01-مارس-2018

تعكس الأوامر الملكية الأخيرة الفشل السعودي في حرب اليمن (بندر الجلود/ أ.ف.ب)

استتباعًا لعادته منذ صعوده للعرش بإصدار أوامر ملكية في وقت واحد، أصدر العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، قبل يومين، حزمة أوامر ملكية جديدة بلغت 38 أمرًا، شملت مختلف المجالات، بتعيينات وإعفاءات في عديد المناصب، لعلّ أهمها التغييرات على مستوى القيادات العسكرية العليا، وذلك سعيًا لدرء الفشل في الحرب المندلعة في اليمن، والتي تحوّلت إلى عبء ثقيل على السعودية.

مؤخرًا، أصدر العاهل السعودي 38 أمرًا ملكيًا شمت مختلف المجالات، وحملت بوضوح بصمات ولي العهد والحاكم الفعلي، محمد بن سلمان

كما لم تغب كالعادة على هذه الأوامر، بصمات ولي العهد محمد بن سلمان، خاصة في علاقة بعقد تحالفات مع الأمراء الشباب من أبناء عمومته، عبر تعيينهم في مناصب بعدد من المناطق أو كمستشارين بالديوان الملكي.

وثيقة غير معلنة لتطوير وزارة الدفاع

لعلّ أهم ما أوردته حزمة الأوامر الملكية هي الموافقة على ما تُسمّى "وثيقة تطوير وزارة الدفاع المشتملة على رؤية وإستراتيجية برنامج تطوير الوزارة على ضوء إستراتيجية الدفاع الوطني"، وهي وثيقة لم تُنشر بعد للسعوديين، والحال أنه من المفترض ألا تكتسب صبغة سريّة، وكذا لا يُعرف شيئًا عن إستراتيجية الدفاع في السعودية، في حين تنشر أكبر دول العالم لمواطنيها وللعالم إستراتيجيتها الدفاعية، كما هو الحال في ألمانيا مثلًا عبر ما يعرف بـ"الكتاب الأبيض".

اقرأ/ي أيضًا: الأوامر الملكية في السعودية.. خطوات نحو الشمولية تحت دعوى التحديث!

وإجمالًا، فإن ما تُسمّى وثيقة تطوير وزارة الدفاع، هي خلاصة لأعمال "لجنة دراسات أوضاع واحتياجات وزارة الدفاع"، التي تم تشكيلها منذ زمن الملك السابق عبد الله بن عبد العزيز، والتي أشرف عليها محمد بن سلمان من حينها بوصفه مديرًا لمكتب والده الملك سلمان حينما كان وزيرًا للدفاع.

ومن المرجح أن من أوليات الإستراتيجية الدفاعية للسعودية، هو سعيها لتطوير قدراتها العسكرية وتحسين كفاءتها، وذلك سعيًا لفرض ثقلها في الميزان العسكري في مواجهة خصمها الإيراني، الذي تعتبره عدوّها الأوّل، والذي يتفوق عليها على مختلف الأصعدة العسكرية، إذ لا زالت تميل الكفّة للإيرانيين في حالة اندلاع حرب مباشرة بين البلدين.

ورغم أن السعودية تحتل المرتبة الثالثة عالميًا في استيراد العتاد العسكري، فإنها ما تزال غير قادرة بعد على تمثلها كقوة عسكرية بوسعها أن تحمي نفسها بنفسها في منطقة متقلّبة، ولذلك كان دائمًا، ومنذ عقود، الاستنجاد بالحلفاء من وراء البحار، وتحديدًا الأمريكان، لفرض حدّ أدنى من توازن الرعب مع الإيرانيين.

بل ما تزال السعودية غير قادرة على ردع الحوثيين في حدودها الجنوبية، حيث تورّط ابن سلمان في حرب في اليمن منذ نحو ثلاث سنوات، والتي كلفته خسائر عسكرية ومالية، بل والأنكى أنها لم تحقق هدفها الأساسي المعلن وهو دحر الحوثيين أو إخراجهم على الأقل من العاصمة صنعاء، في حرب لا تزال مستمرّة وباتت تمثل مصدر حرج للسعوديين في المنابر الدولية خاصة فيما يتعلق بمسؤوليتها في الانتهاكات وانتشار الأوبئة.

تغييرات في مناصب عسكرية عليا.. واليمن حاضرة

بالتوازي مع الموافقة على ما سميّت وثيقة الوزارة، شملت الأوامر الملكية جملة من الإعفاءات والتعيينات في مناصب عسكرية عليا، فأنهيت خدمة رئيس هيئة الأركان العامة الذي تم تعويضه بنائبه، وكذا أُعفيَ كل من قيادات القوات البرية، والقوات الجوية، والدفاع الجوي، وتعويضهم بقيادات أخرى، وذلك في حركة تغيير عسكرية، هي الأشمل منذ صعود سلمان لكرسي العرش.

