07-سبتمبر-2017

لا يقبل الجزائري بسهولة أي تناول لمقدس ديني بما لا يراه لائقًا (مايكل سيتبون/Getty)

قد لا يمارس الجزائري الطقوس الدينية بحماس كبير، وقد يُقبل على بعض العبادات موسميًا، لكنّ ضميره الدّيني متوثب دائمًا، بما يجعله قابلًا للاشتعال بسبب أدنى كلمة خادشة للمقدّسات الدّينية.

يقول الباحث في التصوّف الإسلامي ورئيس "ملتقى الأنوار للفكر الحر"، سعيد جاب الخير، إن "الجزائري قد يكون غارقًا في زجاجة النبيذ، لكنه سيصرعك بها إذا تناولت مقدّسًا دينيًا بما لا يراه لائقًا"، ويبرّر هذه الروح بالقول: "تديّن المغاربيين عمومًا لا يركز على التطبيق، بل على العقيدة. لذلك قد يبدو لنا أن هناك تناقضًا بين سلوكهم وانتمائهم الإسلامي، لكنهم يشعرون بالانسجام مادام إيمانهم قويًا".

كلما أرادت الحكومة الجزائرية إخماد غضب شعبي لأسباب اقتصادية أو سياسية، بادرت إلى إغلاق الحانات لدغدغة مشاعر الجزائرين

في ظلّ هذا المعطى، يصبح إعلان الفرد عن إلحاده، أو حتى إيمانه بعدم جدوى إدخال الدّين في الحياة العامّة؛ أمرًا صعبًا وجالبًا لمشاكلَ مختلفةٍ له، على مستوى الأسرة والمحيط العام معًا.

اقرأ/ي أيضًا: الحكومة الجزائرية والدين.. تحويل الأنظار

في هذا الصدد يُشير الكاتب والجامعي شيخ ضيف الله في حديث لـ"ألترا صوت"، إلى أنه ليس هناك أمر يجمع عليه الجزائريون في الجهات الأربع للبلاد، مثل تقديسهم للدّين، ونبذهم لمن يحاول أن يخرج عنه ولو في إطار النقاش الفكري والدعوة إلى تجديد الخطاب.

وأضاف شيخ ضيف الله: "هو معطى جعل إمكانية أن يُستغفل الجزائري باسم الدين متاحة وسهلة"، ضاربًا أمثلة على ذلك بالمتسوّلين الذين يستعملون عبارات دينية لاستجلاب الشفقة، والمتحايلون في التجارة والمعاملات يتقنّعون بأقنعة دينية، وكذا الحكومة التي كلما أرادت أن تخمد غضب الشعب لدواع اقتصادية وسياسية، بادرت إلى غلق الحانات أو مطاردة الطوائف المخالفة للمذهب السائد أو المجاهرين بالإفطار في رمضان!

إلا أن ظهور مواقع التواصل الاجتماعي منذ ما يقرب من عقد، خاصة فيسبوك، لفت الانتباه إلى وجود شريحة من الشباب المتحرّرين دينيًا، والذين لا يجدون حرجًا في الإعلان عن إلحادهم، ويملكون الجرأة في الدفاع عن خياراتهم، ما يجعل الظاهرة جديرة بالدراسة والبحث في سياقاتها وملاباساتها، وما يترتب عنها من تجاذبات بين شرائح مجتمع محافظ وأحادي المذهب، بعيدًا عن التناولات العاطفية لدى الطرفين.

يرى إسماعيل مهنانة، أستاذ الفلسفة المعاصرة في جامعة قسنطينة، في حديث مع "ألترا صوت"، أن الظاهرة ثمرة طبيعية لجملة من السياقات، يُعدد بعضها، فيقول: "منها فشل الخطابيْن الدّيني والعلماني معًا في مخاطبة العقول، ومراعاة التحوّلات الحاصلة في الحياة المعاصرة، في انزياحها نحو الحريات الشخصية وحقوق الإنسان وضمور قابلية الانسياق وراء السرديات الكبرى الساعية إلى التحكم في العقول والضمائر"، شارحًا فكرته الأخيرة بقوله: "بات شعار الجيل الجديد: يمكنك أن ترافقني وتحاورني لا أن تستحوذ علي".

