29-نوفمبر-2024
محمود عباس

رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (رويترز)

أصدر رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، منتصف الأسبوع الجاري، إعلانًا دستوريًا أثار جدلًا كبيرًا بين من يراه مخالفًا للقانون ويُعزِّز حالة الانقسام الفلسطيني لعدم صدوره بتوافق وتشاور وطني وفصائلي، وبين من يعتبره محاولةً لمنع الفراغ الرئاسي وترتيبًا لمرحلة ما بعد عباس، البالغ من العمر حاليًا 89 عامًا.

وعلى الرغم من هذا التباين في تفسير الإعلان وتحليله، يتفق كلا الرأيين على وجود ضغوط واشتراطات مورست على السلطة الفلسطينية من قِبل قوى إقليمية ودولية لطرح مثل هذا الإعلان، خاصة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض.ومع ذلك، يختلف القائلون بوجود ضغوط حول أهداف الجهات التي مارستها؛ فمنهم من يرى أن الهدف هو الحيلولة دون حدوث فوضى في حالة شغور منصب الرئيس، وآخرون يرون أن الهدف يتمثل في قطع الطريق أمام وصول حركة حماس إلى السلطة.

أهم بنود الإعلان الدستوري

نصّ الإعلان الذي طرحته رئاسة السلطة الفلسطينية على أنه "إذا شغر مركز رئيس السلطة الوطنية، وفي ظل عدم وجود المجلس التشريعي (برلمان السلطة)، يتولى رئيس المجلس الوطني الفلسطيني (برلمان منظمة التحرير) مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتًا لفترة لا تزيد على 90 يومًا".

أعلنت رئاسة السلطة الفلسطينية أن شغور منصب رئيس السلطة الوطنية في ظل غياب المجلس التشريعي يجعل رئيس المجلس الوطني الفلسطيني يتولى المهام مؤقتًا لمدة لا تتجاوز 90 يومًا

وخلال هذه الفترة تُجرى "انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقًا لقانون الانتخابات". وتجدر الإشارة إلى أن القانون الأساسي ينص، في حالة شغور الرئاسة، على "تولّي رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتًا لمدة لا تزيد عن 60 يومًا، تُجرى خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقًا لقانون الانتخابات الفلسطيني".

لكن منذ أن حُلّ المجلس التشريعي من قِبل المحكمة الدستورية عام 2018، لم يتمكّن الفرقاء الفلسطينيون من تشكيل مجلس تشريعي جديد بسبب حالة الانقسام السياسي. ولهذا السبب، جاء الإعلان الدستوري الجديد ببديل يتمثل في المجلس الوطني الفلسطيني، الذي يرأسه حاليًا روحي فتوح، القيادي في حركة فتح، لحل أي معضلة قد تواجه نقل السلطة مستقبلًا.

يُشار إلى أن المجلس الوطني يُعتبر "السلطة التشريعية العليا للشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، وهو الذي يضع سياسات منظمة التحرير ويرسم برامجها".

تشريح الإعلان الدستوري سياسيًا وقانونيًا

تأتي هذه الخطوة بعد عديد التقارير التي سربتها وسائل إعلام مختلفة، بما فيها تقرير لموقع "أكسيوس" الأميركي يشير إلى تطوير خطة إسرائيلية لمستقبل الحكم في غزة "تهمش الرئيس الفلسطيني"، ومحاولة "تعيين شخصية فلسطينية للمساعدة في قيادة الانتقال في غزة".

وجاءت تسريبات الموقع الأميركي بعد بضعة أيام من اجتماع بين حركتي حماس وفتح استضافته القاهرة الشهر الماضي، وجرى خلاله بحث "الموضوع الوطني في عمومه، وأهمية تشكيل حكومة وحدة وطنية جامعة تمثل الكل الفلسطيني"، بحسب موقع "العربي الجديد".

وبحسب مصدر تحدث لموقع "العربي الجديد"، فإن الهدف من الإعلان الدستوري "قطع الطريق على أي محاولة لفرض أحد من خارج النظام السياسي على رأس السلطة"، موضحًا أن "هذا القرار هو تأكيد على مشروعية المؤسسة والشرعية الفلسطينية، وبالتالي يضمن تداول السلطة في إطار المؤسسة السياسية الفلسطينية في المرحلة الانتقالية التي تلي شغور منصب الرئيس".

