17-أغسطس-2017

ينتشر الابتزاز الجنسي عبر الانترنت في المغرب (باي إيسمويو/Getty)

في لحظات حميمية يفترض بها أن تكون لحظات حب وإخلاص بين اثنين، لا يتخيل أحدها أن تتحول هذه اللحظات إلى "فضيحة" على مرأى الجميع، وتداول اللحظات الحميمية على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أشواط من الابتزاز والمساومة. إننا نتحدث عن "الابتزاز الجنسي عبر الإنترنت" إن صحت التسمية، الذي يجتاح منذ فترة جل مواقع التواصل بالمغرب، حيث تنتشر صور وفيديوهات جنسية لنساء أو رجال دون أي اهتمام بمشاعرهم، والنتيجة غالبًا دخول الضحية في دوامة نفسية معقدة، دفعت البعض إلى الانتحار.

يجتاح الابتزاز الجنسي عبر الإنترنت المغرب مؤخرا، مساهمًا في لجوء الكثير من المتضررين للانتحار

اقرأ/ي أيضًا: المغرب.. ما حقيقة اتهام صحفية مدير قناة باغتصابها؟

لحظة ثقة تتحول إلى كابوس

قبل أشهر اهتز حي شعبي بالدار البيضاء، وسط المغرب، على وقع حادثة محاولة انتحار شابة تبلغ 21 سنة من عمرها. قررت هذه الشابة إنهاء حياتها بعدما ضاقت بها السبل إثر فضيحة جنسية لم تتصور يومًا أنها ستكون إحدى بطالتها. تحكي ليلى، وهو اسم مستعار، قصتها بكثير من ألم لـ"الترا صوت".

تفاصيل القصة بدأت، عندما أرسلت "في لحظة ثقة وحب صورًا تخصها وهي "عارية" إلى صديقها، الذي جمعتها به "علاقة حب"، على حد تعبيرها. بعد ذلك بعدة أسابيع، استغل هذا الصديق سذاجتها وعدم معرفتها بعالم النت، لتتفاجأ بوجه آخر لشخص كان من المفترض أنه حبيبها، إذ طلب منها مبلغًا ماديًا مقابل عدم نشر صورها في مواقع التواصل الاجتماعي.

كانت صدمة ليلى كبيرة، ففي البداية حاولت استعطافه، لكن دون جدوى. استسلمت لمطلبه وأرسلت له المبلغ المادي والذي يقدر بـ500 دولار، حسب حديثها لـ"الترا صوت". لكنها لم تكن تعرف أن هذا المبلغ هو مجرد بداية لمسلسل ابتزاز طويل لم ينته ليومنا هذا، فبعد ذلك طلب منها علاقة جنسية كاملة معها، ولم تستطع ليلى مقاومة ابتزازه.  

كانت النتيجة إذًا استغلال المحتال لليلى جنسيًا وماديًا، لتقرر الأخيرة في لحظة يأس إنهاء حياتها من خلال تناول "سم الفئران" لعلها ترتاح من مساومته وابتزازه. لكن الحياة أبت إلا أن تتمسك بها، بعدما تم إنقاذها بالمستشفى المركزي بالدار البيضاء.

لجأت أسرة ليلى إلى "مركز التحدي للمواطنة"، الذي رفع دعوى قضائية ضد المبتز، ويتكفل بتقديم المساعدة النفسية للضحية. تقول مديرة المركز بشرى عبدو لـ"ألترا صوت"، إن "ليلى" هي "مجرد عينة صغيرة عن ظاهرة الابتزاز الجنسي الإلكتروني بالمغرب"، أو "العنف الرقمي" كما تصفه. وتؤكد بشرى: "تصلنا عشرات القصص الإنسانية لنساء من ضحايا هذا العنف".

اقرأ/ي أيضًا: #حاكموا_ياسين_لاشين.. مطالب بحبس أستاذ الإعلام المتحرش

عنف مستحدث وخطير

عادة ما يلوم أفراد المجتمع هؤلاء الضحايا، لكونهم مارسوا الجنس خارج إطار الزواج، أو أنهم أرسلوا صورًا مخلة تخصهم بمحض إرادتهم. لهذا تجدهم يعانون وحدهم خائفين من نظرة الآخرين الغاضبة أحيانًا والمشفقة أحيانًا أخرى.

ترد بشرى على هذا الأمر: "غالبًا في العلاقة الحميمية لا ينتظر الطرف الآخر أي "الضحية"  الغدر والخيانة من شريكه أبدًا، دائمًا النية الحسنة هي التي تسيطر عليه، لهذا لا يتردد في إرسال صوره، أو قبوله لتوثيق لحظات جنسية جمعته مع شريكه دون أن يشك للحظة أن هذه الأمور سيتم استغلالها ضده".

