تعقد دول الاتحاد الأوروبي بحضور الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو" والمملكة المتحدة اجتماعًا في العاصمة البلجيكية بروكسل، الإثنين، حيثُ من المنتظر أن يطغى على هذا الاجتماع نقاشات زيادة الإنفاق الدفاعي في ظل دعوات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المتكررة التي تطالب الدول الأعضاء في الحلف بزيادة إنفاقهم الدفاعي، في الوقت الذي تبرز ملفات أخرى مرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية، ومحاولات ترامب شراء جزيرة غرينلاند الدنماركية.
تصف تقارير صحفية القمة الحالية بأنها تمثل "سابقة على ثلاثة أصعدة" مرتبطة ببعضها البعض. فإذا نظرنا بشكل فاحص إلى الحاضرين نجد أنها المرة الأولى التي يلتئم فيها قادة الدول الـ27 في اجتماع منذ تنصيب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة في 20 كانون الثاني/يناير الماضي، وأيضًا فإن الحلف يخصص للمرة الأولى اجتماعًا لمناقشة الإنفاق الدفاعي، وكذلك سيكون حاضرًا في القمة لأول مرة مسؤول بريطاني منذ خروج هذه الدولة من التكتل الأوروبي.
روسيا أولًا.. روسيا دائمًا
برزت العديد من المواقف التي يمكن الإشارة إليها خلال الساعات الأخيرة التي استبقت انعقاد القمة. في جردة سريعة على تصريحات المسؤولين الأوروبيين يمكن ملاحظة تركيز غالبيتها على الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، الذي مثّل مع كوفيد-19 "لحظات صحوة" للأوروبيين، وفقًا للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لكنه تطرق أيضًا لتصريحات إدارة الرئيس، دونالد ترامب، والتي رأى أنها "تدفع الأوروبيين إلى أن يكونوا أكثر اتحادًا، وأكثر نشاطًا في الاستجابة لموضوعات أمنهم الجماعي".
تصف تقارير القمة الحالية بأنها تمثل "سابقة" إذ أنها المرة الأولى التي يلتئم فيها قادة الدول الـ27 في اجتماع منذ تنصيب ترامب كما أنها تخصص للمرة الأولى اجتماعًا لمناقشة الإنفاق الدفاعي، وكذلك سيكون حاضرًا لأول مرة مسؤول بريطاني منذ خروج هذه الدولة من التكتل الأوروبي
أما رئيس الوزراء البولندي، دونالد توسك، فقد أكد على ضرورة بقاء "العلاقات مع الولايات المتحدة وكندا والنرويج فيما يتعلق بالدفاع في المقدمة"، خاصة في ظل مخاوف وارسو من أن تكون الوجهة التالية للكرملين في حربه ضد الغرب. رئيس الوزراء البلجيكي، بارت دي ويفر، لا يختلف هو الآخر في تصريحاته عن النهج الأوروبي، واصفًا القارة الأوروبية بأنها تعاني من "الكسل" في موضوع الإنفاق الدفاعي، قبل أن يقوم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بـ"إيقاظها"، مشددًا على ضرورة الحفاظ على العلاقة مع واشنطن.
ولا يمكن إغفال أن هذه القمة تأتي في الوقت الذي يحاول ترامب، ممثلًا بالولايات المتحدة الشريك الرئيسي في الحلف، الاستحواذ على جزيرة غرينلاند التي تتمتع بحكم ذاتي، وهو ما دفع برئيسة الوزراء الدنماركية، ميته فريدريكسن، للإعراب عن أملها بتوجيه رسالة مشتركة بوجه مطامع ترامب حيال هذه الجزيرة. كما يسجل الاجتماع عودة بريطانيا إلى دائرة القادة الأوروبيين عبر رئيس وزرائها، كير ستارمر، الذي لم يخرج عن سياق التصريحات، مؤكدًا أن "على أوروبا أن تضاعف جهودها لسحق آلة حرب بوتين في وقت يُظهِر الاقتصاد الروسي علامات ضعف".
منذ إطلاق حملته الانتخابية لانتخابات الرئاسة الأميركية قبل أكثر من عام، أكد ترامب أنه ينبغي على الدول الأعضاء في الناتو إنفاق 5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، وهو رقم أقل بكثر من معدل الإنفاق الأوروبي
ومنذ إطلاق حملته الانتخابية لانتخابات الرئاسة الأميركية قبل أكثر من عام، أكد ترامب أنه ينبغي على الدول الأعضاء في الناتو إنفاق 5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، وهو رقم أقل بكثر من معدل الإنفاق الأوروبي. وتشير التقارير إلى أن دول الاتحاد الأوروبي أنفقت نحو 1.9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، ورغم أن هذا المعدل أقل بكثير من طموحات ترامب، إلا أنه يسجل زيادة قدرها 30 بالمئة عن عام 2021.