وكانت السلطة الفلسطينية قد شهدت وضعًا شبيهًا عند الإعلان عن وفاة الرئيس السابق، ياسر عرفات، في تشرين الثاني/نوفمبر 2004، وتولى حينها فتوح نفسه رئاسة السلطة الفلسطينية، وفقًا لنائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني السابق، حسن خريشة، الذي يرى أن هذه الخطوة "سياسية أكثر من كونها قانونية"، لافتًا إلى أن القرار من الجانب القانوني يشوبه "بعض العيوب الدستورية"، أما فيما يخص الجانب السياسي فإنه "يحسم الجدل في الداخل الفلسطيني، وهو أفضل الحلول السيئة"، مبيّنًا أنه "كان من الأولى أن يقود المرحلة المقبلة شخص منتخب".

ويضيف خريشة في حديثه لموقع "ألترا فلسطين" مستدركًا أن "الظروف اليوم غير طبيعية، فالمجلس التشريعي مغيّب ومعطّل بقرار من المحكمة الدستورية وهو أمر عليه خلاف كبير، ثانيًا هناك حرب إبادة على الشعب الفلسطيني"، وتطرق في حديثه إلى وجو "ضغوط من أميركا وإسرائيل تحت شعار اليوم التالي للحرب، وهناك أقاويل كثيرة حول هذا الموضوع"، معتبرًا أن "هذا المرسوم وضع حدًا لهذه المغالطات،وكأنه اعتبر أن المجلس الوطني يتولى مسؤوليات المجلس التشريعي، رغم أن المجلس الوطني غير منتخب وتنازل عن صلاحيّته طواعية إلى المجلس المركزي".

من جانبه، يرى أستاذ القانون في الجامعة العربيّة الأميركيّة، رائد أبو بدوية، أن مرسوم عباس من الناحية القانونية "تجاوز الصلاحيات الممنوحة له من الناحية الدستورية"، موضحًا أن "القانون الأساسي لا يمنح الرئيس أيّ صلاحيات لإصدار مرسوم دستوري، وأيضًا مضمون المرسوم نفسه وما فيه من إجراء تعديل دستوريّ ليس أيضًا من صلاحيات الرئيس، وبالتالي المرسوم الذي أصدره غير دستوري"، مؤكدًا أن المرسوم كان كان "سياسيًا أكثر مما هو يرتبط في جانب قانوني".

وأضاف أبو بدوية أنه كان "بإمكان الرئيس أن يستخدم أداة سياسية أفضل من هذه، عبر التوافق الوطني، رغم أهمية تعبئة الفراغ الذي خلقه حل المجلس التشريعي"، خاصة في ظل الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني، وهو ما لفت إليه أستاذ القانون معتبرًا أن هدف عباس من هذه الخطوة "هو سياسي متعلق بصراعات حول المنصب ما بين قيادات سياسية داخل فتح في الضفة الغربية".

كما أنه لا يستبعد أن يكون المرسوم "استجابة لضغوط أوروبية وأميركية وعربية لتعبئة هذا الفراغ خشية من الفوضى السياسية والأمنية الّتي من الممكن أن يخلقها خلو هذا المنصب في حال غياب الرئيس"، معتبرًا أن عباس من خلال هذا المرسوم " لبى رغبات جهات خارجية مهتمة في المنطقة، خشية من الفوضى، ولبى رغبات داخلية في حركة فتح"، موضحًا أن اختيار فتوح لاستلام السلطة "يجنب حركة فتح أي صراعات، ويطمئن قياداتها حول هذا الاختيار".

وكان القانون الأساسي المعدّل للمجلس التشريعي الصادر في تموز/يوليو 2002 قد حدد مهامه بسن القوانين التشريعية، وكذلك مراقبة سير عمل الحكومة ومؤسساتها الرسمية، وهو ما يمنحه صلاحيات تخوله منح وحجب الثقة عن الحكومة. كما أن من مهامه أيضًا الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى دعم جهود السلطة التنفيذية وفريق المفاوضات الفلسطيني في قضايا القدس واللاجئين والاستيطان وإطلاق سراح الأسرى من سجون الاحتلال الإسرائيلي.

