06-يونيو-2017

تظاهرة عمالية في مصر (جيانلويجي غرسيا/ أ.ف.ب)

شهدت مصر منذ نحو 60 يومًا إعلان عمال الأمن الإداري في شركة أسمنت طره، الاعتصام السلمي اعتراضًا على وضعهم المزري والمطالبة بحقوقهم المهدورة. وفي الثاني والعشرين من شهر أيّار/مايو الماضي، أُلقي القبض على 22 عاملًا، ليزداد عددهم في اليوم التالي إلى 32، قبل أن تصدر محكمة جنح المعادي، يوم الأحد الماضي، حكمًا ضد العمال بالسجن ثلاث سنوات، وسط حالة اعتراضات وتنديد نقابات عمالية ومنظمات حقوقية، كما أن نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دشنوا هاشتاغ "#الحرية_للعمال".

ما الدافع من وراء الاعتصام؟

قبل أيام قليلة من بدء العمال لاعتصامهم، قتل أحد زملائهم وهو يحاول منع محاولة سرقة للمصنع، دون أن يلقى تشريفًا مناسبًا من الإدارة، ودون أن يعطى أهله أي تعويض مادي، أو حتى مساعدات إقامة جنازة لفقيدهم، فضلًا عن عدم صرف معاش المتوفى لهم.

عرضت الشركة إعطاء كل عامل 30 ألف جنيه مقابل إنهاء الاعتصام والقبول بالتسريح، لكن العمال أصروا على كامل حقوقهم

أبدى العمال امتعاضهم مما حدث، قبل أن تتصاعد الأمور بعد قرار الإدارة باستبدالهم بعمال آخرين، بعد أن قضوا فترة عمل في الشركة تتراوح ما بين 10 إلى 15 سنة، ودون حصولهم على مكافآت نهاية الخدمة. من جانبها حاولت الإدارة تسوية الأمور وديًا، إلا أنها لم تنجح في ذلك، واستمر العمال في اعتصامهم.

اقرأ/ي أيضًا: عمال مصر.. كلمة السر في الثورة

ويقول أحد المحامين المتابعين للقضية، وقد طلب عدم نشر اسمه، إن إدارة الشركة حاولت عقد مفاوضات قائمة مع العمال، قائمة على دفع 30 ألف جنيه لكل عامل لفض الاعتصام وإنهاء الأمر بقبول التسريح، لكن العمال رفضوا المبلغ المعروض، واستمروا في اعتصامهم مطالبين بكامل حقوقهم.

القبض على العمال بالمخالفة للدستور

يقول المحامي إن ضابط شرطة اجتمع بالعمّال في اليوم السابق لفض اعتصامهم، مطمئنًا إياهم بتنفيذ كافة مطالبهم. لكن العمال فوجئوا في اليوم التالي، الموافق 22 أيار/مايو الماضي، باقتحام  الاعتصام من قبل حوالي 6 مدرعات وقوة كبيرة من جنود الأمن المركزي، ليلقوا القبض على 22 عاملًا، ثم في اليوم التالي عادوا لإلقاء القبض على عشرةٍ آخرين.

وأوضح المحامي أن اعتقال العمال يأتي بالمخالفة للمادة 15 من الدستور المصري، والتي تنص على أنّ "الإضراب السلمي حق ينظمه القانون"، وبالفعل ينظم القانون المصري تلك المسألة، ولا يعتبر في الإضراب عن العمل أو الاعتصام السلمي جناية.

ملابسات الحكم عليهم: "الإضراب حرام"!

يقول شهود عيان ممن حضروا المحاكمة، إن القاضي وجّه حديثه للعمال، أثناء نطقه بالحكم، قائلًا لهم: "الإضراب حرام"! وهو ما يبدو أمرًا غريبًا، من جهة لأنه ليست من اختصاصات القاضي الفتوى الشرعية، ومن جهة أخرى لأن الإضراب حق يكفله الدستور والقانون. ولكن يُمكن فهم السياق العام باكتشاف المفاجئة، وهي أنّ أيّا من التهم الموجهة للعمال لم تتضمن من بينها الإضراب! فعلى ماذا إذن حُوكم العمال؟

يُوضح المحامي أن التهم الموجهة للعمال كانت مقاومة السلطات والبلطجة والتعدي على موظف عام أثناء تأدية عمله واستعراض القوة واحتجاز مجندين. واحتكم القاضي للمواد 136 "أ" مكرر و375 مكرر من قانون العقوبات المصري، والتي تنص على المعاقبة بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات في حالات البلطجة والتعدي على السلطات. 

