا مواطنين.. ولم نكن كذلك قط.. بل مجرد أسرى".

وتصنف عليدوستي كواحدة من أشهر الممثلات الإيرانية، وكانت قد شاركت سابقًا في فيلم "البائع" للإيراني أصغر فرهادي الذي فاز بجائزة الأوسكار عن أفضل فيلم أجنبي في عام 2017، كما أنها لعبت دور البطولة في المسلسل الإيراني "شهرزدا" الذي يصور الحياة الاجتماعية في إيران في خمسينات القرن الماضي عندما كان الشاه محمد رضا بهلوي حاكمًا للبلاد.

وفي سياق موجة السخط الشعبي من تعاطي الحكومة الإيرانية مع قضية الطائرة الأوكرانية، أصدر 30 ممثلًا وصانع أفلام بيانًا مشتركًا أول أمس الإثنين بحسب ما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، وأعلن الفنانون في بيانهم مقاطعتهم الدورة الـ38 لمهرجان فجر السينمائي الذي يقام سنويًا برعاية من الحكومة الإيرانية ضمن مجموعة من الفعاليات الاحتفالية بالذكرى السنوية للثورة الإسلامية، ويعد المهرجان أحد أبرز الأحداث الفنية التي تشهدها البلاد.

وشهدت المدن الإيرانية احتجاجات واسعة منذ يوم السبت الماضي عندما أعلنت الحكومة الإيرانية مسؤوليتها عن إسقاط طائرة الخطوط الجوية الأوكرانية بشكل رسمي، وكان من بين ضحايا الطائرة المنكوبة 16 شخصًا تخرجوا حديثًا من جامعة شريف التكنولوجية في طهران، حيثُ أظهرت مقاطع مصورة انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي تظاهر مئات الطلاب قرب جامعة أمير كبير للتكنولوجيا، بالإضافة لجامعة شريف أيضًا.

 

وقال المتحدث باسم السلطة القضائية غلام حسين إسماعيلي أمس الثلاثاء، إن قوات الأمن اعتقلت قرابة 30 شخصا بسبب "مشاركتهم في تجمعات غير قانونية"، فيما أظهرت مقاطع مصورة انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي في وقت متأخر من مساء الأحد تمزيق المحتجين صورًا كبيرة معلقة في الطرقات للجنرال سليماني.

كما أظهر مقطع آخر نشرته وكالة أسوشيتد برس إطلاق قوات الأمن الإيرانية للرصاص الحي على المتظاهرين ما تسبب بحالة من الهلع في صفوف المحتجين، وسط تقارير عن سقوط إصابات بين المتظاهرين، غير أن قائد شرطة طهران حسين رحيمي نفى أن تكون قوات الأمن قد أطلقت الرصاص الحي على المتظاهرين، مشيرًا إلى تلقي ضباط شرطة العاصمة "أوامر بضبط النفس".

وكانت وكالات أنباء عالمية قد نقلت عن وكالة أنباء فارس الإيرانية اعتقال السلطات الإيرانية للمعارض الإيراني حسين كروبي نجل المعارض البارز مهدي كروبي أول أمس الاثنين، وأشارت الوكالة الإيرانية شبه الرسمية إلى أن السلطات اعتقلت كروبي – وهو أحد أعضاء المجلس المركزي لحزب الثقة الوطنية المعارض – لدعمه المظاهرات المستمرة في البلاد منذ ثلاثة أيام.

ويخضع مهدي كروبي إلى جانب مير حسين موسوي وزوجته زهراء زاهنوري للإقامة الجبرية منذ عام 2011، بسبب دعمهم للاحتجاجات الشعبية التي اندلعت بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية في عام 2009، وتعتبر الأسماء الثلاثة من الشخصيات البارزة في التيار الإصلاحي الإيراني الذي يعتبر وضعهم تحت الإقامة الإجبارية انتهاكًا لقوانين البلاد.

