09-ديسمبر-2019

خلال إعادة افتتاح سفارة الإمارات في دمشق كانون الأول/ديسمبر 2018. (رويترز)

رسالة سياسية أطلقتها الدبلوماسية الإماراتية من العاصمة دمشق، من خلال الإشادة بالنظام السوري ورأسه بشار الأسد. إعلام النظام الرسمي والموالي سارع بتفسيرها والترويج على أنها بداية لتطبيع السعودية مع النظام، بعد سبع سنوات من قطع الدول الخليجية العلاقات مع دمشق بسبب قمع الأسد للثورة السلمية، وسبقها تعليق جامعة الدول العربية لعضوية سوريا.

أكّد نائب وزير خارجية النظام السوري أن بلاده "لن تنسى دور الإمارات في الوقوف إلى جانب سوريا في حربها على الإرهاب"

القائم بأعمال السفارة الإماراتية لدى دمشق، عبد الحكيم النعيمي، أشاد بحكم بشار الأسد في سوريا، وبالعلاقات المتينة بين الجانبين.

اقرأ/ي أيضًا:مؤتمر ضد قطر واستغلال جنسي وتمويل مشبوه.. قصة رَجُليْ أبوظبي في واشنطن

جاء ذلك في كلمة له بحسب وكلة أنباء النظام (سانا) خلال احتفال سفارة الإمارات في سوريا، الإثنين، بالعيد الوطني لبلادها الـ48، والتي أبرزت تغيرًا لافتًا في سياسات أبو ظبي حيال النظام السوري.

وأعرب النعيمي عن أمله في أن "يسود الأمن والأمان والاستقرار ربوع الجمهورية العربية السورية تحت القيادة الحكيمة لفخامة الدكتور الرئيس بشار الأسد" على حد تعبيره.

بدوره رد فيصل المقداد، نائب وزير خارجية النظام خلال الاحتفالية، المديح بمثله مؤكدًا أن بلاده "لن تنسى دور الإمارات في الوقوف إلى جانب سوريا في حربها على الإرهاب".

هكذا بدأ تطبيع الإمارات

في كانون الأول/ديسمبر 2018، أعادت أبو ظبي فتح سفارتها في العاصمة السورية، بعد إغلاق دام 7 سنوات، الخطوة الإماراتية جاءت بعد تطبيع اقتصادي بوصول قافلة تجارية إماراتية إلى الأراضي السورية ومن ثم اللبنانية، دخلت من معبر نصيب - جابر الحدودي بين سوريا والأردن.

وكالة "سانا" نقلت عن القائم بالأعمال بالنيابة عبد الحكيم النعيمي حينها قوله إن افتتاح السفارة "دعوة لعودة العلاقات وفتح سفارات الدول العربية الأخرى".

صحيفة "الوطن" السورية الموالية نقلت أيضًا عن مصادر دبلوماسية عربية (لم تسمها) في دمشق أن "عدد الدبلوماسيين الإماراتيين الذين أوفدتهم أبو ظبي الى دمشق اثنان بينهما القائم بالأعمال عبد الحكيم النعيمي".

وقبل بدء التطبيع الإماراتي العام الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن "السعودية وافقت على إنفاق الأموال اللازمة للمساعدة في إعادة إعمار سوريا بدلًا من الولايات المتحدة"، ليلحقه إعلان آخر حول سحب القوات الأمريكية من سويا وفتح المجال أمام روسيا لاحقًا لتقوي علاقاتها بالإمارات والسعودية.

تستضيف الإمارات حتى اليوم شخصيات من عائلة الأسد وأخرى مرتبطة بالنظام السوري، ورجال الأعمال الموالين للنظام

وكانت جامعة الدول العربية قد علقت عضوية سوريا في 12 من تشرين الثاني 2011، أي بعد نحو ثمانية أشهر من بدء الثورة في سوريا، وطالبت النظام "بعدم استخدام العنف ضد المتظاهرين المناهضين له".

اقرأ/ي أيضًا: تطبيع الروبوتات!

وفي آذار/مارس 2012، قررت الدول الخليجية السعودية والإمارات وسلطنة عمان وقطر والكويت والبحرين سحب سفرائها من سوريا متهمة إياها بارتكاب "مجزرة جماعية ضد الشعب الأعزل"، في إشارة الى قمع الاحتجاجات الشعبية بالقوة.

الحجة الإيرانية

وزير الدولة الإماراتية للشؤون الخارجية أنور القرقاش غرّد على تويتر في كانون الأول/ديسمبر 2018، بالقول إن "الدور العربي في سوريا أصبح أكثر ضرورة تجاه التغوّل الإقليمي الإيراني والتركي، وتسعى الامارات اليوم عبر حضورها في دمشق إلى تفعيل هذا الدور وأن تكون الخيارات العربية حاضرة وأن تساهم إيجابًا تجاه إنهاء ملف الحرب وتعزيز فرص السلام والاستقرار للشعب السوري". متجاهلًا المجازر التي ارتكبها نظام الأسد بحق الشعب السوري طيلة ثماني سنوات، حيث تطغى المصلحية السياسية على حساب الموقف الأخلاقي.

