أن تتملك وحدة سكنية في مصر، أيًا كانت مساحتها وموقعها، فأنت بذلك حققت قرابة 50% من الاستقرار المعيشي المقسم إلى قسمين رئيسين، السكن والنفقات المعيشية اليومية، والعكس صحيح، ففي حال عجزك في الحصول على شقة للسكن فأنت معرض للخطر الذي قد يصل في بعض الأحيان إلى حد التشرد في الشوارع والطرقات، وربما اللجوء إلى المقابر والجبانات كحل بديل وإن كان غير مضمون أو ربما غير متوفر في ظل كثافة الإقبال.
وفي دولة بحجم مصر، حيث يتجاوز عدد السكان 115 مليون نسمة، يعيش 32.5% منهم (أكثر من 34 مليون مواطن) تحت خط الفقر، تجد نفسك في مأزق حقيقي؛ إذ إن تملّك وحدة سكنية في مثل هذه الظروف بات حلمًا بعيد المنال للغالبية العظمى، خاصة من متوسطي ومحدودي الدخل، الذين يقضون جل حياتهم تحت رحمة "الإيجار الحديث"، الذي يتفنن في استنزاف مواردهم وإفراغ جيوبهم.
في نيسان/أبريل الجاري طرحت هيئة المجتمعات العمرانية عددًا من الوحدات السكنية للبيع في عدد من المحافظات، بنظام التمويل العقاري، تتراوح أسعار المتر بها بين 10 – 35 ألف جنيه ( 20- 70 دولارًا) وبمساحات تتراوح بين 75 – 180 مترًا للوحدة
وأمام هذا المشهد الصعب، حاولت الدولة الدخول على خط الأزمة للتخفيف نسبيًا على المواطنين، وذلك من خلال الخطط التي تبنتها الحكومة تحت مسميات عدة، مشروع المليون وحدة، شقة لكل مواطن، وغيرها من الخطط التي تضمنها برنامج الإسكان الاجتماعي الذي تتولاه هيئة المجتمعات العمرانية في إطار خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة.
وبالفعل استطاعت الحكومة اعتماد ما يقرب من 700 ألف وحدة سكنية منذ عام 2014 وحتى اليوم، بُني منهم فعليًا نحو 568 ألفًا و700 وحدة، وذلك ضمن مشروع المليون وحدة، وهي الجهود التي ساهمت بالفعل في تخفيف حدة الأزمة لكنها لم تقض عليها بالشكل المأمول، إذ جاءت الرياح بما لا تشته سفن المواطن وإمكانياته المحدودة.
"وصل الحال لتخوف البعض من أن تصبح رائدة الطب في العالم العربي أول دولة بلا أطباء، كما جاء على لسان أستاذ الأمراض الباطنية والسكري بجامعة هارفارد، الدكتور أسامة حمدي".
تقررؤن التفاصيل في مقال عماد عنان عبر ألترا صوت: https://t.co/lSmqEFi2sn pic.twitter.com/O1GD2LO9OJ
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 24, 2025
حيث فوجئ الشاب الذي يؤمل نفسه بشقة يبدأ بها حياته، ويتخذها سكنًا لأسرة المستقبل، بأسعار خيالية، لا تتناسب مطلقًا مع فئة متوسطي ومحدودي الدخل التي بُنيت لأجلهم، أو هكذا رُوج لها، ليجد نفسه ضحية تنافس وابتزاز وصراع حامي الوطيس بين الحكومة وشركات المقاولات الخاصة، معركة تكسير عظام يدفع ثمنها الملايين من الشباب المصري.
شقة الإسكان الاجتماعي.. حلم بعيد المنال
تحول السكن اليوم إلى حلم بعيد المنال للملايين من الشباب من أبناء الطبقة المتوسطة، وبات امتلاك وحدة سكنية دربًا من المستحيل في ظل الفجوة الكبيرة بين سعر الوحدة ودخل الشاب، وهي الفجوة التي تتسع عامًا تلو الأخر، ووصلت إلى مستويات غير مسبوقة خلال السنوات التسعة الأخيرة، منذ قرار تعويم الجنيه عام 2016.
في نيسان/أبريل الجاري طرحت هيئة المجتمعات العمرانية عددًا من الوحدات السكنية للبيع في عدد من المحافظات، بنظام التمويل العقاري، تتراوح أسعار المتر بها بين 10 – 35 ألف جنيه ( 20- 70 دولارًا) وبمساحات تتراوح بين 75 – 180 مترًا للوحدة، علمًا بأن سعر المتر في تلك المناطق المعُلن عنها وبذات المساحات قبل 10 سنوات تقريبًا لم يتجاوز20% تقريبًا من سعرها اليوم، وهو ما يعكس مستوى التضخم الذي وصل إليه السوق العقاري في مصر.
"أحتاج إلى سبعة عشر عامًا كي أستطيع شراء شقة بمساحة مئة متر... وكم في العمر من سبعة عشر عامًا؟".. بهذا السؤال الاستنكاري علق أشرف على الطرح الإسكاني الجديد الذي أعلنت عنه الحكومة المصرية مؤخرًا، والذي وصفه بأنه أكبر خدعة تعرض لها محدودو ومتوسطو الدخل في مصر خلال الآونة الأخيرة.