صرخ القاضي في وجه العمال المتهمين: "الإضراب حرام"، ثم اتهمهم بالبلطجة واستعراض القوة، دون أي دليل

في المقابل، لا يتضمن المحضر المحرر ضم العمال أي أحراز أو شهود أو تقرير طبي أو إثباتات تشير إلى تورطهم فيما اتهموا به، كما لم يذكر المحضر أسماء المجندين الذين تم احتجازهم. ورغم كل هذه الدلائل التي تشير إلى براءة المتهمين وزيف التهم الموجهة ضدهم، وبدلًا من أن ينصفهم القضاء ويحكم على إدارة الشركة بإعطائهم حقوقهم، أصدر القاضي حكمًا ضد العمال بالسجن ثلاث سنوات.

فرع "إسرائيلي" للشركة

عبر صفحته على فيسبوك، نشر الناشط السياسي والمحامي في الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، هيثم محمدين، تدوينة يقول فيها إنّ للشركة المذكورة فرع في الأراضي المحتلة، يعمل في محجر، بالقوة تحت حماية جيش الاحتلال الإسرائيلي. مُوضحًا أن شركة أسمنت طره كانت مملوكة للدولة قبل أن تشتريها شركة أسمنت ألمانية تُسمى "هايدلبرغ للأسمنت"، نفسها صاحبة الفرع العامل بمحجر في الأراضي المحتلة بالضفة الغربية.

 

 

موت الحركة العمالية في مصر

للحركة العمالية في مصر تاريخ طويل من النضال، صقل تحركاتها ورؤيتها. وقد كان لها دور تراكمي مفصلي في الفترة السابقة مباشرة لثورة 25 يناير، لتنظيمهم حراكًا مستمرًا اضطربت على إثره السلطات المصرية، وربما كان أبرزها إضراب غزل المحلة في 6 نيسان/أبريل 2008.

على ما يبدو فإنّ نظام ما بعد الثالث من تموز/يوليو 2013، أدرك قوة الحركة العمالية، وتأثير حراكهم، فسعى لإضعافها، بداية من دستور 2014 الذي ألغى المادة التي تنص على نسبة الـ50% للعمال والفلاحين كنواب، وهي المادة التي اعتبرها البعض بمثابة حق مكتسب كان يجب الحفاظ عليه.

سعى نظام 3 تموز/يوليو 2013، إلى إضعاف الحركة العمالية وإفراغ حراكها من مضمونه بدعوى "دفع عجلة الإنتاج" و"محاربة الإرهاب" 

ثم تكررت مظاهر إفراغ الحراك العمالي من محتواه باستمرارية الهجوم عليه إعلاميًا، مرة باتهامه بـ"تعطيل عجلة الإنتاج" ومرة بأنه يمثل مطالب فئوية، ومرة اُخرى باتهامه الانتماء لـ"جماعة محظورة"، ومرة لأن الدولة تحارب الإرهاب "فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، وأشياء من هذا القبيل بهدف عزل الحركة العمالية، وإخضاعها لسطوة رأس المال وتحكم أصحاب العمل.

اقرأ/ي أيضًا: المجتمع المدني في مصر.. صراع الدولة والمواطنين

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل سعى النظام العسكري لمواجهة أي نشاط يرصد أزمات العمال ويحثهم على حقوقهم، وتكميم أي صوت يطالب بحقوق العمال وقصف كل قلم يراقب ويرصد ويقارن بين وضع الحركة العمالية في الحاضر والماضي، ويمكن التدليل على ذلك عبر تورط الداخلية المصرية في قتل الطالب الإيطالي "جوليو ريجيني"، الذي يرى كثيرون أن سبب التنكيل به هي أبحاثه التي تناولت الحركات والنقابات العمالية في مصر، ومقالاته التي نددت بسوء وتردي وضع الحركة العمالية في مصر بعد أحداث 30 حزيران/يونيو 2013.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الحركة العمالية في مصر.. درب الآلام (1-2)

الحركة العمالية في مصر.. درب الآلام (2-2)