تستضيف الإمارات حتى اليوم شخصيات من عائلة الأسد وأخرى مرتبطة بالنظام السوري، ورجال الأعمال الموالين للنظام، من بينهم والدة رئيس النظام أنيسة مخلوف.

تدخلت إيران في سوريا لمنع نظام الأسد من السقوط وتهديد مشروعها في الوصول إلى المتوسط، وهو بات قريبا بحسب مراقبين، فإضافة إلى نفوذها السياسي والعسكري المتمثل بالحرس الثوري والميليشيات التابعة، حازت إيران على استثمارات اقتصادية في البلاد، في محاولة لتحصيل فاتورة دعمها للأسد قبل أن يحظى الروس بحصة الأسد من سوريا. ومؤخر وقعت إيران 11 اتفاقية ومذكرة تفاهم مع النظام، كانت حصيلة اللجنة العليا السورية الإيرانية المشتركة.

وكشفت مصادر سورية، رفضت ذكر اسمها، لـ"العربي الجديد"، بعض أوراق التعاون الموقّعة بين سوريا وإيران، كاتفاقية التعاون الاقتصادي الاستراتيجي طويل الأمد، ومذكرة تفاهم بين وزارة الاقتصاد في سوريا ووزارة الصناعة والمناجم والتجارة في إيران، ومذكرات تفاهم أخرى بين مؤسسات الطرفين، منها اتفاق هيئة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب التابعة للنظام السوري، ووحدة التحويلات المالية في إيران بشأن التعاون في تبادل المعلومات المرتبطة بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

وقال نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانجيري من العاصمة السورية دمشق إن طهران توصلت إلى اتفاقات "مهمة جدًا بشأن التعاون المصرفي" مع سوريا.

نظام الأسد المقاطع دوليًا والمرهق من العقوبات الأمريكية والأوروبية يبحث عن نافذة يتنفس من خلالها

نظام الأسد المقاطع دوليًا والمرهق من العقوبات الأمريكية والأوروبية يبحث عن نافذة يتنفس من خلالها، من هنا تلقّف إعلامه تصريحات النعيمي الأخيرة وبدأ بنشر أخبار وتسريبات بأن افتتاح السفارة السعودية بات "مسألة وقت فقط".

اقرأ/ي أيضًا: ما مستقبل التواجد الإماراتي في اليمن بعد اتفاق الرياض؟

في السياق أعلن "اتحاد الصحافيين السوريين"، عبر صفحته في "فيسبوك" عن مشاركة رئيس الاتحاد، موسى عبد النور، في اجتماعات الأمانة العامة التابعة لـ"اتحاد الصحافيين العرب" في الرياض. ونشر صورة لعبد النور جالسًا بجوار عدد من الحضور العرب والخليجيين.

ونقلت صحيفة "الوطن"، الموالية قبل أيام، عن مصدر رفض الكشف عن اسمه، أن افتتاح السفارة السعودية في دمشق "ليس بعيدًا"، علماً أن الأنباء عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق والرياض، تتكرر منذ الانفتاح الذي أبدته دول عربية تجاه نظام الأسد نهاية العام الماضي. لكن وزارة الخارجية السعودية نفت، حينها، نيتها افتتاح سفارتها. ورغم النفي السعودي، تحدثت وسائل إعلام في الأشهر الماضية، أن وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي، حمل رسالة من السعودية إلى النظام، عند زيارته دمشق ولقائه بشار الأسد، كما ذكرت وكالة "سبوتنيك" الروسية، أن مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف حمل رسالة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الأسد، خلال زيارته لدمشق قبل نحو ثلاثة أشهر.

ونقلت "روسيا اليوم" عن "مصدر مطلع" في دمشق أنه يجري حاليًا وضع الترتيبات النهائية لذلك، وأشار المصدر إلى أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن "عودة قريبة" لاستئناف العلاقات بين البلدين، إلا أن عددًا من المؤشرات الراهنة تؤكد ذلك ومنها كما يرى ما أعلنه القائم بالأعمال الإماراتي في دمشق منذ أيام.

خليجيًا نقلت الوكالة الكويتية للأنباء كونا، نفي نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجار الله قطع علاقات بلاده الدبلوماسية مع سورية بالقول "إن علاقة الكويت بدمشق مجمدة وليست مقطوعة".

مبعوث الرئيس الروسي ألكسندر لافرينتيف حمل رسالة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الأسد، خلال زيارته لدمشق

اقرأ/ي أيضًا: علاقة الإمارات بخبراء التجسس الإسرائيليين والأمريكيين.. القصة كاملة

وصرح الجار الله "لم نتقدم بطلبات محددة بشأن فتح سفارتنا في دمشق، ولن نستبق الأحداث" مبينًا أن هناك سفارة سورية موجودة في الكويت والسفارة الكويتية في دمشق مغلقة، كما أن هناك رحلات طيران يومية بين الكويت ودمشق.. لن نستبق الأحداث، ولكل حادث حديث".

