08-يوليو-2017

يفضل بعض الشباب الجزائري السباحة في الأودية والبحيرات قرب الجبال (الترا صوت)

تتوفّر الجزائر على سواحل طولها 1500 كم، تربط أقصى نقطتين بين حدودها مع تونس شرقًا والمغرب غربًا. ويتمركز ثلثا مدنها في هذه السّواحل، مشكّلةً مناطق سياحية كانت تستقطب 6 ملايين مصطاف من المناطق السهبية والصحراوية يوميًا. من أشهر هذه المدن السّاحلية عنابة وسكيكدة وجيجل وبجاية وبومرداس شرقًا، وتيبازة والشلف ومستغانم وعين تموشنت ووهران وتلمسان غربًا.

تراجع إقبال الجزائريين على الشواطئ هذا الصيف واتجهوا إلى البحيرات والأودية قرب الجبال لجمال مشاهدها واقتصادًا في المال

ويمثّل قضاء أيام في البحر، لدى العائلات الجزائرية المقيمة في المدن البعيدة عنه، تعرف في الأدبيات الإعلامية بالمدن الدّاخلية أو الجزائر العميقة، طقسًا سنويًا، خاصةً لدى الشّباب. إذ تُخصّص لذلك ميزانيات وتنتظم من أجله جماعات وقوافل وأفواج، للتخفيف من التكاليف المالية، التي تتحمّل بعضها النقابات والجمعيات والهيئات الحكومية والأهلية، وذلك لصالح المنتمين إليها، مثل "الكشافة الإسلامية الجزائرية"، ونقابات التعليم والمنظمات الشبابية والطلابية.

اقرأ/ي أيضًا: "الرأس كيني".. موضة جديدة للسباحة في الجزائر؟

في السّابق، كان إلقاء نظرة بسيطة على واحد من الشواطئ المعتمدة للسباحة، كافيًا لإدراك كثافة إقبال الجزائريين عليها وشغفهم بالبحر وما يوفّره من طقوس ومتع. وهو ما لا يتيحه هذا الموسم لقلّة المصطافين، حتى أن بعض الشواطئ بقيت شبه خالية، مثلما وقف عليه "الترا صوت" في محافظة بومرداس، 60 كم إلى الشرق من الجزائر العاصمة، لأسباب عدة منها الارتباك الذي وقع في وزارة السياحة، بصفتها الجهة المشرفة الأولى على موسم الاصطياف، بعزل وزيرها بعد ثلاثة أيام من تعيينه وعدم تعيين خليفة له، وتراجع القدرة الشرائية في الفضاء الجزائري، بعد سنتين من انهيار أسعار البترول.

ويمكننا أن نرصد تجليات تراجع الإقبال على الشواطئ أيضًا، خلال الموسم القائم، بحسب المدوّن والجامعي مسعود قايدي، في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، الذي يستقطب ربع عدد الجزائريين البالغ عددهم 40 مليونًا. "إذ بات من النّادر أن نجد صور البحر والاستجمام فيه، كما في السابق. حيث كان الشباب يستعرضونها للتعبير عن الفرحة والابتهاج. بل كان هناك تنافس بينهم في اختيار الشواطئ ذات السمعة المحيلة على الطبقة الثرية، ذلك أن هناك تفاوتًا بين الشواطئ في الجزائر. فشاطئ مرسى بن مهيدي اللصيق بالحدود المغربية، حيث يمكنك أن تلتقط صورة مع نجوم السياسة والرياضة والسينما والإعلام، غير شاطئ تيشي في بجاية".

هذا الواقع العام، استفاد منه ما بقي نظيفًا من البحيرات والأودية، باستقطابها لأعداد لا بأس بها من الشّباب والأطفال. فقد باتت تشكّل لهم بديلًا عن البحر. وباتت مفاصل الطرق المحاذية لها تشهد اكتظاظًا ملحوظًا للسيارات. لاحظنا ذلك عند مدخل مدينة غليزان، 300 كم، إلى الغرب من الجزائر العاصمة، ومدخل منطقة سد بني هارون، 500 كم شرقًا، ووادي الشفّة، 60 كم جنوبًا.