ولا يمكن قراءة هذه التغييرات إلا في إطار فشل السعودية في حربها على اليمن، حيث إن عبد الرحمن بن صالح البنيان رئيس هيئة الأركان العامة المحال إلى التقاعد، هو قائد العملية العسكرية في اليمن، كما قد تعود خلفية إعفاء محمد بن عوض سحيم قائد قوات الدفاع الجوّي لفشل قواته في التصدّي للصواريخ الحوثية في عديد المناسبات.

وقد تمّ إعفاؤهما بإحالتهما إلى التقاعد، وذلك على خلاف قيادات أخرى تم تغيير مناصبها على غرار فهد بن تركي بن عبد العزيز الذي تم إنهاء خدمته كقائد للقوات البرية، مقابل تعيينه قائدًا للقوات المشتركة. وفي هذا السياق، شملت التغييرات تعيين قائد جديد لقوة الصواريخ الإستراتيجية السعودية، وهي الفرع الخامس للجيش السعودي، والتي تضم في عتادها صواريخ باليستية من نوع "أرض أرض".

متعب بن عبد الله.. "فارس بلا جواد"!

وغالبًا لما تصدر حزم الأوامر الملكية في السعودية، يكون اسم وزير الحرس السابق، ونجل الملك الراحل، متعب بن عبدالله، حاضرًا، لكنه عادةً ما يكون حضور تقليم أظافر وتقليص نفوذ لأمير يراه ابن سلمان خصمًا في بلوغ كرسي العرش، دائمًا يوجّه إليه الضربة تلو الأخرى، فبعد إطاحته له من وزارة الحرس واعتقاله بتهم فساد قبل إطلاق سراحه في صفقة مساومة، ها هو يعفيه من موقع آخر، وهو رئاسة مجلس إدارة نادي الفروسية.

ورغم الصبغة الشرفية التي يتصف بها هذا المنصب لوهلة أولى، على الأقل مقارنة بالمواقع التي كان يشغلها متعب بن عبدالله، فإن رئاسة نادي الفروسية في حقيقته هو منصب ضارب في الدلالة والرمزية بالنسبة إليه. حيث يشرف هذا النادي على سباقات الخيل التي تكتسب شعبية واسعة في السعودية، ولها عمق دلالي في الموروث الشعبي، بيد أن الأهم هو أن والده الملك عبد الله، هو من دفع نحو تأسيس هذا النادي سنة 1965، وهو كذلك أول من ترأسه لعقود.

وبالتالي، لا يخسر متعب بن عبدالله اليوم مجرد منصب شرفي عادي، بل يخسر موقعًا جديدًا محسوب عرفيًا، ومنذ عقود، على والده وذريّته. وللمفارقة، كان آخر لقاء علني جمع صدفة ابن سلمان ومتعب بن عبدالله بعد إطلاق سراحه، في نادي الفروسية بالرياض، وذلك نهاية كانون الأول/ديسمبر الماضي. وقد بات يرأس حاليًا إدارة النادي الأمير بندر بن خالد الفيصل، وهو أكبر أبناء أمير منطقة مكة المكرمة.

وزارة للشؤون الأفريقية.. وإعفاء السفير في الإمارات

وتضمنت الأوامر تعيين وزير دولة لشؤون الدول الأفريقية في وزارة الخارجية، وهو منصب جديد مستحدث، فقد تبين عبر الاطلاع على موقع وزارة الخارجية السعودية، لا يوجد فيما سبق إلا وزير دولة وحيد للخارجية، وهو ثامر السبهان كوزير دولة لشؤون الخليج العربي، وهو أحد بيادق ولي العهد محمد بن سلمان، حيث عُرف السبهان بتغريداته المثيرة للجدل على تويتر، وكذلك بدوره في هندسة استقالة رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري، التي أجبر عليها.

تعكس التغييرات الكبرى في القيادة العسكرية، الفشل الذي منيت به سعودية ابن سلمان في حربها باليمن على مدار ثلاث سنوات

ويعكس اليوم استحداث وزارة دولة مختصة بشؤون الدول الافريقية عن سعي السعودية لتعزيز نفوذها في القارة السمراء التي استطاعت إيران في السنوات الماضية تمديد نفوذها فيها، عبر الاستثمارات الاقتصادية، وذلك عدا الخطوات التي قطعتها عديد القوى الدولية والإقليمية، ومنها بالخصوص الولايات المتحدة والصين وروسيا وتركيا، لتدعيم مواقعها وتمديد نفوذها سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا في قارة جاذبة كأفريقيا. وعيّنت السعودية سفيرها في القاهرة أحمد قطان في هذه المنصب الجديد المستحدث.