حتى لا يكون "مجرد لقاء شكلي"
يلخص مسؤول أوروبي في حديثه لوكالة الأنباء الفرنسية هذا الاجتماع بالقول إن: "السؤال ليس ما إذا كان يجب القيام بذلك، بل كيف نفعل ذلك؟"، ويعني الشق الأخير من السؤال أن هناك إجماعًا غربيًا على ضرورة زيادة الإنفاق الدفاعي، حيثُ تسري التقديرات بأنه يجب على التكتل الأوروبي استثمار 500 مليار يورو إضافية في الدفاع على مدى العقد المقبل. كما أنه هناك معضلة أخرى تتمثل في إن كانت شركات الأسلحة الأميركية ستستفيد من هذه الزيادة، أم أنها ستكون مخصصة للشركات الأوروبية فقط.
ولتجاوز هذه الإشكالية تنادي دول عديدة في التكتل بضرورة الحصول على قرض أوروبي ضخم، إلا أن هذه النقاشات تصطدم بامتناع بعض الدول عن الدخول بها، كما الحال مع ألمانيا التي تقف على بعد 20 يومًا من تنظيم انتخابات تشريعية، الأمر الذي يجعلها تتجنب هذا النقاش البالغ الحساسية داخليًا. هذه الصورة غير الواضحة دفعت بدبلوماسي أوروبي إلى التأكيد على أنه إذا لم يتم التطرق "بصورة مباشرة إلى مسألة التمويل، فقد يكون اجتماع بروكسل هذا مجرد لقاء شكلي".
بحسب مجلة "بوليتيكو" الأميركية، فإن الموقف واضح من خلال تمسك باريس بأن الإنفاق الدفاعي يجب أن يكون على الأسلحة والمعدات المصنوعة في أوروبا، لكن ضابطًا فرنسيًا تحدث للصحيفة رافضًا الكشف عن هويته، أعرب عن خشيته من أن باريس أصبحت "معزولة بعض الشيئ ولا تحظى بدعم كبير"، معتبرًا أن الدول الأوروبية الأخرى "أكثر واقعية" في طرحها.
قرار ترامب بتجميد المساعدات الخارجية الأميركية أثار صدمة في عموم أوروبا الشرقية، الأمر الذي جعل الحكومات المحلية الموالية للغرب تواجه مصيرًا مجهولًا في ظل الصراع المحتدم بين الدول الغربية من طرف وروسيا والصين من طرف آخر.
اقرأ أكثر: https://t.co/EpyQY5fA8N pic.twitter.com/15Tx22IidP— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 1, 2025
وتحظى خطوة باريس بموافقة غير مباشرة من اليونان، حيثُ يمكن ملامستها في تصريحات نائب وزير الدفاع اليوناني، يانيس كيفالوجيانيس، الذي أكد الأسبوع الماضي أن شراء المزيد من الأسلحة "المطورة والمنتجة في الاتحاد الأوروبي سيؤدي إلى استقلال استراتيجي أكبر، خاصة إذا تعرض حلف شمال الأطلسي للضغوط خلال فترة ولاية ترامب الثانية".
وقد يكون لتصريح نائب وزير الدفاع اليوناني دور في اعتبار مسؤول في قصر الإليزيه أنه "لا يوجد انقسام بين أولئك الذين يريدون شراء الأسلحة الأميركية وأولئك الذين يريدون تخصيص الأموال الأوروبية للتفضيل الأوروبي"، لكنه أضاف أن التكتل يحتاج إلى "تطوير القدرات المشتركة التي يفتقر إليها الأوروبيون".
تعكس تصريحات مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي حالة الانقسام التي يشهدها التكتل قبل انعقاد القمة، فهو يشبه الاجتماع بأنه عملية "جراحة قلب مفتوح لرياضي بارز"، ويضيف "إنه أمر بالغ الأهمية، ومعقول، ويمكن أن ينقذ حياة، لكنه معقد للغاية ويتطلب الكثير من المهارة". وهذا الحال يبدو أكثر وضوحًا في تصريحات السفير الإيطالي السابق لدى الاتحاد الأوروبي، بييرو بيناسي، الذي يخشى أن "الإشارة الإيجابية" التي تريد إرسالها بروكسل "بعيدة كل البعد عن الاحتياجات التي يتطلبها الوضع الجيوسياسي الحالي".