14-يناير-2018

تجربة قصيرة لجريدة الاتحاد اللبنانية أثارت أسئلة عدة (فيسبوك)

في الوقت الذي تواجه فيه الصحافة الورقية في لبنان مشاكل جمة سواء على صعيد إيجاد تمويل لنفقاتها أو في تسويق وبيع نسخاتها، خاصةً في ظل الثورة المهولة في مجال الصحافة الرقمية، الأمر الذي أدى على سبيل المثال إلى احتجاب صحيفة السفير، الموالية للنظامين السوري – الإيراني، عن الصدور نهائياً، وإلى قيام صحف أخرى بإجراءات طارئة كرفع سعر النسخة أو خفض عدد الموظفين، تفاجأ الرأي العام في لبنان بصدور العدد الأول من جريدة الاتحاد في الثالث والعشرين من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الفائت بنسخة ورقية وأخرى إلكترونية.

أعلن مؤسسو الاتحاد اللبنانية عن أنها ستكون صوت الجميع مؤكدين استقلاليتها سياسيًا لكن سرعان ما تبين دعمها الفريق المعروف بفريق الثامن من آذار

اقرأ/ي أيضًا: ما الذي يقترحه الخبراء لإنقاذ الصحافة الورقية من الانقراض؟

وكعادتهم إزاء أي حدث جديد، انقسم اللبنانيون بين مرحّب، يرى في الاتحاد تجربة "حداثوية" من شأنها أن تخلق حالة مميزة في عالم الصحافة المكتوبة، وبين آخر لم يرَ فيها سوى استمرار لنهج جريدة السفير المحتجبة عن الصدور منذ أقل من سنة. مؤشرات عديدة تدعم وجهة النظر الثانية في الحقيقة، فرئيس تحرير جريدة الاتحاد الصحفي مصطفى ناصر، أحد مستشاري الرئيس الراحل رفيق الحريري ومهندس اللقاءات بينه وبين أمين عام حزب الله، محسوب على خط وتوجهات الفريق المعروف بفريق الثامن من آذار، إضافةً إلى ذلك انضم عدد كبير من فريق عمل السفير إلى أسرة جريدة الاتحاد، كما استهلت الجريدة عملها بمقابلة مع رئيس مجلس النواب، وأحد أبرز أقطاب الثامن من آذار، نبيه بري.

وقد ظهرت في الصفحة الرئيسية للعدد الأول من جريدة الاتحاد صورة كبيرة للرجل كُتب فوقها: بري للاتحاد "أنا ونصرالله رجل واحد في جسدين". مانشيت بدا من الواضح للكثيرين من خلاله أن توجّه الجريدة السياسي قد انكشف. وحتى شعار الجريدة "صوت الجميع للجميع" بدا أنه إعادة إنتاج لشعار جريدة السفير "صوت الذين لا صوت لهم". لا جديد إذاً على ما يبدو.

في حديث صحفي للصحفي مصطفى ناصر، عشية انطلاق جريدة الاتحاد، قال إنه "موّلها بماله الشخصي وأن علاقاته السياسية القوية لم يكن لها أي دور في افتتاحها". يقول حرفياً: "هو مال بسيط لكنه كاف لافتتاح مؤسسة إعلامية". أما عن الخط السياسي في جريدة الاتحاد فقال إنها "ستكون محايدة ومنحازة فقط إلى الحقيقة.. نحن أصحاب موقف، لا نمدح أحدًا، ولا نبخّر لأحد"، وإن "الجريدة غير تابعة وغير محسوبة على أحد"، وهو ما شكك فيه الكثيرون مستندين لمواقف الرجل وطبيعة الفريق الذي جمعه، أضف لذلك حجم الكلف لإطلاق مشروع إعلامي جديد.

اقرأ/ي أيضًا: هل صحافة بيروت في موت غير معلن؟

في حقيقة الأمر، الأعداد المتلاحقة في جريدة الاتحاد وأسماء الكتّاب والمواضيع المطروحة مع الوقت، ناقضت الى حد كبير كلام مصطفى ناصر. لم يلمس القراء روحاً جديدة. الطريقة التقليدية نفسها كانت في جريدة الاتحاد على مستوى عرض الأخبار والأفكار في الشكل وفي المضمون خاصةً. مضمون يخدم غالباً وجهة نظر فريق الثامن من آذار. تبخير وتمجيد لقادته وإن بطريقة مواربة وضمنية.

تأكدّت إذاً الفكرة القائلة إن جريدة الاتحاد هي جزء من الانقسام السياسي. وهي وسيلة إعلامية إضافية من وسائل الإعلام في لبنان التي تهدف إلى إبراز أدبيات وسياسات هذا الفريق أو ذاك حتى وإن اختلف الأسلوب أو غُلّف بشعارات "يساروية" أو قومية أو إسلامية أو غيرها. الحديث عن  الحياد والموضوعية هو مجرد حبر على ورق، خاصة لبنانيًا.

لم يكن قد مضى أكثر من شهرين وبضعة أيام على انطلاقة جريدة الاتحاد حتى فاجأت اللبنانيين وأعلنت أن العدد الرابع والخمسين الذي صدر في الثامن والعشرين من كانون الثاني/ ديسمبر الماضي سيكون العدد الأخير، "بسبب التعثر المالي وبعض الظروف السياسية الخاصة"، بحسب ما أعلنه المسؤولون عنها. سبقت قرار الاحتجاب هذا، حالات استقالة توقف الرأي العام اللبناني عندها، حيث أعلن عدد من صحافيي جريدة الاتحاد استقالتهم "لأسباب تتعلق بهامش الحرية في الكتابة حسب ما ذكروا ولأن الاتحاد لم تكن تمثل التطلعات التي كانوا يأملونها يتوقعونها على الصعيد المهني".

الاستقالات المعلنة في جريدة الاتحاد (وما تم تداوله همساً) كانت بالغة الدلالة سواء في توقيتها وسرعتها أو في مضمونها المشير إلى عدم التزام التحرير بهامش الحرية المتفق عليه كما جاء في إعلانات الاستقالة.

قبل توقف "الاتحاد"، تتالت استقالات الصحفيين منها والذين أكدوا أن ذلك يعود لأسباب تتعلق بهامش الحرية في الكتابة وهو ما يرسخ فكرة توظيفها سياسيًا

كان من الواضح إذاً أن هناك تخبطاً في العمل، وأن الأمور لا تسير على السكة الصحيحة في جريدة الاتحاد. ثمان وخمسون عدداً هي تجربة قصيرة جداً بل وقياسية في عالم الصحف اليومية. ومرة أخرى تباينت وجهات النظر في التعامل مع خبر إعلان جريدة الاتحاد عن احتجابها عن الصدور، حيث تأرجحت بين التحسّر والأسى، خاصةً من أولئك الذين أملوا أن تكون منصة تعبر عن آمالهم وعن تطلعاتهم، وبين آراء ساخرة خاصة من أصحاب الرأي السياسي الذي تبين أن الاتحاد تدعمه.

 

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

الصحافة المكتوبة مهددة في المغرب أيضًا

الصحف العراقية.. مقتلة الطائفيين