27-سبتمبر-2017

"باي باي عراق" من لافتات الأكراد في أربيل يوم استفتاء تقرير المصير (سافين حامد/ أ.ف.ب)

قبل ساعات، أعلن مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، فوز "نعم" في استفتاء تقرير المصير الذي جرى أول أمس الإثنين، 25 أيلول/سبتمبر الجاري، الذي ترفضه غالبية القوى الإقليمية والدولية، مع تخوفات من تأثيره على مصير المنطقة، واحتمالية وقوع حرب أُخرى نتيجةً لهذا الانفصال حال وقوعه، خاصة مع تهديدات بغداد بانفتاحها على الخيار العسكري إذا استلزم الأمر، وأخيرًا إمهال حكومة العبادي، السلطات في كردستان العراق، ثلاثة أيام، لتسلم مطارات الإقليم إلى حكومة بغداد.

في الوقت الذي أعلنت فيه أغلب القوى الإقليمية والدولية رفضها لاستفتاء كردستان العراق، وقفت إسرائيل لتأييده بشكل صريح!

لكن في مقابل هذا الرفض الإقليمي، خاصة من تركيا وإيران اللتين تخشيان أن يقود هذا الاستفتاء إلى مطالبات شبيهة من الأكراد داخل أراضيهما؛ تقف إسرائيل صراحة لتؤيد هذا الانفصال وتدعمه، فرئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، كان قد أعلن دعم مساعي الإقليم نحو الإنفصال، مشيرًا في بيان له، إلى أن الوقوف الإسرائيلي بجانب دولة كردية منفصلة عن العراق أمر يفتخر به القائد الكردي صلاح الدين!

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: استفتاء إقليم كردستان.. بين الإصرار الكردي والمعارضة الإقليمية

ويُعدّ تصدر العلم الإسرائيلي للمسيرات الكردية سواءً في عاصمة الإقليم الكردي العراقي أربيل، أو في أوروبا؛ مثالًا واقعيًا على مدى قوة الدعم الذي تُوليه لانفصال كردستان عن العراق، والذي تهدف من ورائه إسرائيل لإقامة دولة كردية، حيث ستكون مهمة استراتيجية بالنسبة لتل أبيب في صراعها مع طهران.

رفع العلم الإسرائيلي كثيرًا خلال الأيام الماضي في تجمعات الأكراد بأربيل (يونس محمد/ Getty)
رفع العلم الإسرائيلي كثيرًا خلال الأيام الماضية في تجمعات الأكراد بأربيل (يونس محمد/ Getty)

علاقات قديمة

تعود العلاقات بين أكراد العراق وبين الحركة الصهيونية إلى أربعينات القرن الماضي، حين ساعدتهم في معاركهم مع الأنظمة العراقية منذ أيام الملكية وما بعدها، بإمدادهم بالسلاح والأغذية والمعونات الصحية، بل إنه في ستينيات القرن الماضي، زار ممثلون عن الموساد الإسرائيلي مواقع كردية شمال العراق.

وفي كتابه "الموساد في العراق ودول الجوار: انهيار الآمال الإسرائيلية الكردية"، تحدث اليهودي الأمريكي شلومو نكديمون، عن العلاقات الإسرائيلية الكردية، فقال إنها بدأت تأخذ شكلًا عمليًا في فترة الخمسينات، خاصة بعد أن وافق عبد الكريم قاسم على قيام الحزب الديمقراطي الكردي، بزعامة مصطفى البرزاني، والد مسعود برزاني، واعترف بالحقوق الوطنية للأكراد، وصادق على إصدار 14 صحيفة كردية.

وأضاف أنه قد بدأت الاتصالات بين إسرائيل والولايات المتحدة لمعرفة أهداف ونوايا البرزاني، الذي سماه بيان وزير الخارجية الإسرائيلي، عام 1959، بـ"بارزاني الأحمر". وعلى خلفية المعارك التي خاضها بارزاني مع الجيش العراقي عام 1961، طلب من إسرائيل أسلحة وذخائر وأدوية لمعالجة الجرحى الأكراد، وتقديم المساعدة لإنشاء محطة إذاعة كردية جديدة، مشيرًا إلى أن الاتصالات بينهما كانت تتم عن طريق مخابرات الشاه الإيرانية، ونشاط الأكراد في أوروبا مع السفارات الإسرائيلية.

وفي إحدى زيارات ممثل المخابرات الإيرانية، بدير خان، إلى إسرائيل، طلب تقديم مساعدات للأكراد لتمكينهم من مواجهة هجمات الجيش العراقي على مواقعهم في الشمال، وذلك بإرسال 12 راجمة بازوكا ومدافع ضد الطائرات وجهاز إرسال ومساعدات مالية.

ووفقًا للباحث الأمريكي أدوموند غاريب، في كتابه "القضية الكردية في العراق"، فإن الأكراد عام 1972، كانوا ينقلون معلومات شاملة حول الجيش العراقي إلى كل من المخابرات الإيرانية والإسرائيلية.

