الإفراج عن رميساء أوزتورك: انتصار قانوني وهزيمة لخطاب القمع الأكاديمي
10 مايو 2025
في تطوّر قضائي مهم، أمر القاضي الفيدرالي ويليام ك. سيشنز بالإفراج الفوري عن الطالبة التركية رميساء أوزتورك، التي كانت محتجزة في مركز للهجرة بولاية لويزيانا منذ 25 آذار/مارس الماضي.
وخلال جلسة الاستماع التي عُقدت في برلينغتون بولاية فيرمونت، قال القاضي: "إن أوزتورك لا تشكّل تهديدًا للمجتمع ولا تُعتبر مصدر خطر"، مضيفًا: "هي حرّة في العودة إلى منزلها في ماساتشوستس أو التنقّل بين ماساتشوستس وفيرمونت كما تشاء".
وأشار القاضي إلى أن فرض قيود على حركتها سيكون غير مبرر، لافتًا إلى أن مسيرتها الأكاديمية تتطلب المشاركة في فعاليات ومؤتمرات علمية خارج الولاية، وأن منعها من السفر يضرّ بمستقبلها الدراسي والمهني دون أي مبرر قانوني.
قال القاضي: "إن أوزتورك لا تشكّل تهديدًا للمجتمع ولا تُعتبر مصدر خطر"، مضيفًا: "هي حرّة في العودة إلى منزلها في ماساتشوستس أو التنقّل بين ماساتشوستس وفيرمونت كما تشاء"
احتجاز بسبب رأي
طالبة دكتوراه في جامعة تافتس، كانت قد شاركت في كتابة مقال رأي نُشر في صحيفة طلابية تنتقد فيه موقف الجامعة من الحرب الإسرائيلية على غزة، داعيةً إلى فك ارتباطها الاستثماري بشركات تتعامل مع إسرائيل.المقال كان الدليل الوحيد الذي استندت إليه وكالة الهجرة والجمارك الأميركية (ICE) في اعتقالها، متهمة إياها بدعم حركة حماس، المصنفة كـ"منظمة إرهابية" من قبل الإدارة الأميركية.
وهو ما اعتبره القاضي بأنه يفتقر لأي أساس قانوني، مشددًا على أن استمرار احتجاز أوزتورك "يردع ملايين الأشخاص من ممارسة حقهم في حرية التعبير"، ومعتبرًا أن انتقاد السياسات الإسرائيلية لا يُعد مسوغًا قانونيًا للاعتقال أو الترحيل.
وقد أظهرت القضية كيف أن الحملة الفيدرالية الجديدة ضد ما تعتبره الحكومة "معاداة للسامية" في الجامعات الأميركية بدأت تطال طلابًا أجانب دون أدلة واضحة على التحريض أو التورط في العنف.
وذكر حينها وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، أن بلاده ألغت تأشيرة أوزتورك، وتعتزم ترحيلها من الولايات المتحدة. كاشفًا أن بلاده ألغت تأشيرات أكثر من 300 طالب أجنبي وصفهم بأنهم مؤيدون لحماس.
شهادة مؤلمة ومعاناة صحية
وخلال جلسة الاستماع، أدلت أوزتورك بشهادتها عن بُعد، وقالت إن ظروف الاحتجاز كانت قاسية وغير إنسانية، مشيرةً إلى تفاقم حالتها الصحية المرتبطة بالربو بسبب انعدام التهوية، وانتشار الحشرات، وارتفاع نسبة الرطوبة. كما تحدثت عن حرمانها من الهواء النقي والتعرض المستمر للمنظفات الكيماوية.
من جهتها، أكدت الطبيبة جيسيكا ماكانون، التي أدلت بشهادتها خلال الجلسة، أن صحة أوزتورك تدهورت بشكل خطير، محذّرة من احتمال تفاقم حالتها إذا استمر احتجازها. وقد اضطرت أوزتورك إلى مغادرة الجلسة مؤقتًا بعد إصابتها بنوبة ربو على الهواء مباشرة.
ضرر أكاديمي وتهديد لمستقبل علمي
من جهتها، قدّمت مديرة الدراسات العليا في قسم تنمية الطفل بجامعة تافتس، البروفيسورة سارة جونسون، شهادة قالت فيها إن "أوزتورك تعتبر عنصرًا محوريًا في مشروع بحثي كبير، وأن غيابها عرقل مسار المشروع". كما لفتت إلى أنها فوّتت موعدًا مهمًا لتقديم أطروحتها، وأُجبرت على التغيب عن مؤتمر علمي بارز الأسبوع الماضي.
وأضافت جونسون: " أوزتورك كانت من المقرر أن تقدم بحثها في مؤتمر دولي كبير. حضورها كان ضروريًا، وهي خبيرة في الجانب الإعلامي بالمشروع، وغيابها أثّر في سير العمل البحثي بالكامل".
