01-ديسمبر-2015

الإعلام اللبناني كارثي (رتيب الصفدي/الأناضول/Getty)

"نعم أنه شهر مبارك" هكذا علّقت مذيعة الـMTV على حدث تحرير العسكريين. فلولا هذا الشهر لما تحرر العسكريون ولما تسهلت المفاوضات. يا لها من صدفة.

يثبّت المصور الكاميرا على الأم التي تنتظر بلوعة رجوع ابنها في حين يفرط المذيع بملامحه الشعرية، فارضين على المشاهد الانجرار وراء عاطفته. هكذا، تعاملت أغلب وسائل الإعلام في لبنان مع انتظار صفقة تبادل الأسرى، حيث ساهمت إلى حد ما، في جعل التغطية الصحفية لأحداث مماثلة، أشبه بمشاهد سوريالية هدفها الوحيد، جذب المشاهد واللعب بعواطفه.

سألت إحدى المراسلات أحد العسكريين المحررين عما إذا كان "سيحلق ذقنه بعد الوصول إلى البيت؟

لسيت المرة الأولى طبعًا التي يخوض فيها الإعلام تجربة مماثلة، وتعتبر تجربة مخطوفي أعزاز الأقرب الآن كمثال لتعاطي الإعلام، من خلال تغطياته، مع أحداث الخطف وتبادل الأسرى. أما إذا أردنا تناول الأخطاء التي وقعت فيها وسائل الإعلام خلال متابعة الملف بالكامل، أكان من خلال تغطيات أو نقل للأخبار، فليس بالمسموح التغاطي عن الأمر بعد الآن. فتسريب خبر الإفراج عن العسكريين المخطوفين "خلال ساعات" كمادة دسمة تدرجها وسائل الإعلام ضمن خانة "السبق الصحفي" تؤثر على الملف سلبًا أكثر منه نقلًا لخبر قد يهم الرأي العام، وقد تسبب في إحداث عرقلة في الملف كما حدث في مرات سابقة. ما يطرح تساؤلًا مهمًا، ألم تلحظ وسائل الإعلام بمراسليها وصحفييها، أن هذا الخطأ ما زال يتكرر ولم يتم الاستفادة من التجارب السابقة لتحسين كيفية التعامل مع ملفات كهذه؟

الخبر تم نشره أولًا عبر ال"nbn" و"الميادين" ومن ثم على المحطات الأخرى. الملحوظ هنا أن المحطات الأخرى نقلت الخبر تلقائيًا وعلى نطاق أوسع دون البحث في تأثيراته وانعكاساته. لا يمكننا أيضًا إلقاء اللوم كله على الإعلام في حالات كهذه، ولكن الأخطاء التي يقترفها لها تأثير مهم في عملية المفاوضات. فالخاطف يستفيد من تغطية الإعلام ويتأثر بطريقة تعامل الإعلام معه خصوصًا في حين تصوير تحرير المخطوفين بالـ"نصر" مثلًا وفي حالات أخرى عديدة.

في سياق آخر، وإذا أردنا الكلام عن التغطية "الحصرية" للـMTV والتي لاقت اعتراضات وانتقادات عديدة، فالمشكلة الأساسية هنا ليست في تغطية المحطة للمفاوضات من أولها، بل بالأداء غير المهني طبعًا والذي ساهم إلى حد كبير في تبييض صورة الخاطف. فالوجود في هذا الموقف يتطلب من المراسل أن يكون على قدر من الوعي والمهنية العالية لتفادي الوقوع في هكذا أخطاء.

أما عن المفاخرة بحصرية النقل المباشر والتي كررتها الـMTV خلال تغطيتها لليوم بأكمله، من خلال تصوير هذه التغطية بإنجاز كبير، والمفاخرة بها على الهواء. نعم، وسيلة أعلامية، تشيد من خلال مراسليها ومذيعيها، على الهواء، بهذا الإنجاز الذي لا يخلو من الأخطاء المهنية. وإذا أردنا التحدث هنا عن المبالغة في تصوير الوقائع والأحداث، فيمكننا إيجاد مآخذ عديدة منها قيام إحدى المحطات الإعلامية بتصوير اللواء عباس إبراهيم على أنه البطل. المبالغة هي بتصوير إنجاز عمل في وظيفة معينة على أنه "عمل بطولي". أو مثلًا مساهمة محطة أخرى، بطريقة غير مباشرة، في شكر جهود السياسيين في العمل على هذا الملف والنتائج التي وصلوا إليها.

صورت إحدى المحطات الإعلامية اللواء عباس إبراهيم على أنه البطل

أما عن الأسئلة السطحية التي ينهال بها المراسلون، فهذا الموضوع لا يمكن التغاضي عنه أو إهماله. فعلى سبيل المثال، سألت إحدى المراسلات أحد العسكريين المحررين عما إذا كان "سيحلق ذقنه بعد الوصول إلى البيت؟"، أو مثلا " كنت ناطر هاللحظة؟" .المراسلة نفسها لديها سجل حافل من الأسئلة السطحية في تغطيات مباشرة متعددة وفي ظروف دقيقة كهذه. ما يعيد النقاش التالي إلى الواجهة، هل فتح الهواء بطريقة عشوائية وغير مسؤولة هو ما يساهم في التفوّه بأسئلة غبية لتعبئة الوقت؟ أو قلة مهنية ومعرفة المراسل في التعامل مع هذه الحالات؟

يمكننا في هذا السياق الكلام عن الوقت الذي تعطية الوسائل الإعلامية لأحداث مماثلة، وكيفية تعامل الصحافيون مع المادة خلال البث المباشر. فنلاحظ أنه في الوقت الأكبر من التغطية، يعيد المراسل المعلومات نفسها، ويكررها بصيغة أخرى، نظرًا لعدم وجود أحداث جديدة ما يعزز احتمال الوقوع بأخطاء.

أخطاء أخرى عديدة ما زالت تتكرر خصوصًا في أحداث أمنية كهذه، آخرها انفجارا برج البراجنة، وتثبيت الصورة على موقع الإنفجار. كما ونشر صور لأشلاء وأسماء الضحايا. التعامل مع الصورة يكشف مشاكل عديدة في الجسم الإعلامي، هذه المشاكل التي ما زالت تتكرر رغم تكرار التجربة.

إقرأ/ي أيضًا: العسكر تحرر.. بكاميرا النصرة