هل يطيح الإصلاحيون بالحرس الثوري؟

قالت الحكومة الإيرانية إنها استبعدت 90 مشرعًا من الترشح للانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها الشهر القادم، في إشارة إلى تفاقم حدة التوترات بين الحكام الدينيين الإيرانيين والمسؤولين المنتخبين عبر صناديق الاقتراع، ووفقًا لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية فإن المشرعين الذين ينتمي معظمهم للتيار الإصلاحي أو الوسطي يشكلون ثلث أعضاء البرلمان البالغ عددهم 290 عضوًا، فيما دعا العديد من السياسيين الإصلاحيين البارزين لمقاطعة الانتخابات.

ونقلت الصحيفة الأمريكية على لسان المشرع البارز من مدينة شيراز بهرام بارساي قوله إنه لا يكفي لحكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني – من التيار الإصلاحي – إصدار البيانات، إنما يجب عليهم الاستقالة، محذرًا من أن عدم شفافية الحكومة الحالية مع الجمهور الإيراني قد تدفع بالبرلمان لاتخاذ إجراءات قانونية ضدهم.

وقالت صحيفة تلغراف البريطانية في تقرير لها إن أنصار الرئيس روحاني المنتخب ديمقراطيًا يحاولون توجيه غضب المتظاهرين نحو الخصوم المتشددين في الحرس الثوري الإيراني، بعد خروجهم للشارع لليوم الرابع على التوالي، مشيرًة إلى أن المتحدث باسم الحكومة علي ربيعي أوضح أن الحرس الثوري أخبره على نحو زائف بأنهم لم يكونوا متورطين، بقوله: "كل السلطات المعنية أكدت لنا عدم سقوط الطائرة الأوكرانية بسبب أي صواريخ إيرانية".

وانتشر خلال اليومين الماضيين مقطع فيديو مسرب لأحد ضباط الحرس الثوري يشتكي من تخلي إدارة روحاني عنهم، وتركهم يواجهون موجة الغضب الواسعة بسبب إسقاط الطائرة، ووفقًا للصحيفة البريطانية فإن المقطع أظهر الضابط داخل غرفة مليئة بالعسكريين يحثهم على التغلب على العاصفة السياسية الحالية.

اقرأ/ي أيضًا: ما وراء "التسوية الضمنية" بين طهران وواشنطن.. هل انتهى التصعيد؟

ووصف الضابط الإيراني في المقطع بيان اعتراف الحكومة بسقوط الطائرة بأنه "مخز للغاية"، مضيفًا أنه لم يكن يجب على البيان إلقاء اللوم على الحرس الثوري، حيثُ "كان يكفي القول إنه خطأ فردي"، ومضى بالقول إنه كان يمكن للحكومة انتظار "شهرين أو ثلاثة أشهر" للإعلان عن السبب الحقيقي لتحطم الطائرة، حتى يستطيع الحرس الثوري اكتساب المزيد من الدعم الشعبي، بعد مقتل سليماني، والضربات الصاروخية التي ضربت القواعد العسكرية في العراق.

كانت وكالات أنباء عالمية قد نقلت عن وكالة أنباء فارس الإيرانية اعتقال السلطات الإيرانية للمعارض الإيراني حسين كروبي نجل المعارض البارز مهدي كروبي أول أمس الاثنين

واعتبر رئيس الاستخبارات في شركة Le Beck للاستشارات الجيوسياسية مايكل هورويتز في معرض تعليقه على الخلاف الناشب بين إدارة روحاني والحرس الثوري، أن "الفرصة فريدة" بالنسبة للرئيس روحاني للتغلب على الحرس الثوري، مشيرًا إلى أنها "الفرصة الأولى له (روحاني) منذ انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، الأمر الذي أضعف موقف روحاني واستراتيجيته القائمة على التفاوض مع الغرب"، وتابع مضيفًا أنه لا يعتقد أن يفوت روحاني "تلك الفرصة للنيل من الحرس الثوري وإضعاف مصداقيته ونفوذه لدى الشعب الإيراني".

 

اقرأ/ي أيضًا:

 استقطاب وانقسام.. كيف تفاعل الأمريكيون مع اغتيال سليماني؟

عزمي بشارة يقرأ التصعيد الإيراني الأمريكي وتطورات الملف الليبي