وأضاف أشرف في حديثه لـ"الترا صوت": "إذا كان سعر أقل متر في تلك الوحدات هو عشرة آلاف جنيه، وفي حال رغبت في شراء شقة بمساحة مئة متر مربع مثلًا، فإن سعرها سيكون نحو مليون جنيه. وأنا راتبي خمسة آلاف جنيه شهريًا، أي أنني بحاجة إلى أكثر من ستة عشر عامًا كاملة لسداد قيمة الشقة، هذا إذا خصصت كامل راتبي لسداد أقساط الوحدة، دون احتساب نفقات المأكل والملبس والعلاج... هل يُعقل هذا؟"
وفي السياق ذاته، أشار سعد، الذي حصل على وحدة سكنية ضمن مشروع الإسكان الجماعي عام 2010 في مدينة العاشر من رمضان بالشرقية مقابل نحو 30 ألف جنيه آنذاك (ما يعادل 6 آلاف دولار بسعر 5 جنيهات للدولار)، إلى أن الوضع اليوم بات صعبًا، وربما مستحيلًا، لشاب في بداية حياته ومن متوسطي الدخل، أن يحصل على وحدة تمليك بأسعار اليوم.
وأوضح في حديثه لـ"الترا صوت" أن القفزة الكبيرة في أسعار مواد البناء نتيجة انهيار الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، كان لها ارتداداتها السلبية على أسعار العقارات، والتي قفزت بمنحنى تصاعدي خطير، بلغت في بعض الأحيان عشرات الأضعاف، وهو ما فاق إمكانيات وقدرات الغالبية العظمى من المصريين الذين تبخرت رواتبهم تحت درجة التضخم الملتهبة.
🔴الخيامية في مصر.. إرث فني يحفظ تاريخ القاهرة
📌تقول رحمة لـ"الترا صوت": يومًا تلو الآخر، شربتُ الصنعة حتى أصبحتُ اليوم واحدة من أمهر العاملات في صناعة الخيامية، رغم صغر سني.
📌رغم أن التكنولوجيا سحبت البساط من تحت مهن كثيرة، تبقى الخيامية عصية على الاندثار، تحافظ على أصالتها… pic.twitter.com/w5mXMQgDOK
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 24, 2025
الحكومة تنافس شركات العقارات
يمثل سوق العقارات نحو 60% من القطاع الاقتصادي في مصر، وهي النسبة المُغرية التي تُسيل لُعاب الجميع للاستثمار فيه، وتدفع رؤوس الأموال دفعًا نحو الذوبان في هذا السوق الكبير القابل لاستيعاب كل ما يٌضخ فيه، شرط أن يتم ذلك وفق دراسة متأنية تراعي المدخلات والمخرجات وتضع في حساباتها الخصائص الديموغرافية للمجتمع المصري بصفته "الزبون" المستهدف.
وبفضل هذا السوق الضخم قفزت كيانات ما كانت معروفة لدى مجتمع المال والأعمال المصري، لتحلق في سماء الثراء في غضون سنوات معدودة، وباتت اليوم من الشركات التي يٌشار لها بالبنان، وهو النجاح الذي أغرى الحكومة لتدخل هذا المعترك من أوسع الأبواب، مستفيدة من الامتيازات الموكولة لها والتي تمنحها الأفضلية في كل شيء.
وعامًا تلو الأخر تخلت الحكومة عن مهمتها الأساسية في توفير الوحدات السكنية لحل أزمة الإسكان لدى محدودي ومتوسطي الدخل من الشباب المصري إلى منافسة أباطرة العقارات والمقاولات في مصر على الاستحواذ على النصيب الأكبر من "تورتة" سوق العقارات في البلد، حيث الطروحات السكنية التي تتشابه حد التطابق مع القطاع الخاص في المستوى والأسعار.
على سبيل المثال فإن الطرح الأخير الذي أعلن عنه صندوق الإسكان الاجتماعي والذي يشمل نحو 35.088 وحدة سكنية موزعة على 15 مدينة جديدة ضمن المرحلة الأولى من أصل خمس مراحل مخطط تنفيذها حتى نيسان/ إبريل 2026، تضمن عددًا من المشروعات السكنية من بينها: ديارنا، جنة، سكن مصر، الإسكان الحر، والإسكان المتنوع، وذلك بالتعاون مع بنك التعمير والإسكان.
وتتباين أسعار المتر في تلك المشروعات حسب المنطقة المخصصة، وفق ما أعلنته الجهات الرسمية، إذ تتراوح بين 16 ألف جنيه للمتر في أسيوط بصعيد مصر، و20 ألف جنيه في القاهرة الجديدة، مرورًا بـ18.900 جنيه في حدائق أكتوبر، و18.700 في العبور الجديدة، و18.300 في مدينة بدر، و18.100 في العاشر من رمضان، و17.500 في مدينة السادات، و16.500 في سوهاج الجديدة.
وعند مقارنة هذه الأسعار بما تطرحه الشركات العقارية الخاصة، يُلاحظ وجود تقارب كبير في القيمة ومستوى التشطيب للوحدات المسلّمة، مما يشير إلى منافسة شرسة بين الحكومة والقطاع الخاص على كعكة السوق العقاري، رغم الدعم الإداري والمالي الذي تحظى به هيئة المجتمعات العمرانية، والذي تُحرم منه شركات القطاع الخاص.
وهكذا يتحول المواطن المصري، محدود ومتوسط الدخل تحديدًا، إلى ساحة كبيرة، وربما فريسة سهلة، لمعركة تناطح دامية بين الحكومة والقطاع الخاص، على الاستحواذ على نصيب الأسد من سوق العقارات الذي لم يكتف بإسالة لُعاب الشركات في الداخل وفقط، بل أغرى مستثمري المنطقة على اختراق هذا السوق.