انتقال السلطة

يكشف الإعلان الدستوري بما لا يدع مجالًا للشك أن قضية انتقال السلطة أصبحت تشغل عباس والمحيطين به. وفي ظل غياب مجلس تشريعي يتولى رئيسه السلطة، يرى الخبير في الشأن الفلسطيني جهاد حرب، في تصريح لوكالة الأناضول، أن عباس "اتجه نحو السلطة التشريعية الموالية له، وهي المجلس الوطني"، مرجّحًا أن يثير "الإعلان نقاشًا حادًا بين أطراف الانقسام، فتح وحماس، وسيُغيّر طبيعة السلطة لأنه جاء بمنصب من خارج السلطة، أي من منظمة التحرير، ووفق المتعارف عليه فإن المجلس الوطني أعلى من المجلس التشريعي". واعتبر حرب أن "ما جرى هو خلط بين المؤسستين: المنظمة والسلطة، ونظامين قائمين، مما سيُسبِّب إرباكًا مستقبليًا"، وفق توقّعه.

في المقابل، يرى مدير مركز يبوس للدراسات سليمان بشارات أن الإعلان يُمثّل استكمالًا لمسار إصلاحات بدأت منذ فترة لتجديد السلطة الفلسطينية، وهو أحد المطالب الدولية البارزة بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. ويرى بشارات أن "تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة محمد مصطفى، وخطوة الإعلان، يُعدّان جزءًا من ترتيب مؤسسات السلطة الفلسطينية، باعتبارها المرجعيات الرئيسية".

وأشار بشارات إلى بُعد آخر يمكن قراءة الإعلان على ضوئه، وهو "تصاعد حدّة الاستقطابات داخل أقطاب السلطة الفلسطينية وحركة فتح في السنوات الأخيرة حول خليفة الرئيس". وأوضح أنه على إثر هذه الاستقطابات "تم انتخاب نائب لرئيس حركة فتح، وهو محمود العالول، بهدف ترتيب البيت الداخلي الفتحاوي والسلطة الفلسطينية لمرحلة ما بعد الرئيس عباس".

ومع ذلك، لم يستبعد بشارات أن يُضيف هذا الإعلان "مزيدًا من الغموض على مستقبل الواقع السياسي الفلسطيني، والعلاقة الداخلية بين السلطة ككيان سياسي ومنظمة التحرير كمرجعية لها". وينطبق الأمر ذاته على العلاقة بين السلطة والأحزاب الفلسطينية، ابتداءً من حركة فتح التي تُعتبر جزءًا أساسيًا من السلطة، إلى إمكانية إدماج حركتي حماس والجهاد الإسلامي مستقبليًا في النظام السياسي، في حال التوصل إلى تفاهمات سياسية شاملة.

انتقادات بتجاوز الصلاحيات

يرى أستاذ القانون الدولي في الجامعة العربية الأميركية بجنين، رائد أبو بدوية، أن الإعلان الدستوري "تجاوزٌ للصلاحيات الممنوحة للرئيس"، إذ يُخالف القانون الأساسي الذي ينص على أن تعديل نصوص الدستور يمر عبر المجلس التشريعي وبثلثي أعضائه.

ونوّه أبو بدوية إلى أن القانون الأساسي ينص على أنه "في حال شغور مركز الرئيس، يتولى رئيس المجلس التشريعي رئاسة السلطة مؤقتًا لمدة لا تزيد عن 60 يومًا تُجرى خلالها الانتخابات. وإذا رغب رئيس المجلس التشريعي في الترشّح للرئاسة أو حال دون توليه الرئاسة مانع قانوني، يتولى رئاسة الدولة رئيس المجلس الأعلى للقضاء مؤقتًا حتى إتمام الانتخابات".

ولم يستبعد أبو بدوية أن تكون "ضغوط سياسية إقليمية وعربية وأميركية خلف إصدار الإعلان، وذلك خشية حدوث حالة فوضى في حال شغور منصب الرئيس"، مؤكدًا أن رئيس المجلس الوطني الحالي، روحي فتوح، "شخصية بعيدة عن التجاذبات السياسية، وقد تكون مقبولة لدى قيادات حركة فتح، التي تطمح لشغل المنصب".