الإمارات والثورة السورية

بحسب مراقبين، إن الإمارات لم تعلن عمليًا دعمها للنظام السوري حيث عارضته سياسيًا لكنها بقيت معه ومع حلفائه اقتصاديًا، ونظرت إلى استبداده وتوسعه في القتل والقمع كأحد أسباب ظهور تنظيم الدولة الإسلامية واستمراره والتجنيد له، وهو ما جعلها تقف ضده، ولكن بحذر، بما يتوافق مع سياستها الإقليمية المتمثلة بالعداء لأي تيار للإسلام السياسي، والذي تنظر له بعين العداوة أكثر مما تنظر للنظام السوري، وتسعى للتخلص منه، ولكن من داخل الثورة السورية نفسها.

في الوقت نفسه؛ سعت الإمارات لتحقيق هدفيها المزدوجين، عبر دعمها لفصائل من "الجيش السوري الحر"، وأبرزها فصيل "الجبهة الجنوبية"، المدعومة من "مركز العمليات العسكرية" في الأردن، المعروف بـ"الموك"، والذي تملك الإمارات نفوذًا كبيرًا خلاله، إضافة للفصائل المدعومة من وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" تحديدًا، إلا أن هذه الجبهة انهارت أمام ضربات النظام وروسيا الحليفان اللذين سيطرا على المنطقة وقاما بتكفيك فصائل الجبهة الجنوبية. كذلك تدعم الإمارات أحمد الجربا وفصيله العسكري "قوات النخبة" ذو الخلفية العشائرية المفيدة لأبو ظبي.

كان الجربا بعد خروجه من الإئتلاف الوطني السوري الذي ترأسه سابقًا، قد أسّس تيار الغد السوري في آذار 2016 في مصر، وافتتح اجتماعه التأسيسي بنشيد "حماة الديار"، بحضور عدد من الشخصيات المصرية، أبرزها وزير الخارجية سامح شكري، والقيادي الفلسطيني في حركة "فتح" محمد دحلان، المقرب من الإمارات العربية المتحدة بحسب جريدة عنب بلدي.

ما علاقة روسيا في تطبيع الإمارات مع الأسد؟

يقول معهد واشنطن لدراسة السياسيات إنه، "لطالما تودّدت روسيا إلى دول الخليج العربي، وخلال السنوات القليلة الماضية وسّعت رقعة تواجدها في القرن الأفريقي أيضًا. لكن يبرز الآن عامل مشترك بين هذه الأنشطة التي تبدو غير مترابطة، ألا وهو سعي موسكو إلى النفوذ والنفاذ في منطقة البحر الأحمر بهدف تعزيز طموحاتها كقوة عظمى على حساب الغرب".  

 سبق أن أعادت كل من الإمارات والبحرين فتح أبواب سفارتيهما في دمشق، ويراقب القادة الخليجيون أنشطة موسكو في سوريا ساعين إلى التعاون بدلًا من المواجهة

في هذا الإطار، أجرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مطلع آذار/مارس جولة في دول الخليج، اجتمع خلالها بكبار المسؤولين في عواصم قطر والسعودية والكويت والإمارات. وتطرقت المحادثات إلى كل شيء، بدءًا بالتجارة مرورًا بكرة القدم، ووصولًا إلى سوريا والصراع الإسرائيلي-الفلسطيني والأمن في المنطقة. وأشارت صحيفة "كومرسانت" الروسية اليومية إلى أن هذه الرحلة كانت مقدّمة لجولة خليجية محتملة سيجريها الرئيس فلاديمير بوتين في وقت لاحق من هذا العام.

اقرأ/ي أيضًا: وزير الخارجية الإسرائيلي في أبوظبي.. التطبيع الإماراتي إلى العلن

يرى المعهد أن تدخل بوتين في سوريا أكسبه احترامًا على مضض في أوساط قادة الخليج، رغم معارضتهم الشرسة في بادئ الأمر لمسعى الحرب الذي يبذله نظام الأسد وعلى الرغم من واقع اصطفاف روسيا أساسًا إلى جانب المحور الإيراني الذي يخشونه كثيرًا. وفي حين أظهر الغرب ترددًا لسنوات في سوريا، إلا أن بوتين رفض المساومة وأبقى الأسد في السلطة. والآن بعد أن عجّلت الولايات المتحدة على ما يبدو انسحابها من المنطقة، يبدو أن دول الخليج ترى أن خيارها الوحيد يتمثل في التعامل مع الأسد وبوتين. وبالفعل، سبق أن أعادت كل من الإمارات والبحرين فتح أبواب سفارتيهما في دمشق، ويراقب القادة الخليجيون أنشطة موسكو في سوريا ساعين إلى التعاون بدلًا من المواجهة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الإمارات وميليشياتها.. عبث في حاضر اليمن وتزوير تاريخه

هوس ابن زايد.. أبوظبي تستعين بضباط "CIA" لبناء إمبراطورية جاسوسية (2-1)