19-يوليو-2018

لا يعطي الإعلام الجزائري اهتمامًا كافيًا بالإبداع (Getty)

كثيرًا ما نتحدّث عن إهمالات وزارة الثقافة الجزائرية في الاحتفاء بالوجوه الجزائرية المبدعة، التي تحصل على جوائزَ مهمّة خارج الجزائر. فهي تذهب يتيمة وتعود يتيمة، من غير أيّ التفاتٍ إليها من طرف هذه الوزارة المكلفة بهذا أصلًا، أو من مؤسّساتها التّابعة لها، حتى أنّ "المهرجان الدّولي لأدب الشّباب" مثلًا كان يستبعد أوّل ما يستبعد هذه الوجوه بالذّات.

ما معنى أنّ المشهد الإعلاميّ الجزائريّ بات يُعتّم على الموهبة ويضيء الفقاعة؟ هل هو انسجام منه مع واقع المشهد السّياسيّ؟

 لكنّنا لا نتحدّث عن إهمالات الإعلام الجزائري الحكومي منه والمستقل في هذا الإطار، وعن تعامله البارد مع الفتوحات الثقافية والفنية والأدبية، التي يحقّقها مثقّفون وفنّانون وكتّاب جزائريون في الخارج، ولكن عن واقع صارخ بغضِّ النّظر عن النّوايا التي تقف وراءه.

لقد تابعتُ كيف تعامل إعلام الدّول العربية، التي ترشّح منها وجه أو وجهان أو عدّة وجوه للمسابقات الكبرى مثل "أمير الشّعراء" و"منشد الشّارقة" و"عرب آيدل" و"جائزة بوكر للرواية" و"جائزة كاتارا" وجائزة الطيّب صالح، وقارنته بتعامل إعلامنا مع وجوهنا، التي ترشّحت لهذه المسابقات، فوجدت أنّ الفرق بينهما شاسعًأ. بل إنّ بعض منابرنا الإعلامية لم تتفاعل مع الأمر حتى من باب حقّ المواطن في المعلومة، كأن تكتب أو تبثّ أنّ فلانًا فاز أو هو مؤهل للفوز.

في المقابل، يمكننا أن نفتح التلفاز أو الجريدة صباحًا، فنجد وجهًا يُقدّم على أنّه كاتب فحل، مع تسجيل اندهاشي من سحب صفة الفحولة إلى حقل الكتابة، وهو في الحقيقة ليس مؤهلًا للتّشجيع ناهيكم عن التّلميع. إنّه من تلك الفصيلة، التي لا ترى في الكتابة مشروعًا يقتضي المكابدة والتّكوين والاجتهاد اليوميّ من أجل تعميق التّجربة والنّصّ، بل تراها مجدًا إضافيًا للعائلة، فهي تسعى إلى اقتحام المنابر أكثر من سعيها إلى اقتحام الأفكار.

اقرأ/ي أيضًا: المؤسسات الثقافية في الجزائر كأداة لخدمة النظام

ما معنى أنّ المشهد الإعلاميّ الجزائريّ بات يُعتّم على الموهبة ويضيء الفقاعة؟ هل هو انسجام منه مع واقع المشهد السّياسيّ، الذي بات ممكنًا فيه أن يُصبح شخص بلا مؤهلات يُدير إحدى المؤسّسات أو الهيئات السّياسية المفصلية؟ من باب تمييع المشهد وتعفينه، حتّى يبقى الألق مصبوبًا على شخص معيّن يحكم وفق المثل الشّعبيّ القائل "وحدي نضوّي البلاد"؟ أم هي مسؤولية النّخبة المثقّفة، التي استقالت من مهمّة الدّفاع عن سلّم القيم، ووضع معايير صارمة تنصف الجيّد وتغربل الرّديء؟

لنفترض أنّ هيمنة مواقع التّواصل الاجتماعي كسرت الحواجز وألغت منطق التّزكية وفتحت الأبواب، بحيث يُمكن لشابّ في بقعة نائية أن يتواصل مباشرة مع منتج أو ناشر أو إعلاميّ من غير وسيط. فهل كان ذلك مدخلًا لهيمنة الرّداءة في المشاهد الغربية، التي تحتكم إلى الوعي بالجمال، فتحكّمه في التّعتيم والإضاءة؟    

التقيت زميلًا صحفيًا يرأس القسم الثّقافي لإحدى الجرائد الوطنية، فقلت له: لماذا لم تساند فلانًا في المسابقة الفلانية؟ فقال لي إنّه لا يحبّه. قلت: إنّني لا أتحدّث عن صفحتك الشّخصية في فيسبوك، والتي أنت حرّ في أن تسانده أو لا تسانده فيها. إنّني أتحدّث عن جريدة وطنية هي في الأصل ملك للقرّاء، ومن التعسّف أن تستغلّ نفوذك فيها لتحكّم عواطفك أو مصالحك الشّخصية في تعاملك مع الفاعلين في المشهد الثقافي.

إنّ الاحترافية التي تصرّ دائمًا على أن تقرنها باسمك وقلمك ليست كلامًا تقوله. بل هي تفكير تفكّره وسلوك تسلكه، وما اقترفته من إقصاء في حقّ هذا المترشّح بسبب عاطفة شخصية هو احترافية، ولكن في الرداءة الإعلامية.

مَخرج: لا تخاف السّلطة المريضة، من إعلام لا يُراجع أمراضَه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الآداب والعلوم الإنسانية في الجزائر.. إلى أين؟

"الفنون الجميلة" غير معترف بها في الجزائر!