من المنحة إلى الزنزانة
قدِمت الطالبة التركية إلى الولايات المتحدة بمنحة "فولبرايت" (Fulbright) المرموقة لمتابعة دراساتها في مجال العلوم السياسية، قبل أن يتم توقيفهابشكل مفاجئ أثناء مغادرتها مقر إقامتها. وقد وُصف المشهد بـ"المريب"، إذ حاصرها عناصر ملثمون بلباس مدني واقتادوها إلى سيارة لا تحمل علامات أو لوحات رسمية، وسط دهشة المارة. ومنذ ذلك الحين، أُودعت أوزتورك في مركز احتجاز في ظروف وصفتها بـ"القاسية"، حيث تدهورت حالتها الصحية نتيجة إصابتها بالربو.
انتقائية العدالة أم قمع صامت؟
إدارة الرئيس دونالد ترامب لم تُخفِ نيتها في استغلال قوانين الهجرة لمعاقبة الأصوات الرافضة للحرب الإسرائيلية على غزة والمعبّرة عن دعمها للفلسطينيين. ففي تصريح رسمي عقب قرار الإفراج، أكد متحدث باسم وزارة الأمن الداخلي أن "الفيزا امتياز لا حق"، مضيفًا أن الإدارة ستواصل "اعتقال وترحيل الأجانب الذين لا يحق لهم التواجد في البلاد"، وفق قوله.
هذا الموقف يكشف عن تناقضٍ عميق بين نصوص الدستور الأميركي، التي تكفل حرية الرأي والتعبير للجميع، وبين سياسات الترحيل التي تستهدف نشطاء ومثقفين أجانب بسبب آرائهم، لا أفعالهم.
قضية رميساء أوزتورك ليست استثناءً. فطلاب أجانب، مثل الناشطين الفلسطينيين محمود خليل ومحسن مهداوي، تعرّضوا للاعتقال الإداري دون محاكمة أو توجيه تهم جنائية، فقط بسبب تعبيرهم عن مواقف داعمة لفلسطين. ويعكس هذا النمط اتجاهًا ممنهجًا داخل الإدارة الأميركية لاستخدام قوانين الهجرة كأداة رقابية لمعاقبة الأجانب الذين لا ينسجمون مع السياسات الرسمية، خاصة في قضايا حساسة مثل الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي.
الجامعات بين الحياد والتواطؤ
رغم ترحيب جامعة تافتس بقرار الإفراج عن طالبتها، فإن موقفها ظل خافتًا طوال فترة اعتقالها، ما يعكس واقعًا شائكًا داخل الجامعات الأميركية، حيث تُمارَس ضغوط شديدة على إدارة الجامعات للحفاظ على ما يُسمى "الحياد السياسي"، حتى ولو جاء ذلك على حساب حرية طلابها في التعبير.
وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم الجامعة: "يسعدنا صدور الحكم بالإفراج عن أوزتورك. نتطلع إلى الترحيب بها مجددًا في الحرم الجامعي واستئنافها برنامج الدكتوراه". وأشارت الجامعة إلى أنها كانت على تواصل مستمر مع محاميها، وقدّمت لها الدعم الأكاديمي والمعنوي طوال فترة الأزمة.
حرية التعبير تحت الضغط
اعتبر محامو الدفاع من الاتحاد الأميركي للحريات المدنية (ACLU) أن قضية أوزتورك تمثّل خرقًا واضحًا للحقوق الدستورية، وعلى رأسها حرية التعبير وحق التقاضي العادل. وقال المحامي نور ظفر: "حكم اليوم يؤكد مبدأً دستوريًا جوهريًا: لا ينبغي لأي شخص أن يُسجن لمجرد تعبيره عن آرائه".
عودة إلى الحرم... لكن المعركة لم تنتهِ
غادرت رميساء أوزتورك مركز الاحتجاز وقد وضعت يديها على قلبها، شاكرةً أنصارها والصحفيين الذين انتظروها في الخارج. وقالت: "أنا متعبة وسأرتاح قليلًا، لكنني متحمسة للعودة إلى دراستي وإنهاء أطروحتي".
ورغم الإفراج، تبقى القضية عنوانًا لمعركة أوسع حول حرية التعبير داخل الجامعات الأميركية، في مناخ سياسي متوتر يربط النشاط الطلابي المناصر لفلسطين بتهم أمنية ومحاولات للتجريم. وما لم يُترجَم هذا الانتصار القانوني إلى ضغطٍ مستمر من الأوساط الأكاديمية والحقوقية، فإن خطر تكرار ما حدث سيبقى قائمًا، وحرية التعبير ستظل رهينة توازنات السياسة ومراكز النفوذ.