اقرأ/ي أيضًا: حزمة أوامر العاهل السعودي.. خطة محمد بن سلمان للسيطرة على كل شيء

من جانب آخر، أُعفي ضمن حزمة الأوامر، السفير السعودي في الإمارات، محمد البشر، من منصبه الذي شغله طيلة أربع سنوات، وهو ما قد يكشف عن عدم رضاء المملكة على أداء سفيرها لدى حليفتها الأقرب، التي تقود معها حصار قطر، والإعداد لصفقة القرن الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية، ليظلّ السؤال حول مواطن الخلل التي جعلت محمد البشر غير مرضي عنه لدى ابن سلمان على وجه التحديد، بيد أن ما يكسب هذا الإعفاء المزيد من الغموض، هو عدم تزامنه مع تعيين سفير جديد حتى الآن، وهو ما يزيد التساؤل حول الدافع نحو التخلي عن السفير دون توفر بديل له.

عدا ذلك، شملت الأوامر كذلك تعيينات جديدة في عدد من المناصب الوزارية والحكومية العليا أهمها إعفاء أحمد السالم نائب وزير الداخلية، وحمد الراشد وكيل الوزارة للشؤون الأمنية، وذلك بعد أقل من تسعة أشهر منذ تعيينهما، ويُرجح أن إعفاء أحمد السّالم لا يعود لأدائه في الداخلية، حيث تم إعفاؤه كذلك من عضوية مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. كما شملت الأوامر تعيينات في مناصب حكومية ذات صبغة اقتصادية أهمها تعيين نائب ومساعد جديدين لوزير الاقتصاد والتخطيط.

تعزيز لنفوذ الأمراء الشباب في المناطق

دائمًا ما كانت تتضمن حزمة الأوامر الملكية تغييرات في المناصب المناطقية، ولم تشذ حزمة الأوامر الأخيرة عن هذه القاعدة، وإن كانت محدودة، باقتصارها على منصب أمير منطقة واحدة، وذلك بتعيين بدر بن سلطان بن عبد العزيز أميرًا لمنطقة الجوف بدل فهد بن بدر بن عبد العزيز، الذي شغل هذا المنصب لنحو 16 سنة.

ولا يُعرف عن الأمير الجديد المعيّن، بدر بن سلطان، أي معلومات عدا أنه من مواليد 1980، ولا توجد مثلًا صفحة خاصة به على موقع ويكيبيديا، وذلك على خلاف العشرات من أبناء عمومته، وهو ما قد يعكس ضعف حضوره أو بالأحرى ظهوره، مقارنة بإخوته من أبناء الولي العهد السابق سلطان بن عبد العزيز.

وربّما يعود سبب محدودية حضوره أو تهميشه بأن بقية إخوته النافذين، وتحديدًا خالد نائب وزير الدفاع السابق، وبندر رئيس جهاز الاستخبارات السابق، وفهد أمير تبوك الحالي، هم جميعًا إخوة غير أشقاء له. وربما يسعى ابن سلمان بتعيينه لتوسيع شبكة حلفائه داخل الأسرة الحاكمة بتصعيد الأمراء الشباب وتحديدًا المهمّشين منهم.

وفي نفس السياق، عُيّن تركي بن طلال بن عبد العزيز نائبًا لمنطقة العسير، وهو ابن الأمير طلال المعروف بمعارضته التاريخية داخل الأسرة الحاكمة، وشقيق رجل الأعمال الشهير الوليد بن طلال والذي كان محلّ اعتقال في إطار حملة الفساد التي ادّعاها ابن سلمان لتحييد أبناء عمومته.

وربما يسعى ابن سلمان بهذا التعيين لإبراز عدم عدائه لعمّه طلال ونسله، وسعيًا لتعزيز تحالفاته داخل مختلف أجنحة الأسرة الحاكمة. وفي ذات الإطار، تم تعيين فيصل بن فهد بن مقرن بن عبد العزيز نائبًا لأمير منطقة حائل، وهو حفيد ولي العهد السابق مقرن بن عبدالعزيز.

كما شملت التعيينات مناصب أخرى في المناطق منها إعفاء محمد بن عبد الرحمن المطلق من منصب المشرف العام على منطقة الشرقية، وهي أكبر المناطق السعودية، إضافة لتعيين أمينين لمنطقتي الرياض ومكّة المكرّمة.

تعويض أستاذ فقه بأستاذ أدب!