تطور وسائل الاتصال، وعلى رأسها مواقع التواصل الاجتماعي، جعل من الظهور والتحرك والإعلان عن الذات محررًا من الرقابة

وفقًا لإسماعيل مهنانة، فقد تعزز هذا التوجه بتطور وسائط الاتصال، ما جعل الظهور والتحرك والإعلان عن الذات محرّرًا من الرقابة، وهو، كما يقول "المعطى الذي خفّف من هيمنة الأبويات المختلفة، ويسّر نشوء أسر فكرية افتراضية بديلة للأسرة الكلاسيكية، مع مراعاة أن الجيل الجديد ثري باللغات الأجنبية، التي تمكّنه من التواصل مع الفضاءات الغربية والمتحررة في العالم".

اقرأ/ي أيضًا: وسائل التواصل الاجتماعي..هل توصل إلى الشك بالذات؟

وبقدر ما أغرى الفكر الدّاعشي، وقبله الإسلام السياسي الأصولي الذي أفضى إلى عشرية من العنف والإرهاب في الجزائر، نسبة قليلة من الشباب الجزائريين، يواصل إسماعيل مهنانة حديثه، بقدر ما شكّل صدمة لقطاع واسع منهم، فراحوا يبحثون عن مقولات بديلة له، في المشاريع الفكرية والفلسفية والفنية العالمية، ممّا جعلهم مبرمجين على ثقافة الشك عوض ثقافة اليقين، وثقافة السؤال عوض ثقافة التسليم بالحقائق.

ولفت إسماعيل مهنانة مُؤلف كتاب "العرب ومسألة الاختلاف"، إلى معطى قال إنه "غير مدروس"، وهو انفتاح الجيل الجديد على العلوم التجريبية، مثل الرياضيات والفيزياء، بكل نظرياتها العلمية المتناقضة مع معطيات الخطاب الدّيني، قائلًا إنّه "انفتاح عزّز التوجّه نحو الإلحاد والعلمانية والتمرّد على الأسيجة الدوغمائية المغلقة بلغة محمد أركون".

وفي سياق رصد معاناة الشاب الجزائري الملحد، يقول عبدالله منقور، طالب الحضارة البريطانية في جامعة مدينة مستغانم، إن "كلمة الحرية تخيف الجزائريين"، مُوضحًا: "لأنها مرتبطة في أذهانهم بالحرية الجنسية والانحلال الأخلاقي، ناهيك عن حرية المعتقد، الذي يشكل الأفيون المانح للاطمئنان وراحة البال".

وأضاف: "الكسل والعقم الفكري والدروشة وغياب روح العلم والحوار قيم جعلت الفرد الجزائري يخضع لتفسيرات المشايخ حرّاس الماضي، وهو ما جعل البلاد في عزلة عن العالم الضاجّ بالتيارات والرؤى والعقائد".

يرى البعض أن كلمة الحرية تخيف الجزائرين لارتباطها في أذهانهم بالحرية الجنسية والانحلال الأخلاقي

ويرى منقور أن الشارع الجزائري بات يرفض وجود طوائف إسلامية، بعضها متجذّر تاريخيًا في نسيجه الثقافي والعقائدي، "فكيف بمتحرّر من الدين أصلًا؟"، كما تساءل، قائلًا إنه تعرّض إلى مضايقات كثيرة من طرف أسرته ومحيطه الاجتماعي: "فقط لأنني انتقدت سلوك بعض الصّحابة والممارسات التي نقلها لنا المؤرخون، ودعوت إلى الإيمان بحرية المعتقد، وعدم تطبيق أي إجراء قانوني ضدّها".

اقرأ/ي أيضًا: لا يولد الناس أحرارًا في الشرق

في السياق، يقول الحقوقي عقبة بوشاقور لـ"الترا صوت"، إن المدونة القانونية الجزائرية لا تتضمّن مبدئيًا ما يجرّم حرية المعتقد أو التجرّد من الدّين، فذلك مضمون في الدستور بشكل ما، مُستدركًا: "غير أن بعض القضاة يتعاملون مع الإعلان عن الإلحاد بطريقة صادمة على أنه استفزاز للضمير العام، وهو سلوك يعاقب عليه القانون"، مُضيفًا: "عادة ما لا تتحرّك المحاكم في مثل هذه القضايا إلا إذا أصبحت قضية رأي عام".

 

اقرأ/ي أيضًا:

رشيد بوجدرة.. المحكوم عليه بالازدراء مزحًا!

الملحدون العرب.. إلحاد كيديّ؟!