تدخل الضحية في دوامة من المشاكل تستوجب العلاج والمتابعة، في هذا الصدد، تقول بشرى إن "النساء ضحايا العنف الرقمي يتعرضن إلى عنف رمزي وجنسي، فالمبتز لا يتردد في تدمير الضحية بشتى الطرق، سواء عبر نشره الصور أو الفيديوهات الجنسية أو ابتزاز الضحية مادًيا أو جنسياً".

وتضيف: "لهذا السبب يدخل المعني خصوصًا إن كانت امرأة، في حالة كآبة شديدة، البعض منهن يعانين من وسواس خطير، فهي لا تستطيع عيش حياتها بشكل طبيعي، تعتقد أن جميع الأشخاص شاهدوا فضيحتها عبر النت، كما أن المواطن العادي يمارس العنف أيضًا، عبر تداوله تلك الصور المخلة، فهو لا يؤمن أن المعني بتلك الصور هو ضحية".

تحاول بشرى وغيرها من الحقوقيين "تحسيس الشباب بخطورة نشر أو إرسال صورهم في وضعية غير مناسبة، أو تصوير أنفسهم وهم عراة، أو توثيق لحظات حميمية"، وتطالب "بتربية الناشئة على المواطنة الرقمية للحد من هذه الظاهرة"، على حد تعبيرها.

مدينة مغربية.. معقل الابتزاز الجنسي

تعتبر "واد زم"، وهي مدينة صغيرة تقع وسط المغرب، معقل الابتزاز الجنسي الإلكتروني. وأغلب ضحاياها من الرجال الأجانب

تعتبر "واد زم"، وهي مدينة صغيرة تقع وسط المغرب، معقل الابتزاز الجنسي الإلكتروني. وأغلب ضحاياها من الرجال الأجانب، ويمكن القول إنها معروفة عالميًا بكونها تضم عددًا من المحتالين الذين يترصدون طالبي المتعة الجنسية عبر النت، خصوصًا من بلدان الخليج، إضافة إلى دول أخرى.

حيث بثت قنوات عالمية تحقيقات تخص صناعة الابتزاز عبر التسجيلات الجنسية، وذكرت هذه التحقيقات "واد زم" كأحد المدن، التي أوقع شبابها بعدة ضحايا أجانب أغلبهم من المشرق العربي، وذلك باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي  والتستر وراء أسماء مستعارة وصور لفتيات من مواقع إباحية  للإيقاع بالضحايا.

وبمجرد أن يجيب الضحية على مكالمة الفيديو عبر "فيسبوك" أو سكايب، يستخدم المحتال برامج تمكن من إظهار فيديو مسجل مسبقًا من أحد المواقع الإباحية التي تنشر تسجيلات لفتيات عراة عبر كاميرا "الويبكام".

 

 

 

 

عقوبات سجنية لمحاربة الابتزاز

يعاقب المشرع المغربي الابتزاز الجنسي عبر الإنترنت، حيث ينص الفصل 538 من القانون الجنائي على أنه "من حصل على مبلغ من المال، أو الأوراق المالية أو على توقيع أو على تسليم ورقة، وكان ذلك بواسطة التهديد بإفشاء أو نسبة أمور شائنة، أي "مخلة" سواء كان التهديد شفويًا أو كتابيًا، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين درهم (20 دولارًا) إلى ألف درهم (100 دولار)".

ويهدف هذا النص إلى حماية ما يسمى "حرية الإرادة" و ذلك لكون الضحية عندما يتعرض للتهديد لا يملك حرية الاختيار. وهذا ما جعل المشرع ينص على هذا الفصل في باب السرقة وجريمة التهديد.

ومن أجل حمايتنا من العنف الرقمي، تقول في نفس السياق، نبيلة جلال، محامية بهيئة الدار البيضاء، لـ"الترا صوت": "لا يجب إرسال صور شخصية غير مناسبة، ويجب تحسيس المراهقين باحترام أجسادهم وعدم توثيق لحظات جنسية أو غيرها بفيديوهات قد تستغل ضدهم، لأن الآخر ولو كان على حسن نية، يمكن أن يقع ضحية قرصنة أو يسرق هاتفه الخاص، ويمكن للسارق أن يستغل تلك الصور بطريقة سلبية، ستؤذينا لا محالة".

وتؤكد نبيلة أنه "ثمة حالات كثيرة تدخل في خانة الابتزاز الجنسي، والشرطة الرقمية بالمغرب تتوفر على إمكانيات  للمساعدة على القبض على المبتز، والقانون المغربي يعاقب المبتز بالسجن النافذ". غير أنه يصعب حصر قضايا الابتزاز الجنسي في المغرب، نظراً للتكتم الشديد بحكم طبيعة المجتمع، خصوصًا وأن هناك نساء يخترن التنازل عن حقهن في متابعة الجاني، والاستسلام لمساومته.