تضمّنت الأوامر الملكية إعادة تشكيل مجلس أمناء مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني الذي أسّسه الملك السابق عبد الله بن عبد العزيز سنة 2004 عندما كان وليًا للعهد، وهدفه تكريس الوحدة الوطنية ونشر ثقافة الحوار بين أفراد المجتمع.

ويبدو أن إعادة تشكيل هذا المركز تندرج ضمن توجه ابن سلمان في الإطاحة بشيوخ الإفتاء من بعض مواقعهم، وتقليص نفوذهم لحساب شخصيات ذات خلفية ثقافية، هي الأكثر قدرة على التلاؤم ودفع المشروع الذي يحمله ولي العهد.

وأُعفيَ عضو هيئة كبار العلماء عبد الله المطلق من الأمانة العامّة لهذا المجلس، ليحلّ مكانه أستاذ الادب العربي عبد الله بن محمد سبيل. ولم يشفع للمطلق ما أظهره من دعم خفي لنهج ابن سلمان عبر فتواه الأخيرة بعدم إلزامية عباءة المرأة، وهو ما أثار موجة واسعة من الجدل بين السعوديين في الفترة الماضية، ما جعل عبدالله المطلق يصدر بلاغًا توضيحيًا ليردّ على من اعتبروا هذه الفتوى دعوة إلى خلع الحجاب.

إبراهيم السلطان.. مهندس المشاريع الاقتصادية

حاز اسم مستشار الديوان الملكي المهندس إبراهيم السلطان على قدر وفير من الاهتمام في الأوامر الملكية، وذلك بتعيينه عضوًا في مجلس الهيئة العليا لتطوير خمس مناطق كبرى، هي الرياض ومكة المكرمة والمدينة المنوّرة وحائل والشرقية، بل وبتكليفه برئاسته للجنة التنفيذية بكل من مجلس من مجالس المناطق المذكورة، وذلك بالإضافة لتعيينه مستشارًا بالديوان الملكي. 

ويكشف ذلك عن الحظوة التي يتلقاها هذا المهندس إبراهيم السلطان، وإن كان بروز اسمه على هذا النحو ليس بغريب، فقد أدار لسنوات مركز المشاريع والتخطيط بالهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض حينما كان الملك سلمان بن عبد العزيز أميرًا للمدينة، وقد تولّى لاحقًا خطة أمين العاصمة فور صعود الملك سلمان للعرش سنة 2015، ما يعني بوضوح أنه أحد الرجال المقربين من دائرة الملك.

ويكشف حاليًا تكليفه بإدارة المشاريع التطويرية في أهم مناطق البلاد على أنه كذلك أحد رجال الخطة الاقتصادية الموعودة في "رؤية 2030" التي يتخذها ابن سلمان منصّة لمشروعه نحو بلوغ كرسي العرش.

تعزيز لفيلق مستشاري الديوان الملكي

منصب مستشار بالديوان الملكي السعودي هو منصب تشريفي أكثر منه تكليفي، حيث غالبًا ما تُعيّن الشخصيات المعفاة من مناصبها كمستشار بالديوان، إذ لا تكفي مكافأة نهاية الخدمة فيضاف لها منصب وهمي.

وشملت الأوامر الأخيرة تعزيزًا لفيلق مستشاري الديوان الملكي بتعيين عبد الرحمن البنيان، المعفى من قيادة القوات السعودية، كمستشار، وكذا الحال بالنسبة لفهد بن بدر بن عبد العزيز المعفى من نيابة منطقة الجوف.

وكذلك، يفيد هذا المنصب لتوظيف الأمراء بهدف ضمان ولائهم حينما لا يوجد منصب تنفيذي شاغر مناسب، حيث يتم تعيينهم كمستشارين بالديوان الملكي دون تحديد مهمّتهم أو الملف موضوع الاستشارة المكلفّين بها.

أراد ابن سلمان بالأوامر الأخيرة، تعزيز تحالفاته داخل مختلف أجنحة الأسرة المالكة، بتعيين أمراء شباب من فروع مختلفة في آل سعود

وفي هذا الجانب، عُين كل من سلطان بن أحمد بن عبد العزيز، وفيصل بن تركي بن عبد العزيز، وهما من الأمراء الشباب غير المعروفين، مستشارين بالديوان الملكي، حيث يسعى ابن سلمان لتشبيك علاقاته مع أبناء عمومته وشراء ولائهم عبر هذا المنصب الشرفي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تأسيس مملكة محمد بن سلمان "المتهوّرة".. الحكاية من أولها

محمد بن سلمان.. صعود سريع لأمير طائش يهدد البلاد والمنطقة!