توطدت العلاقات الإسرائيلية الكردية منذ الخمسينيات وصولًا لتبادل الزيارات بل احتفال مصطفى البارزاني مع إسرائيليين باحتلالهم القدس!

ومنذ منتصف الستينات أصبح لملف أكراد العراق أهمية خاصة لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ففي 15 نيسان/أبريل 1965، ووفقًا للكتاب المذكور، عقد رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك، ليفي أشكول، اجتماعًا حضرته غولدا مائير وكانت وزيرة للخارجية، وإسحق رابين وكان رئيسًا للأركان، ومائير عميت رئيس الموساد آنذاك. وكان محور الاجتماع قضية الأكراد والعلاقات مع إسرائيل، ليخلص الاجتماع إلى قرار بضرورة منح الأولوية للقضية التركية، وفقًا لما جاء في الكتاب.

اقرأ/ي أيضًا: "دولة" كردستان.. المبضع الأمريكي المرتقب

وفي كتابه "الموساد في العراق ودول الجوار: انهيار الآمال الإسرائيلية الكردية"، ذكر شلومو نكديمون أن بارزاني الأب، احتفل مع الاسرائيليين فوق جبل كردستان باحتلالهم القدس عام 1967، وذلك بذبح كبش علق في رقبته شريطًا من اللونين الأزرق والأبيض، رمزًا لعلم الاحتلال الإسرائيلي، وقد كُتب عليه: "هنئوا إسرائيل لاحتلالها بيت المقدس".

وكانت الزيارة الأولى التي أجراها بارزاني للأراضي المحتلة، في منتصف نيسان/أبريل 1968، بالتزامن مع عيد الفصح اليهودي. وهناك اجتمع بمسؤولين في سلطات الاحتلال، كزلمان شوفال وكان الرئيس الإسرائيلي آنذاك، وكذلك وزير الدفاع حينها موشيه ديان. وشهد هذا اللقاء المرة الأولى لطرح فكرة الدولة الكردية، عندما قال كزلمان شوفال لبارزاني: "تخل عن فكرة الحكم الذاتي، واعمل من أجل إقامة دولة كردية".

مصطفى برزاني (يسار) مع وزير الدفاع الإسرائيلي (يمين) موشيه ديان في منزله، عام 1968
مصطفى برزاني (يسار) مع وزير الدفاع الإسرائيلي (يمين) موشيه ديان في منزله، عام 1968

الإمارات والسعودية على خط إسرائيل

التأييد الإسرائيلي لانفصال إقليم كردستان عن العراق ليس الوحيد في المنطقة، فهناك السعودية والإمارات، اللتان تدعمان الأمر، لمزيج نكاية في إيران وتركيا من جهة، وقربانًا من إسرائيل من جهة أخرى على ما يبدو.

وأفادت صحيفة التايمز البريطانية، أنّ دولًا عربية تتفق سرًا مع إسرائيل على تأييد انفصال كردستان، موضحًا أن ذلك يأتي تماشيًا مع مقولة "عدو عدوي هو صديقي".

وبحسب التايمز، فإن إسرائيل تدعم الاستفتاء علنًا، في حين تدعمه السعودية سرًا، قائلة إن كلًا من إسرائيل والسعودية تعتقدان أن انفصال إقليم كردستان العراق، سيجعلهما يحظيان بمزايا وجود وكيلٍ لهما يُشارك إيران حدودًا جبلية ممتدة.

تدعم إسرائيل انفصال كردستان علنًا، وعلى خطها تسير الإمارات والسعودية، لكن بدعم سرّي، نكاية في إيران تحديدًا ثم تركيا

وفضلًا عن التصريحات الإماراتية المؤيدة لانفصال إقليم كردستان، فقد اتخذت الإمارات أيضًا خطوة عملية متمثلة في توقيع رئيسة مركز الإمارات للسياسات، ابتسام الكتبي، التي وقعت مذكرة تفاهم مع الإقليم مطلع العام الجاري 2017 للمساعدة في تنظيم عملية الاستفتاء، قائلةً في تصريحات صحفية، إنه إذا ما أُعلن عن استقلال الإقليم بشكل كامل عن بغداد، فإن أبوظبي ستعترف بهذا الاستقلال.

حساب "مجتهد" على تويتر، والمعروف بتسريباته الخليجية، التي تأكد بعضها لاحقًا، نشر عدة تغريدات أكد فيها دعم السعودية والإمارات لانفصال إقليم كردستان العراق، وإن تبنتا مواقف معلنة خلاف ذلك، رابطًا هذا الدعم بـ"خدمة زيادة النفوذ الصهيوني عند ابن سلمان وابن زايد".

 

 

 

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

كردستان العراق.. عسكرة على طريق الانقسام!

تطبيع أبوظبي والرياض مع إسرائيل.. اتهمْ قطر لتنجو بجريمتك!