حوّل الشباب الجزائري بحيراته إلى جنة هذا الصيف يستعرضون فيها مهاراتهم في القفز من فوق الصخور والأشجار المحيطة ويتفننون في الرقص

ينتمي هذا الأخير إلى "الحظيرة الوطنية لجبال الشريعة" إحدى المناطق المحمية المتربّعة على 26 ألف هكتار تتوزّعها ثلاث محافظات هي المدية والبليدة وعين الدّفلى. ويتكوّن من عشرات الروافد المنحدرة صافية من الجبال، بما يجعلها صالحة للسّباحة والشّرب أيضًا، إلى جانب الظلال التي توفّرها الغابات الكثيفة، والبهجة التي توفرها القردة الأطلسية، وطاولات يشرف عليها شباب بطالون، يقدمون المشروباتٍ والمأكولاتٍ والتحف والفواكه الموسمية.

اقرأ/ي أيضًا: يوم في الشاطئ الجزائري.. معاناة سابحة

فيما تفضّل العائلات الواجهة الرّئيسية للوادي، حتى تبقى قريبة من الحماية ومن سياراتها المتوقفة على جنبات الطريق الوطني، يفضّل الشباب والمراهقون التوغل في الغابة التي تتوفّر على بحيرات طبيعية صالحة للسّباحة. وعادة ما يكون الوصول إليها على الأقدام. رافقنا ثلاثة شباب إلى إحدى هذه البحيرات، فوقفنا على العشرات الذين قالوا إنهم قدموا من مدن تبعد في حدود 100 كم عن المكان.

بعضهم أحضر أكلًا جاهزًا وبعضهم فضّل أن يعدّ أكله، خاصّةً الشّواء، في الهواء الطلق، مستغلًّا وفرة الحطب. يقول أمين لـ"الترا صوت": "جئت في البداية إلى هنا لعجزي عن الذهاب إلى البحر، لأن الجمعية التي أنتمي إليها لم تنظم جولات بحرية كما في السابق، أما الآن فأنا آتي لأستمتع بالأمر". يشرح موقفه: "هنا الهواء صاف ومنعش والماء طبيعي وجمال المنظر مضمون واحتمال الغرق منخفض والتكاليف المادية يسيرة، خاصة لمن يملك سيارة أو درّاجة".

يقاطعه الشاب إسحاق درقة: "لم أستطع أن أربط علاقات إنسانية في كل المرات التي كنت أذهب فيها إلى البحر، بسبب كثرة الناس وانشغال كل شلّة بأفرادها. أمّا هنا فيمكنك أن تصبح صديقًا للجميع في نفس اليوم". يواصل مازحًا: "ما يمكن أن تأخذه على البحيرة بالمقارنة مع البحر انعدام الجنس اللطيف". سألناه إن كان العجز المالي سببًا في عدم ذهابه إلى البحر، فقال: "الذهاب إلى البحر مرتبط بمرافقة الأسرة، وهذا بات مرهقًا من الناحية المادية، بعد شهر رمضان وعيد الفطر، وقبيل عيد الأضحى والدخول الاجتماعي".

استطاع شباب البحيرة أن يحوّلوها إلى جنّة صغيرة، فهم يستعرضون مهاراتهم في القفز من فوق الصخور والأشجار المحيطة بها. أحيانًا يبلغ الارتفاع خمسة أمتار. ويتفنّنون في الرّقص على أنغام الموسيقى المنطلقة من الهواتف النقّالة، التي ارتاحت من "فيسبوك" لانعدام التغطية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

من يجهض السياحة في الجزائر؟

السياحة الصحراوية في الجزائر.. إهمال متواصل